تتضح الصلة الوثيقة بين الإرهاب وحرب الشائعات . فالشائعات هي المدخل الآمن لتنفيذ العمليّة الإرهابيّة . وقد استخدم اليهود والمنافقون في المدينة هذه الحرب . ولو قدّر للمتطرفين أن ينشئُوا مدرسة للإرهاب في العصرِ الحديث لكان الدرس الأوّل فيها : ¢لا تتسرع بإطلاق الرصاص . وابدأ أولا بإطلاق شائعة¢ . وأسهل الشائعات الآن هي أن تتهم الضحية بتمزيق المصحف . أو بدهسه بالأقدام أو أنه يتباهي بالكفر والإلحاد ...إلخ . وبعدها تنتشر الإشاعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كالنار في الهشيم . ولك بعد ذلك أن تقدم علي إطلاق النار فأنت أمام الرأي العام مدافع عن الإسلام . ومنتقم ممن داس المصحف بالأقدام . وحينئذ تحقق الإشاعة هدفها في المجتمع وهو: إضعاف الروح المعنوية للشرائح الاجتماعية المستهدَفَة. تمهيدًا لانهيارها. ثم تعريضها لهزيمةي وانكسار. أو لخسارةي كبيرة.. وهذه الهزيمة هي النتيجة النهائية لجملةي من الأهداف تحققها الإشاعة. ومن هذه الأهداف: تفريق الصفوف في المجتمع المصري . وتوسيع الثغرات. وتبديد إمكانات الدولة . والتشكيك في كل عملي أو حركةي يقوم بها المستهدَفون في الدولة . وبثّ عوامل الضعف والوهن في روح المواطن وزعزعة الثقة بالنفس . ولعل القارئ مندهش من قابلية الجمهور لتصديق هذه النوعية من الشائعات الفجة التي تطلق بين الفينة والفينة . تثير في مجملها الفتنة الطائفية . وتقلل من هيبة الدولة المصرية » ولعله يتساءل - أيضا - عن السبب . وهل هو انتشار القراءة والكتابة . أم انتشار الأمية الثقافية . أم التدريب من قبل جماعة بعينها علي أسلوب التفكير أحادي الاتجاه . الذي يقبل ما يلقي إليه بالتصديق ويرفض أن يمحصّ ما يعرض عليه . أو يخضعه للمنطق والتحليل . ويغلب مصلحة البلاد ... وليس مصادفة أن يكون مصدر هذه الشائعات ذات التأثير العام واحدا . ولا غرو في ذلك فالإشاعة ظاهرة اجتماعية وسيكلوجية قديمة قدم الحياة البشرية . فقد عاصرت جميع الحضارات فهي وليدة مجتمعها تنمو وتزدهر مع الحاجات والدوافع البشرية. وواجب المسلم أن يقاوم الإشاعة بنشر الحقيقة وتصحيح المعلومات الخاطئة » بأسلوبي يتّسم بالبساطة أو الوضوح ما أمكن ذلك . وعلي الإعلام أن يزود الناس بالمعلومات الحقيقيّة أولاً بأوّل. وتقديم المعلومات الكاملة حول الموضوع الذي يكون مادة الإشاعة المنتشرة في المجتمع . ويعمل علي تحليلها ودراستها. ثم السعي لكسر حلقة نشرها. وكشف محاولات التخذيل فيها. وتتبّع سيرها للوصول إلي مروّجيها وكشف حقيقتهم. وحقيقة مُطلقيها الأصليين. وقد تعلمنا من القرآن العظيم ورسولنا الكريم وكذا من صحابته رضوان الله عليهم كيف نتعامل مع الإشاعة . وذلك بالردّ الحاسم السريع الذي يبيّن الحقيقة بكل وضوح. قال تعالي :¢ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةي مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ¢ "يونس/38". والحث علي عدم إذاعة أي خبري ¢ أمناً كان أم خوفاً¢ . بل ردّه إلي أولي الأمر أولاً -أو أهل الرأي والمشورة- لاستنباط ما فيه من خيري أو شرّ. ثم اتّخاذ القرار المناسب بشأنه. قال تعالي :¢ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرى مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً¢ "النساء/83". والتحذير من المنافقين وأشباههم من الجماعات المضللة » الذين يسعون دوماً لبثّ الإشاعات التي تفتّت الصفوف. وتفرّق المؤمنين وتبعدهم عن هدفهم. وتفتّ في عزيمتهم . ليحصلوا علي منافع خاصة . قال تعالي : ¢ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضى غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزى حَكِيمى¢ "لأنفال/49". ويجب عدم إطلاق الإشاعات أو المشاركة في نشرها. درءاً لخلخلة الصف المسلم أو التأثير علي روحه المعنوية. كما حصل يوم الخندق بعد أن بلغ رسولَ الله- صلي الله عليه وسلم - أنّ بني قريظة قد نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه صلوات الله وسلامه عليه. فقال: ¢ولا تَفُتّوا في أعضادِ الناس¢. وقد تعامل رسولنا - صلي الله عليه وسلم - مع الإشاعة ببثّ الثقة والأمل والتفاؤل بنصر الله وتأييده مهما كانت الظروف. كما فعل يوم الخندق ردًّا علي الشائعات المرجِفة التي كان يطلقها المنافقون في مجتمع المدينة : ¢ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضى مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً¢ "الأحزاب/12". فقد كان ردّ النبي - صلي الله عليه وسلم - علي المُرجِفين. بمخاطبة أصحابه رضوان الله عليهم: ¢أبشِرُوا بفتحِ اللهِ ونصرِه¢. ولا بدّ من استنفار الطاقات وتجميع القوي والإمكانات حول هدفي واحدي محدّد. والسرعة في اتّخاذ الإجراءات بعد أي إشاعة. وقبل أن تفعل فعلها المدمِّر في الصف المسلم . ويجب إشغال الناس بأمري مفيدي . ريثما تتهيأ الظروف لوضع الحلول المناسبة لبعض الإشاعات . التي قد تَشْغَل الصف المسلم وتحاول تفتيته . كما حصل بعد غزوة بني المصطلق عندما أطلق زعيم المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول إشاعته وفِرْيَتَهُ التي بدأت تسري بين المسلمين. إذ قال: ¢لئِن رجعنا إلي المدينة لَيُخْرِجِنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ¢ "المنافقون/8" . فقد مشي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتي أمسي. وليلتهم حتي أصبح . وإنما فعل ذلك رسولُ الله- صلي الله عليه وسلم- كما ذكر ابن هشام في سيرته - » ليَشغَلَ الناسَ عن الحديث الذي كان بالأمس. من حديث عبد الله بن أبيّ بن سلول¢. وفي النهاية نستطيع بالإيمان القويّ الذي لا يمكن زعزعته. وبالعلاقة مع الله - عز وجل- التي تفوق كلَّ علاقة . أن نتماسك ونتلاحم ونقضي علي مخططات العدو . وأنّ نتوكّل علي الله - عز وجل - حق التوكل إنه نعم المولي ونعم النصير : ¢ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ¢ "آل عمران:173".