لفظ التحرش لم يكن معروفًا لدينا من قبل، فقد كانت هناك عبارات أخرى مثل ألفاظ الغزل والمعاكسة، كما كانت هناك ألفاظ تحمل دلالات جنسية مثل المراودة، والإغواء، والإثارة.. إلخ، بالإضافة إلى لفظ هتك العرض، وهو فعل مخل بالحياء يقع على جسم المجني عليه ويكون على درجة من الفحش. أما لفظ التحرش الجنسي، فهو ترجمة للتعبير الإنجليزي التحرش الجنسي Sexual ha-rassment، ومعناه تحرش به أي تعرض له فهو يحمل معنى الخشونة والاعتداء، وأقترح له تعريفًا آخر أكثر دلالة وهو: أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذي منه، ولا يرغب فيه. وظهور التحرش الجنسي على الساحة في الآونة الأخيرة له عدة أسباب هى: أولا - ضعف الوازع الديني لدى المتحرش، ويرجع ذلك غالبا لقلة معرفته بالدين في مراحل تعليمه المختلفة ومن خلال المصادر المعرفية والتربوية. ثانيا - التعري من قبل بعض النساء بارتداء الملابس الواصفة والكاشفة والشفافة في الشوارع وأماكن الدراسة والعمل، ناهيك عن تلك الملابس التى ترتديها أو لا ترتديها النساء عبر وسائل الإعلام المختلفة. ثالثا – تعاطي الكثير من الرجال والشباب للمخدرات والتأثير السيئ لها على النفس من لامبالاة وانعدام الإحساس بالمسئولية تجاه كل من وما حوله. رابعا – الفراغ الذى يعانى منه كثير من الشباب نتيجة البطالة، فينتج عنه التسكع في الشوارع ليلاً ونهارا وتعرضه للسيدات والفتيات ومضايقتهن. خامسا – انتشار القنوات الفضائية الإباحية والإنترنت وما تعرضه الوسائل الإعلامية المختلفة من أفلام وصور وإيحاءات إباحية تثير الغرائز. سادسا - الغلاء الفاحش فى الأسعار للمساكن والأثاث وتأسيس منزل الزوجية مع ضعف الأجور، مما يعجز الشباب عن إعفاف أنفسهم بالزواج وسلوك الطريق المستقيم. فإذا تم تعسير طريق الحلال وتيسير وتنويع طرق الحرام فإن المجتمع يحصد الوبال. وهناك إجراءات وقائية وضعها الإسلام ليقى المجتمع من انتشار تلك الرذيلة به ومنها أنه أمر الرجل بغض بصره، فقال تعالى "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (30)، وأمر المرأة بعدم إثارة الرجل بأي وسيلة من وسائل الإثارة الحسية، فأمرها بارتداء ملابس لا تصف ولا تشف ولا تكشف وغير مثيرة ونهاها أن تثير سمعه بالقول، قال تعالى "فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى"، كما نهاها الإسلام عن وضع العطور الفواحة المثيرة خارج المنزل، قال (صلى الله عليه وسلم): "أيما امرأة استعطرت ليجد القوم ريحها فهي كذا وكذا أي زانية". وقد وضع الإسلام حلولا ناجعة للحد من عدم قدرة الشباب على الزواج بالاستعفاف والصوم، قال تعالى "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ". أما لعلاج هذه الظاهرة السيئة فعلى كل منا أن يقوم بدوره، فالأسرة عليها معول كبير في تنمية الوازع الديني لدى الأبناء بتثقيفهم دينًا ودنيويًا عن طريق اصطحابهم للمساجد والندوات ومشاهدة البرامج الدينية وتنمية الشعور بالواجب والشهامة لحماية المرأة والحفاظ عليها أما وأختا وجارة وزميلة. زرع خشية الله – سبحانه وتعالي – ومحبته ومحبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واتخاذ الرسول قدوة حسنة لنا فى أفعالنا وتصرفاتنا. تربية الأبناء على حب المجتمع والانتماء له، واحترام الجنس الآخر، وتكريم المرأة لأنها الأم والأخت والابنة والزوجة قبل أن تكون جارة أو زميلة. أما العلماء، فلهم دور فى حماية المرأة أيضا، وذلك في توعية الشباب بمدى خطورة التحرش الجنسي، والعقوبة الواقعة على المتحرش دنيويًا وأخرويًا، كما أن عليهم أن يبينوا للناس أن أعلى درجات الآثام تلك التي تسبب الذعر بين المسلمين وألا يصبح المسلم ولا المسلمة آمنين في طريقهما، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". فالمرء لابد أن يكون آمنًا في طريقه، ولاسيما المرأة التي تحتاج إلى رعاية كبيرة في المجتمعات الإسلامية وشعور بالأمان، ولا تستقيم حياة الناس إلا به، وبالرجوع إلى الله والخشية منه، والمرء لو يعلم أنه لو تعرض لامرأة فمن الممكن أن يتعرض أهل بيته لذلك الموقف لرجع عن فعلته على الفور. أما وسائل الإعلام فعليها أن تراعى الله فى الأمانة الموكلة إليها، فرسالتها تهذيب الأخلاق وتوعية المجتمع وتثقيفه وتوجيهه لما يصلحه دينيا ودنيويا وليس العكس. وقانا الله وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.