الشعب المصري متدين بالفطرة منذ فجر التاريخ .. تحتضن مصر الأزهر ¢ الكعبة العلمية ¢ للأمة الإسلامية حيث يفد إليه أبناء العالم الإسلامي من مشارق الأرض ومغاربها لتلقي العلوم .. ومع هذا نجد ظاهرة خطيرة خلال السنوات الماضية وهي هروب عدد كبير من طلاب المعاهد الأزهرية إلي التعليم العام .. وهذه حقيقة صادمة يكشف عنها هذا التحقيق وأسبابها. بدأت الظاهرة علي استحياء من أكثر من ست سنوات حينما أعدت المجالس القومية المتخصصة تقريرا شاملا عام 2008 حين كان يرأسها الوزير كمال الشاذلي أكد بالإحصائيات والأرقام ظاهرة الهروب من التعليم الأزهري موضحا أن هناك انخفاضا كبيرا وملحوظا بين عدد الطلاب المتقدمين للالتحاق بالمعاهد الأزهرية عام 2008/2009 عن العام السابق له وذلك حسب بيان إدارة المتابعة والإحصاء بقطاع المعاهد الأزهرية وذلك بنسبة 26.4% حيث تقدم 239 ألفا و287طالبا وطالبة للالتحاق في العام الدراسي 2009/2010 بينما كان قد تقدم في العام السابق له حوالي 325 ألفا و654 طالبا وذلك بانخفاض 86 ألفا و367 طالبا في الوقت الذي قام فيه عدد كبير من الطلاب في المرحلة الابتدائية والصف الأول الإعدادي بالتحويل من التعليم الأزهري إلي التعليم العام في محاولة للهروب من التعليم الأزهري. أعلن الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر وقتها رفضه لهذا التقرير مؤكدا أن المجالس القومية المتخصصة غير معترف بها ولا يمكن الأخذ بدراساتها وتقاريرها. وحاول الدكتور طنطاوي التشكيك في الإحصائيات التي تستند عليها في تقاريرها هي حصيلة أولية تخرج من بعض الإدارات التابعة لقطاع المعاهد الأزهرية وليست تقارير نهائية حتي يؤخذ بها وبالتالي لا يجوز الاستناد لمثل هذه التقارير فضلا عن أنه من الأمور الطبيعية أن تنخفض الأعداد من سنة لأخري وتزيد من عام للآخر كما أن هناك طلابا يأتون من التعليم العام للتعليم الأزهري فلماذا لا يوصف ذلك بالهروب أم أن الهروب ينطبق علي الأزهريين وحدهم دون غيرهم. علي النقيض من إنكار الدكتور طنطاوي اعترف الدكتور محمد واصل وكيل الأزهر آنذاك انه تم تخفيف المواد الشرعية بالفعل علي الطلاب ومحاولة جعل المناهج الأزهرية تواكب مستجدات العصر حتي لا يهرب الطلاب إلي التعليم العام هربا من حفظ القرآن الكريم ودراسة المواد الشرعية ولكن في المقابل يأتي طلاب محولون من مدارس التربية والتعليم إلي الأزهر ويخضعون للاختبارات في القرآن الكريم كما أن هناك لجنة متخصصة لتطوير مناهج الأزهر وتقوم علي عملية التطوير سنويا. الإحصائيات التي تضمنها التقرير بمثابة ناقوس خطر بالفعل ومؤشر خطير لأن المجتمع المصري دائما ينظر إلي الأزهر علي انه قلعة مقدسة لأنه يربي الأطفال علي الثقافة الإسلامية المتميزة وتقوي الله والصلاح لكن للأسف التجربة أثبتت أمورا سلبية كثيرة في مسألة تشكيل شخصية الطالب التي تحلم بها أي أسرة لأن المعاهد الأزهرية تلقن ولا تحفظ لكن لا تشكل لأن التشكيل يحتاج إلي مربين يدركون تفعيل المواد الأزهرية في بنية الطالب إلا أن القصور في المناهج الأزهرية يرجع إلي عدم قيام المسئولين بتطبيق تعليمات لجنة تطوير المناهج بالأزهر فضلا علي ثقل المواد الأزهرية خاصا أن كما كبيرا منها ليس سهلا ولا يهضم بسهولة بالإضافة إلي ضعف العديد من مستوي المعلمين الأزهريين فضلا علي أن عملية الاختزال التي قام بها الأزهر في بعض المناهج الشرعية لم تكن صوابا خاصة أن النتائج كشفت عن فشل تلك التجربة علي ضعف مستوي الطالب الأزهري مطالبة الأزهر بضرورة أن يتقبل النقد سواء عن طريق التقارير أو غيره حتي يستطيع أن يخرج طلابا متميزين كما عهدناه ولا يضيق صدر القائمين عليه بتلك التقارير التي تكشف ضعف مستوي طلابه أو هروبهم من التعليم الأزهري. الوضع الحالي الوضع الحالي تشير أحدث إحصائيات الأزهر إلي الهروب الجماعي من الدراسة بالمعاهد الأزهرية حيث تقدم ما يقرب من 80 ألف طالب للتحويل إلي التعليم العام هذا ما أعلنه أحد مسئولي التعليم الابتدائي بالمعاهد الأزهرية بجانب رغبة الكثيرين من طلاب الجامعات في التحويل بسبب صعوبة المناهج وتراجع المستوي يكشف عن حقيقة خطيرة يجب مواجهتها لوقف التراجع في التعليم الأزهري كما أن إغفال مستجدات العصر خطأ وخطر والاهتمام بالمتون فقط ليس مطلوباً بل يجب أن نأخذ من الماضي كل ما يفيد الحاضر أما إدارة المعاهد فأكدت أن التطوير هدفه العودة للأصالة لتخريج داعية متميز وأن الأزهر يحتفي بمن يريده ولا يبحث عمن يتركه. حاول البعض الربط بين الأحداث السياسية في تراجع الإقبال علي التعليم الأزهري كما تؤكد الأرقام الرسمية وارتفاع اعدد الطلاب الذين يقومون بالتحويل للتعليم العام فأكد الدكتور علي إبراهيم الدسوقي. وكيل وزارة الأزهر ورئيس المنطقة الأزهرية بالشرقية. قيام 7 آلاف طالب وطالبة بالمعاهد الأزهرية بالشرقية بالتحويل الي التعليم العام بالإضافة الي انخفاض أعداد المقبولين بشكل عام مما اضطر عدد كبير من المعاهد الأزهرية لخفض كثافة الفصل الدراسية الي 10 طلاب فقط. وأشار الي أن هذه الظاهرة ليست قاصرة علي محافظة الشرقية فقط بل تمتد الي جميع المحافظات وأن الأحداث السياسية هي أحد الأسباب الرئيسية في تراجع الإقبال علي التعليم الأزهري بشكل عام. وفي محافظة المنيا في عام 2011 علي سبيل المثال تم الإعلان عن هروب ثلاثة آلاف طالب من المعاهد الأزهرية للتعليم العام بالمنيا وبعض معاهدها مهددة بالغلق بعد أن قام أولياء أمور أكثر من ثلاثة طالب بالمعاهد الأزهرية بالمنيا بمراحلها الثلاث. ابتدائي وإعدادي بالتحويل من التعليم الأزهري للتعليم العام وعندما سئل هشام الريدي. مدير مركز المعلومات بالمنطقة الأزهرية بالمنيا عن السبب فقال : من خلال مقابلة الطلاب الراغبين في التحويل تبين أن 60% من الأسباب تشير إلي شكوي الطلاب من طريقة تدريس القرآن الكريم. حيث إن المحفظين للقرآن الكريم لم تكن لهم خطة واضحة وموحدة للتدريس في ظل عدم المتابعة من الموجهين. والسبب الثاني لتحويل الطلاب بنسبة 30% لسوء الإدارة في التعليم الأزهري. والذي يصب في عدم المتابعة من المدرس للطالب ومن الموجه للمدرس مرورا بالجهات الأعلي فالأعلي. كما أن هناك معالجات غير سوية لجذب الطلاب للأزهر. حيث يتم عمل اختبارات في اللغة العربية والرياضيات والقرآن الكريم لأي طالب. وإذا نجح يدخل المرحلة الإعدادية الأزهرية حتي لو كان لا يحمل شهادة وجاء السبب الأخير 10% لبعد المسافة أو تغيير محل الإقامة أو المناهج التراكمية للأزهر عزوف الطلاب التقت ¢ عقيدتي ¢ مع بعض أولياء الأمور الذين حولوا لأولادهم من الأزهر إلي التعليم العام فقال شريف عوض المحامي بقليوب : يرجع ذلك إلي ارتفاع تنسيق القبول بجامعة الأزهر لدرجة كبيرة والتي أدت إلي عزوف الطلاب عن الالتحاق بالتعليم الأزهري خاصة أنهم يدرسون عدد مواد تضاعف زملاءهم في المدارس الأخري من التربية والتعليم فضلا عن أن المناهج الأزهرية لم تشهد تطورا حقيقيا بعد بالرغم من الكثير من التوصيات والقرارات التي اتخذت في هذا الشأن لكنها لا تجد طريقها الي التنفيذ الأمر الذي يستوجب اتخاذ إجراءات سريعة لعملية التطوير. وأشار شريف عوض. إلي أن تجربة المعاهد الأزهرية النموذجية أثبتت نجاحها وأقبل الناس عليها لتميز التعليم فيها حيث يصل عددها إلي قرابة 500 معهد فقط علي مستوي المحافظات وغالبيتها في القاهرة وهذا ما منعني من تحويله إلي معهد خاص متميز فلم أجد بديلا سوي التعليم العام الأقل في عدد المواد والذي له فرصة أفضل في الالتحاق بالكليات المتميزة. التقط منه خيط الحديث ابنه محمد شريف عوض. الذي أصر علي التحويل العام الماضي بعد نجاحه في الإعدادية الأزهرية. قائلا : دخلت الأزهر لحفظ القرآن فوجدت تراخيا من مدرسي القرآن في الابتدائية والاعدادية. فذهبت الي شيخ خارجي لاستكمال هذا النقص والحمد لله حفظت غالبية القرآن إلا أن المشكلة أن المواد التي أدرسها كثيرة مقارنة بزملائي في التعليم العام حتي إنني كنت أشعر بالغيرة منهم وخاصة أنهم لا يرهقون في دراسة مواد تراثية. وأضاف محمد شريف. أنه أصر علي التحويل رغم صعوبته بعد الحصول علي الإعدادية حيث أن المسموح به التحويل بعد النجاح في الصف الأول الإعدادي أما الناجح في الإعدادية فهذا ممنوع. قمت بتقديم طلب في مكتب الأمام الأكبر الدكتور احمد الطيب واعتصمت مع مجموعة كبيرة من أقراني لإصرارنا علي التحويل فما كان من الأزهر إلي الموافقة علي التحويل. اختلاف التنسيق أكد الدكتور يحيي الفرماوي. استشاري الجهاز الهضمي بمستشفي حميات قليوب. انه علي وجود 8 آلاف معهد أزهري علي مستوي محافظات مصر إلا معظمها تم بناؤه بالجهود الذاتية في القري والنجوع ومعظمها يحتاج إلي عملية إزالة أو ترميم في الوقت الذي تتبع وزارة التعليم العام أكثر من 50 ألف مدرسة علي مستوي الجمهورية وهذا غير معقول أن الدولة أصبحت ترفع يدها عن التعليم الأزهري وهذا خطر كبير لأن الدولة عليها دور كبير في دعم هذا التعليم الديني. وأشار الدكتور يحي الفرماوي. إلي انه رغم انه من خريجي طب الأزهر ويفخر بهذا إلا أن فرص ابنه في دخول الطب أقل منه بكثير في ظل الارتفاع الجنوني في تنسيق طب الأزهر الذي أصبح أعلي من تنسيق الطب في التعليم العام علي الرغم من أن طالب الأزهر يدرس مواد أصعب وأكثر من ضعف الطالب العام فهل هذا عدل؟