إنكار حديث سحر النبي- صلي الله عليه وسلم لقد ثبت في الصحيح ان عاصم بن لبيد سحر النبي- صلي الله عليه وسلم- لكن الذين أنكروا هذا الحديث اعتمدوا في هذا علي: "1" أن الإمام محمد عبده لا يأخذ بحديث الأحاد مهما بلغت درجته من الصحة في نظر المحدثين إذا خالف العقل أو القرآن أو العلم. "2" أن الحديث آحادي فلا يؤخذ به في العقائد وعصمة النبي- صلي الله عليه وسلم- من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ولا يكتفي بالظن. "حديث الآحاد هو: الخبر الذي لم تبلغ نقلته في الكثرة مبلغ المتواتر سواء كان من روي الخبر واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة إلي غير ذلك من الأعداد التي لا يشعر بأن الخبر دخل بها في حيز المتواتر". "3" الحديث يخالف القرآن الكريم في نفي السحر عن النبي- صلي الله عليه وسلم- حيث نسب القول باثبات السحر له إلي المشتركين ووبخهم علي زعمهم هذا قال- تعالي- "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا" "الفرقان آية: 8. 9". "4" لو جاز علي النبي- صلي الله عليه وسلم- أن يتخيل أنه يفعل الشيء وما فعله لجاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً وهو لم يبلغه أو ان شيئا ينزل عليه ولم ينزل عليه. واستحالة ذلك أمر ظاهر لا يحتاج إلي بيان. الرد علي هذه المزاعم أولاً: احتجاجهم بأن الإمام محمد عبده أنكر حديث سحر النبي- صلي الله عليه وسلم- هذا الاحتجاج باطل لأن الحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق. ثانياً: إنكارهم الحديث علي أساس أنه خبر آحاد لا يعمل به فهذا غير صحيح لأنه قد اتفق جمهور المسلمين من الصحابة والتابعين علي وجوب العمل بخبر الواحد وأنه حجة ويقيد الظن.. والأخذ بالحديث الصحيح وعدم ردّه وتأويله بما يوافق العقل والنقل المتواتر مذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا. ورد الأحاديث لأدني شبهة وتوهم مخالفتها للعقل أو القرآن أو العلم ليس من التحقيق العلمي في شيء والأحاديث الصحيحة الموثوق بها وان كانت لا تفيد يقينا في العقائد الثانوية ولكنها تقيد غلبة الظن فيها ونحن لا نخالف في ان العقائد الأساسية أو الأولية كإثبات الصانع والتوحيد لا يكتفي فيها الا بما يفيد القطع واليقين ان ما حدث للنبي- صلي الله عليه وسلم- نوع من الأمراض البشرية التي تجوز علي الأنبياء فهذا السحر لم يكن في أمر عقلي. ثالثاً: ادعاؤهم ان الحديث يخالف القرآن فغير مسلم. لأن المشركين لم يريدوا بقولهم "إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً" أنه عليه الصلا ة والسلام- سحر حتي أدركه بعض التغيير أياما ثم شفاه الله وإنما أرادوا أنه يصدر عن خيال وجنون في كل ما يقول ويفعل وأن ما جاء به ليس من الوحي ففرضهم إنكار رسالته ورميه بالجنون. وهذا أمر واضح جلي لكل من تتبع النصوص القرآنية التي تعرضت لهذا. فالفرضان مختلفان. والموضوعان متباينان. رابعاً: وأما قولهم: إذا جاز ان يتخيل ما ليس بواقع واقعا في غير أمور الدين لجاز ذلك في أمور الدين فهذا أمر مردود. ببيان أن المراد من الحديث وأن السحر أثر في جسمه لا في عقله ولو سلمنا لهم ما تدل عليه الرواية بحسب ظاهرها لما تم لهم ما قالوا. لأن قياس أمور الوحي والرسالة علي أمور الدنيا قياس مع الفارق فإنه بالنسبة لأمور الدين معصوم من الخطأ والتغيير والتبديل ولا عصمة له في أمور الدنيا فللرسول اعتباران: اعتبار كونه بشرا واعتبار كونه رسولا فبالاعتبار الأول يجوز عليه ما يجوز علي سائر البشر ومنه أن يسحر وبالاعتبار الثاني لا يجوز عليه ما يخل بالرسالة لقيام الدليل علي العصمة منه. خامساً: ولئن كان الامام محمد عبده قد أنكر حديث السحر فقد أثبته واعترف بصحته رواية ودراية أئمة أرسخ قدما في العلم. والجمع بين المعقول والمنقول منه كالأئمة المازي والقاضي عياض وابن تيمية. وابن القيم وابن كثير والحافظ ابن حجر والألوسي المفسر وغيرهم كثير.