أحب محطة إذاعة إلى قلبى هى «القرآن الكريم»، وهى أكثر محطة أستمع إليها فى الراديو، على الرغم من مآخذى الكثيرة عليها، وأكثر ما يضايقنى منها، هو قلة أوقات إذاعة القرآن، وكثرة الكلام والحوارات والأحاديث! ولا أنكر أننى استمعت إلى كثير من الأحاديث العلمية، القيّمة والمفيدة، ولكنى استمعت أيضًا إلى أشياء بعيدة تمامًا عن منهج العلم، وعن منطق العقل، وعن روح الإسلام ذاته! ولعل أكثر ما يؤلمنى هو هذه الكلمات الطائشة التى توجَّه -من حين إلى آخر- إلى شركاء الوطن! وبمناسبة المولد النبوى الشريف، أجرت إذاعة القرآن الكريم مسابقة بين المستمعين، وطلبت منهم أن يكتبوا بحثًا موجزًا حول موضوع معين، فأى موضوع تختاره الإذاعة فى يوم ميلاد النبى الأكرم؟ لقد طلبت من المستمعين أن يكتبوا عن واقعة سحر النبى، صلى الله عليه وسلم، لكى يثبتوا أنه تعرَّض للسحر فعلًا، وأن هذا السحر الذى جعله لا يعرف إذا كان فعل الشىء أم لم يفعله، لا يطعن فى عصمته!! وهذا الموضوع مثار خلاف واختلاف بين العلماء، على مدى العصور، خصوصًا المحدثين منهم، صحيح أن ثمة حديثًا رواه البخارى ومسلم وأحمد وابن ماجة وغيرهم، عن السيدة عائشة رضى الله عنها، إذ قالت «سُحِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا، وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِى فِيمَا فِيهِ شِفَائِى؟ أَتَانِى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبُ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِى مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِى اللهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ». وإذا كان من العلماء مَن يقدِّس البخارى، فثمة مَن رفضوا هذا الحديث، لأنه حديث آحاد، ومن ثَم لا يُؤخذ به فى أمور العقائد، كما أن هذا الحديث يخالف قوله تعالى: «وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا» (الفرقان 8)، و«يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا» (الإسراء 47)، و«لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى». (طه 69)، و«وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ». (يونس 77)، و«إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا» (الإسراء 65)، و«إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ إِلاَّ مَن اتَّبَعَك مِن الْغَاوِينَ» (الحجر 42)، و«وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» (المائدة67).