أكد الشيخ طلعت تاج الدين- مفتي عام روسيا- أن الإسلام يسير بشكل يدعو إلي التفاؤل والبشر والسعادة في روسيا خاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت كثيرا من مظاهر التعاون وتذليل العقبات بين الحكومة والإدارة الدينية حتي زاد عدد المساجد إلي ما يزيد عن 5 آلاف مسجد في كل أنحاء روسيا الاتحادية. أشار إلي أن انضمام روسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي يخدم مسلمي روسيا كما يخدم مسلمي العالم أجمع بتقوية مواقفهم تجاه القضايا التي تتعلق بشئونهم الدينية أو الدنيوية. أوضح أن مسلمي روسيا بحاجة إلي الكوادر المؤهلة من العلماء والدعاة والتعاون الجاد مع المؤسسات والمنظمات الإسلامية.. لكنهم يرفضون السماح باختراق دعاة الفتنة المذهبية وأصحاب الفكر المتطرف والمتشدد لحصن الإسلام في روسيا الذي دخلها منذ القرن الثالث الهجري قبل كثير من الدول العربية والإسلامية الكبري. وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معه: * باعتبارك المسئول الأول عن المسلمين الروس.. كيف تري واقع مسلمي روسيا؟ ** الحمد لله فإن الإسلام والمسلمين في روسيا تمر بهم مرحلة طيبة جدا في العصر الحديث بعد أن عانوا كثيرا طوال سنوات الحكم الشيوعي السابق.. ففي ظروف التغيرات الأخيرة في حياتنا السياسية والاجتماعية حصل المسلمون علي حريات أكثر وأكثر من ذي قبل بمراحل كثيرة خاصة فيما يتعلق بممارسة شعائرهم وشؤونهم الدينية.. فمثلا منذ 20 سنة كان في الاتحاد السوفيتي ما لا يزيد عن 300 مسجد أما الآن فقد وصل عددهم إلي ما يقرب من 5 الآف مسجد ومنها المساجد الجامعة التي تهتم بكافة شئون المسلمين الدينية والدنيوية في مختلف مناطق روسيا الإتحادية. وكذلك سمح بنص القانون علي تدريس وتعليم الدين الإسلامي والقرآن الكريم في جميع المساجد للراغبين من الأولاد والشباب وكبار السن.. وكل من أراد من المسلمين أن يتعرف علي تعاليم دينه فباستطاعته وبإمكانه أن يحضر إلي المسجد في أيام عطلته من العمل أو مساء ليدرس اللغة العربية وتلاوة القرآن وكذلك مختلف العلوم الدينية الأخري. وأكثر من هذا فقد افتتحت في روسيا عدة جامعات إسلامية في تتارستان وبشكيرد ستان وشمال القوقاز. وكذا المدارس الدينية لتخريج الأئمة والدعاة إلي الله. وقد حدث هذا في السنوات الأخيرة.. وهذا ما يفرحنا ويجعلنا سعداء ومتفائلين بوضع المسلمين حاليا في روسيا بل وفي المستقبل أيضا. لكن ما يجعلنا نطمح إلي مزيد من الاطمئنان والتفاؤل هو ما نتمناه من استكمال النقص في عدد الأئمة والدعاة المؤهلين للقيام بأشرف رسالة علي وجه الأرض وهي الدعوة إلي الله تعالي ¢ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وقال إنني من المسلمين¢. ونحن نقول هذا لأن جميع المساجد والمدارس الدينية التي أسست مؤخرا تحتاج إلي الكوادر وفي هذا الصدد فنحن نتعامل ونتعاون مع الجامعات والمراكز الإسلامية مثل جامعة الأزهر الشريف وغيرها في العالم العربي والإسلامي. فتنة وافدة * يعاني المسلمون في شتي بقاع الأرض في العصر الراهن من فتنة الفرقة والمذهبية والعصبية المقيتة.. فهل تأثر مسلمو روسيا بهذه الفتنة؟ ** في السنوات الأخيرة عانينا شيئا ما من التمزقات ودخول بعض التيارات والأفكار المذهبية إلي بلادنا.. غير أننا- وفي فترة قصيرة بفضل الله سبحانه وتعالي- فهم المسلمون وخاصة الشباب منهم أن أجدادنا وسلفنا الصالح.. عبر العصور والأزمنة والسنوات الطويلة تحت الحكم الشيوعي وقبله- قد حافظوا علي دينهم الحنيف والتقاليد الموروثة منذ 14 قرنا.. لذلك استطعنا التغلب علي مثل هذه الأفكار الوافدة والدخيلة علي قيمنا الدينية وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية لذلك فالمسلمون في روسيا متمسكون بكتاب الله تعالي وسنة رسوله الكريم صلي الله عليه وآله وسلم.. كما ورثوا ذلك من آبائهم وأجدادهم ومازلنا متمسكين بالمذهب الحنفي في أغلب روسيا, وفي شمال القوقاز المذهب الشافعي من أهل السنة والجماعة. منهج علمي * وكيف تغلبتم علي هذه الفتنة التي اجتاحت كثيرا من المجتمعات المسلمة المعاصرة؟! ** بعون الله تبارك وتعالي تغلبنا علي هذه الفتنة لأن روسيا قد عرفت الإسلام الصحيح منذ سنواته الأولي للهجرة فقد أرسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثلاثة من صحابته رضوان الله عليهم جميعا إلي ضفاف نهر ¢بلغا¢ إلي دولة البلغار في العام الثالث للهجرة ومنذ ذلك الحين بدأ انتشار الإسلام وهؤلاء الصحابة ماتوا في بلادنا ودفنوا بها ولا تزال مقابرهم حتي اليوم شاهدة وكذلك مقابر 36 من التابعين.. ومنذ ذلك الحين ونحن في الإسلام. معني ذلك أن الإسلام دخل إلي ديارنا قبل مصر والعراق والشام وإيران وآسيا الوسطي وغيرهم فمن يأتينا اليوم ليعلمنا الإسلام بعد كل هذا؟! فنور الإسلام وقيمه في دمنا وعروقنا ولحمنا وكما يقول القرآن الكريم ¢فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض¢. والحمد لله فإن جميع الإدارات الدينية في روسيا أتفقت علي توحيد صفوفها وأن تعتمد في أعمالها علي منهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأيضا التراث الثقافي و العلمي لنا عبر القرون وكذلك علي قانون الدولة الذي ينظم كافة شؤون حياتنا.. بهذا تخلصنا ونتخلص دوما من جميع التيارات والمجابهات ولن نفرّق بين صفوف المسلمين في بلادنا وننصح غيرنا في العالم العربي والإسلامي بألا يفرق بين صفوف أبنائه ولا صفوفنا نحن بل ندعوهم لجمع الشمل كما أمرنا الله تبارك وتعالي في كتابه الكريم ¢وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا¢ فالعالم الإسلامي علي مختلف دوله وأجناس أبنائه لديه كل الإمكانات التي وهبها لنا الخالق سبحانه وتعالي لتوحيد الصف واتفاق الكلمة ونبذ الفرقة والتشتت. ويكفي أن ديننا الحنيف هو دين التوحيد ورسولنا واحد وقبلتنا واحدة وشعائرنا واحدة فلماذا التفرق والتصارع. والمولي عز وجل يأمرنا بقوله ¢وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان¢. علاقة طيبة * وما هي طبيعة العلاقة التي تحكم عمل المؤسسات الدينية والحكومة في روسيا؟ ** دائما نحن نجدد ونطوّر في تعليمنا والحقيقة أننا نجد كل دعم ومساندة من طرف الدولة التي تهتم بهذه الأمور.. ومن آثار التعاون فيما بين الإدارات الدينية الروسية و الجامعات والمعاهد الإسلامية في العالم العربي والإسلامي, إرسال بعثات الطلاب وقدوم الأساتذة والدعاة.. وقريبا جدا سيتم تجديد التعاون مع المراكز التعليمية الدينية في بخاري وسمرقند وطشقند. ويجب علينا أن نذكر أنه ضمن دولة الاتحاد السوفيتي كان أغلبية الأئمة يتعلمون في بخاري.. وهذا عمل تقليدي مستمر منذ عدة قرون. روسيا الإسلامية * منذ فترة طالب الرئيس الروسي الأسبق بانضمام روسيا الي منظمة المؤتمر الإسلامي باعتبار أنها تضم أقلية إسلامية يجاوز عددها العشرين مليون نسمة.. فما الهدف من هذه المطالبة؟! ** في عام 1992 تقدمت بطلب من رؤساء جمهوريتي تتارستان وبشكيردستان لانضمامهما إلي منظمة المؤتمر الإسلامي وكان هذا بعلم الرئيس الروسي آنذاك ¢يلتسين¢ وبحمد الله تم قبول روسيا الاتحادية عام 2006 كعضو مراقب في المنظمة ونحن نفتخر بذلك لأن الإدارة الدينية لمسلمي روسيا كان لها دور في انضمام مسلمي روسيا ضمن اللجنة التنسيقية الإسلامية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.. وهذا بفضل العلاقات الطيبة التي تتقوي دائما مع إخواننا في العالم الإسلامي كله. وكل ما نأمل من هذه العضوية عملا مثمرا يأتي خيره إن شاء الله لصالح العالم الإسلامي كله ومسلمي روسيا علي وجه الخصوص حتي يستطيعوا المساهمة في تقدم ونهضة العالم الإسلامي عامة. ويجب أن يعلم الجميع أن روسيا اليوم تضم أكثر من 20 مليون مسلم من بين 140 مليون روسي ينتمون الي 160 قومية. فالروس والمسلمون كوّنوا بقدر الله تبارك وتعالي هذه الدولة العظيمة التي لها دور في القرون الماضية والحاضر والمستقبل. ونحن ندعو الله عز وجل ونرجو من أخواننا الأعزاء في العالم العربي والإسلامي أن ينتبهوا ويعملوا علي أن تكون روسيا عضوا حقيقيا وفاعلا في منظمة المؤتمر الإسلامي حتي يتعمق التعاون ويتجذر بين مسلمي روسيا وإخوانهم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي اقتصاديا وثقافيا ودينيا وفي جميع مناحي الحياة بما يعود بالخير إن شاء الله علي العالم بأسره ويعم الأمن والاطمئنان والاستقرار بعد أن اجتاحته تيارات العنف والكراهية والبغضاء.