لم يتهم دين من الأديان السماوية ولا حتي الوضعية بأنه دين التطرف حتي الجهاد الذي يعد من أهم وسائل عز الإسلام أصبح تطرفا وإرهابا . وتم خلط المفاهيم والتلاعب بالمصطلحات حتي ضاع مفهوم ¢الوسطية¢.. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق في بيان حقيقة الوسطية في الإسلام . ومن له حق الحكم بأن هذا الإنسان وسطي أو غير وسطي. في البداية يشير المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة . عضو هيئة كبار العلماء . ورئيس تحرير مجلة الأزهر . إلي أن الوسطية الجامعة هي التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة . فمثلا العقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل. والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة .. العدسة اللامعة أوضح الدكتورعمارة . أن الوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خاصية هامة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي بل إنها منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام. وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية. كما الفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع ولهذا إن الله سبحانه وتعالي هو الذي جعل وسطيتنا اختيارا إلهيا بدليل قوله تعالي : ¢وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا¢ ويقوم تيار الوسطية الإسلامي علي جملة من الدعائم الفكرية التي تبرز ملامحه وتحدد معالمه وتحسم منطلقاته وأهدافه وتميزه عن غيره من التيارات وتتمثل في الملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر. وكذلك فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية . وأيضا التيسير في الفتوي والتبشير في الدعوة. والتشديد في الأصول والكليات والتيسير في الفروع والجزئيات . والثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل .الحرص علي الجوهر قبل الشكل. وأيضا علي الباطن قبل الظاهر وعلي أعمال القلوب قبل أعمال الجوارح. وأشار الدكتور عمارة إلي أن خلاصة تعريف الوسطية يقصد بها ومنها : الفهم التكاملي للإسلام بوصفه عقيدة وشريعة. ودنيا ودينا. ودعوة ودولة . دعوة المسلمين بالحكمة وحوار الآخرين بالحسني .الجمع بين الولاء للمؤمنين والتسامح مع المخالفين . والجهاد والإعداد للمعتدين. والمسالمة لمن جنحوا للسلم . والتعاون بين الفئات الإسلامية في المتفق عليه والتسامح في المختلف فيه . مع ملاحظة أثر تغير الزمان والمكان والإنسان في الفتوي والدعوة والتعليم والقضاء مع اتخاذ منهج التدرج الحكيم في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير والجمع بين العلم والإيمان. وكذلك بين الإبداع المادي والسمو الروحي. وبين القوة الاقتصادية. والقوة الأخلاقية مع ضرورة التركيز علي المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية مثل العدل والشوري والحرية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة من رواسب عصور التخلف ومن آثار الغزو الحضاري الغربي من خلال الدعوة إلي تجديد الدين من داخله وإحياء فريضة الاجتهاد من أهله في محله والحرص علي البناء لا الهدم وكذلك علي الجمع لا التفريق وعلي القرب لا المباعدة مع الاستفادة بأفضل ما في تراثنا كله: من عقلانية المتكلمين. وروحانية المتصوفين. وانضباط الفقهاء والأصوليين والجمع بين استلهام الماضي ومعايشة الحاضر واستشراف المستقبل. يؤكد الدكتور عمارة علي أن علماء الدين الثقات المشهود لهم بالوسطية والاعتدال هم من يحكمون علي إنسان ما بأنه وسطي أو غير وسطي لأنهم أهل الذكر الذين مطلوب منا سؤالهم في الأمور التي تلتبس علينا وذلك تنفيذا لقوله تعالي ¢ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ¢. الوسطية العامة عن مفهوم الوسطية الإسلامية في الحياة وليس الفكر فقط قال الدكتور أحمد عمر هاشم . عضو هيئة كبار العلماء والرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر . حث الإسلام علي التوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية واعتبر الوسطية سمة من سماته فدعا إلي الاعتدال في العبادات وفي المأكل والمشرب كما قال سبحانه : ¢ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدي وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ¢. وذلك الاعتدال في الإنفاق فقال الله سبحانه وتعالي : ¢ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ¢ وكذلك التوسط والاعتدال حتي في المشي والكلام فقال الله سبحانه وتعالي : ¢ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالي فَخُوري¢ وهذه الوسطية تحقق الاعتدال بين مطالب الروح والجسد بعيدا عن الغلو والتشدد من ناحية وبين الانحلال والتفريط عرض الدكتور عمر هاشم لنموذج عملي من حياة الرسول صلي الله عليه وسلم يؤكد وسطيته واعتداله وقد روي أنس بن مالك رضي الله عنه يقول :¢ جاء ثلاثة رهط إلي بيوت أزواج النبي صلي الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلي الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ¢ وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم الدعاء بالوسطية في الحياة والموت فقال : ¢اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي . وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي . واجعل الحياة زيادة لي في كل خير . واجعل الموت راحة لي من كل شر¢. وأنهي الدكتور عمر هاشم كلامه بأن تعاليم الإسلام نفسها هي الفيصل في الحكم علي إنسان ما بأنه وسطي او غير وسطي من خلال عرض أفعاله وأقواله وكل تصرفاته علي صحيح الدين من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإن وافقتها فهو إنسان وسطي . وان خالفتها فهو غير وسطي فيكون الحكم عليه بأنه ¢متطرف أو مفرط¢ في ضوء أحكام الدين عليه. لا تشدد ولا تفريط يشير الشيخ جمال قطب . الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر . الوسطية بأنها هي الاعتدال في كل أمور الحياة مع التحري والسعي المتواصل للوصول إلي الصواب . وهي وسط بين ¢التشدد والانحلال¢ . أو ¢الإفراط والتفريط¢ . بالإضافة إلي أنها منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي. وعن التأصيل الشرعي للوسطية يضيف الشيخ جمال قطب : لقد جاء ذكر الوسطية تصريحا وتلميحا في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها علي سبيل المثال لا الحصر : ¢وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ¢. هنا تؤكد الآية أن الوسطية تحقق التوازن في الحياة التشدد في محله وسطية والرفق في محله وسطا كذلك الوسطية في مفهوم الإسلام منهج أصيل ووصف جميل ومفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة ولهذا وصفها بعض العلماء بأنها حق بين باطلين واعتدال بين تطرفين وعدل بين ظلمين. عن من لهم الحق في الحكم علي مسلم ما بأن وسطي أو غير وسطي قال الشيخ جمال قطب : علماء الأمة هم عقلها وقلبها النابض الذي لا يخطئ الحكم طالما كانت النوايا خالصة وليس فيها أهواء شخصية ولهذا قال صلي الله عليه وسلم: ¢إن الله لا يجمع أمتي علي ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ الي النار¢.