تابعت باهتمام بالغ ما نشرته الصحف حول موضوع التحرش فإنه أمر خطير يهدد أمن المجتمع من الناحية الأخلاقية التي لا تقل أهميتها عن الأمن المادي وعلي كافة فئات المجتمع التصدي له ومحاربته بشتي الوسائل بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالحكومة التي نعلق عليها الآمال في إصلاح المجتمع مادياً وأخلاقياً. والذي لفت نظري فيما نشرته الصحف أن الجميع يتحدثون عن العقوبات التي تردع الشباب وتحول دون تكراره. وهو أمر لا ينازع فيه أحد من العقلاء غير أنهم أهملوا الحديث عن الأسباب التي أدت إلي شيوع هذه الرذيلة. وبالرجوع إلي التشريع الإسلامي وجدناه يعالج مثل هذه القضايا من ناحيتين في وقت واحد: ناحية العقاب الرادع لمن يعتدي علي حرمات الناس وناحية الأسباب التي توصل إلي الأمر المحظور حتي يمكن القضاء عليه نهائيا ولنأخذ مثالا علي ذلك من القرآن الكريم مصدر التشريع الأول حيث حرم الزنا ورتب علي فاعله عقوبة مشددة يعرفها الجميع وفي الوقت نفسه حذر من الأسباب التي توصل إليه مثل الخلوة بالمرأة الأجنبية وحث علي غض البصر من الرجل والمرأة. كما حث المرأة علي ارتداء الملابس التي تسترها من أعين مرضي النفوس. جاء ذلك صريحاً لزوجات الرسول صلي الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين قال الله تعالي: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين" "الأحزاب: 59" وهو أمر واضح كل الوضوح فلم نجد في التاريخ أن واحدا تعرض للأمرأة ترتدي الملابس الشرعية حتي ولو كانت غير متدينة. كذلك حذر المرأة من مخاطبة الرجال بصوت ناعم يثير شهوة مرضي النفوس فيظن بها شراً وهذا ما جاء صريحاً في التوجيه الإلهي لزوجات الرسول صلي الله عليه وسلم مع أنهن أمهات المؤمنين يقول سبحانه: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض.." "الأحزاب: 32". فالإسلام جعل هذه المقدمات وقاية من الوقوع في رذيلة الزنا. والمتأمل في آيات القرآن الكريم أنه لم يقل: "لا تزن" كما قال: "ولا تقتلوا النفس الذي حرم الله إلا بالحق.." "الإسراء: 33" وإنما قال: "ولا تقربوا الزني" "الإسراء:32". ومعني ذلك: الابتعاد عن الأسباب التي تؤدي إليه ومنها ما تقدم. ولا شك أن الظاهرة التي نحن بصددها لها أسباب كثيرة تستحق الدراسة المتأنية من أهل العلم والاجتماع وأقتصر في حديثي عن ثلاثة أسباب أري من وجهة نظري أن لها دخلا فيما حدث: السبب الأول: إهمال التربية الصحية داخل الأسرة فالأب والأم يتنافسان في الحصول علي المال الذي يحسن دخل الأسرة ونسيا أن تربية الابناء علي الدين والأخلاق الفاضلة خير لهما في الدنيا والآخرة فلم يسمع الابن من أبيه أن اعتداءه علي فتاة أجنبية كالاعتداء علي أخته فهل ترضي أن يفعل مع أختك ما فعلته مع غيرها. ولم تسمع الفتاة من أمها أن الحفاظ علي عرضها وكرامتها خير لها من الدنيا وما فيها. السبب الثاني: انتشار القنوات التي تبث الأفلام والمسلسلات الرديئة بحجة الحرية والإبداع والمعاصرة إلي آخر ما يقوله أهل الهوي ودعاة الحداثة. السبب الثالث: السلوك غير السوي لكثير من النساء والفتيات. فقد انتشرت في المجتمع ظاهرة غريبة ومريبة حتي شملت كبيرات السن وهي ارتداء البنطلون الضيق الذي يصف مفاتن المرأة بصورة قبيحة وليتها لبست فوقه جاكيت طويل يسترها بل زادت الطين بلة بلبس حذاء مرتفع يجعلها تتمايل يمنة ويسرة. فضلا عن المساحيق والروائح المستوردة التي يشمها القريب والبعيد والرسول صلي الله عليه وسلم حكم علي من تفعل ذلك بالزني فقد روي الحاكم وغيره أنه صلي الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة استعطرت فمرت علي قوم ليجدوا ريحها فهي زانية". ثم ما الداعي لدخول الفتيات إلي مجتمع الشباب في ميدان التحرير والرقص معهم كما سجل ذلك في بعض المواقع. فأين الآباء والأمهات وأين وزارة الشباب وأين الدعاة وأين الغيورون علي أعراضهم حتي يمنعوا بناتهم من الوقوع في الرذيلة؟! وختاما: هل رصدتم في مواقعكم فتاة ترتدي الزي الشرعي تعرضت لما تعرض له زميلاتها اللاتي يشكين من الشباب؟ والله من وراء القصد.