* أشق وأصعب وأدق ثلاثة أيام تمر علي الإنسان هي يوم مولده وقدومه إلي الدنيا.. ويوم موته ومفارقته لها ووداعه للأهل والأحباب والسلطة والمال والدخول إلي قبر مظلم تحت باطن الأرض. * أما الثالث فهو يوم يبعث حيا ً فيحاسب أمام الخلائق كلها علي الصغير والكبير والحسنة والسيئة والظاهر والباطن وعمل القلب والجوارح وهفوات اللسان. * وقد سلم الله الأنبياء جميعا ً من أهوال هذه الأيام الثلاثة.. وخص بالذكر سيدنا عيسي عليه السلام لخصوصية ولادته من جهة.. وخصوصية رفعه إلي السماء من جهة أخري.. ونجاته ممن أرادوا الفتك به وقتله .. قال تعالي في كتابه العزيز ¢وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ¢ . * وكنت كلما شرحت هذه الآيات للإخوة في المعتقل أضيف إليها مازحا ً يوما ً رابعا فيتعجب الإخوة لذلك.. ثم يزول استغرابهم حينما أقول لهم: يوم دخول الإنسان السجن. * ولعل هذه الآية هي جزء من تكريم القرآن لسيدنا عيسي.. فالقرآن العظيم ومحمد " أعظم من احتفي بعيسي بن مريم وأمه العذراء مريم وأسرته ¢آل عمران¢.. فثاني أكبر سورة في القرآن هي سورة ¢آل عمران¢.. أما سورة ¢مريم¢ فهي من السور الرائعة التي يعشق القراء قراءتها ويحب قوام الليل التهجد بها وتدبر معانيها الرائعة. * وقد احتفي الرسول" بأخيه عيسي بن مريم فهتف قائلا ً في أجيال الدنيا كلها¢أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الدنيا والآخرة¢ * وفي هذه الأيام تلتقي ذكري مولد الحبيبين الكريمين والنبيين العظيمين محمد والمسيح عليهما السلام.. كما التقت أرواحهما ورسالتيهما وتعاليمهما. * وكلما كتبت عن ميلاد المسيح " بادرتني بعض التعليقات بأن عيسي " ولد في الصيف وليس في الشتاء لأن الرطب المذكورة في القرآن لا تكون إلا في الصيف ولا تخرج في الشتاء ¢وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً¢.. ونسي هؤلاء أن قصة حمل مريم وولادتها كلها تدخل في باب المعجزات الكبري.. فإذا كان الله قد ساق إليها وهي معتكفة متعبدة متبتلة فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف حتي سألها سيدنا زكريا تعجبا ً¢أنَّي لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ¢. * فضلا ً عن معجزة حمل مريم وولادتها دون زوج.. وأن يتكلم عيسي في المهد.. وإبرائه وشفائه للأكمة والأبرص وإحيائه للموتي بإذن الله ¢وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَي بِإِذْنِ اللّهِ¢ والأكمة هو من ولد أعمي وهي أشد حالات العمي. * فإذا كانت كل هذه المعجزات ذكرها القرآن ويؤمن بها كل مسلم وإذا كانت مريم قد استطاعت أن تهز جذع النخلة وهي في قمة تعبها.. أليس من المعجزات أيضا ً أن تنزل الرطب من النخلة في الشتاء إكراما ً للنبي عيسي " وأمه العفيفة العابدة المتبتلة الصائمة القائمة الزاهدة مريم؟ . * إن التشكيك في أصل مواعيد الميلاد لن يفيد المسلمين شيئا ً ولن يضر المسيحيين شيئا ً.. ولن يغير من مواعيد احتفالاتهم.. ولن تكون له ثمرة سوي إلقاء ظلال الكراهية بين المسلمين والمسيحيين الذي يعيشون في وطن واحد. * لقد وجد النبي اليهود يصومون عاشوراء في المدينة فلم يسأل عن ارتباط الشهر العربي بالواقعة رغم أن الحساب العبري مختلف عن العربي.. ولم يكلف نفسه إثبات خطأ أو صواب يهود المدينة في الحساب.. ولكنه قال بتلقائية محببة صادقة" نحن أولي الناس بموسي منهم ¢ وكأنه يقول لليهود ¢نحن أعرف بفضل ومكانة موسي أكثر ممن يزعمون إتباع هديه من اليهود". * إن الاهتمام بالجوهر أهم من المظهر.. والإقبال علي توحيد الناس وتآلفهم أهم من تفريقهم وتمزيقهم .. والحرص علي تأليف القلوب أهم من تنفيرها. * وفي الختام.. فكل له دينه وعقيدته.. ولكن يجمعنا العيش والوطن والمصير واللغة والإيمان بالله الواحد الأحد وهذا ليس بالقليل بل هو كثير في عالم يتمزق ويتفرق ويتشتت من حولنا.. ويبحث عن أسباب الوحدة والتآلف فلا يجدها.