¢حسن الذوق¢ كان رجلا ً يعيش في منطقة الأزهر بالقاهرة أيام الفاطميين.. وكان طيب القلب حسن السريرة والخلق.. وقد أشتهر بين الناس بنصرة المظلومين وحبه للإصلاح بين الناس.. فكان لا هم له في الحياة سوي الإصلاح بين الزوجة وزوجها .. والرجل وابنه.. والشقيق وشقيقه .. وبين الفتوات والناس.. وبين الفتوات بعضهم البعض.. وكان الجميع ينصت له وينزل علي رأيه. حتي احتدمت الصراعات بين الفتوات وتشرذمت الحارة ورفضوا عندما وصل النزاع مبلغه الاستماع إليه - وهذا لم يحدث من قبل.. فأصابه الإحباط واليأس.. لدرجة أنه عزم علي مفارقة وطنه الحبيب مصر وناسه وأهله الذين يحبهم ويخاف عليهم.. بعد أن نحوا مساعيه جانبا ًوعزموا علي السير في النزاع حتي النهاية. وعندما هم بالخروج من باب الفتوح وافته المنية فدفنوه في مكان وفاته أسفل بوابة الفتوح في مدخل شارع المعز الشهير.. وأقاموا له ضريحا صغيرا ودهنوا قبته بالأخضر مكتوبا عليه ¢ضريح سيدي الذوق¢.. وصارت حكايته العجيبة المؤلمة والتي تثير في النفس الأمل في نفس الوقت مثلا بين الناس فيقولون ¢الذوق ما خرجش من مصر¢ أو ¢الذوق ماسبش مصر¢. وإلي الآن يردد المصلحون في الحارات المصرية إذا رأوا معركة أو نزاعا ً ¢يا جماعة اهدأوا وتوقفوا ده الذوق ما خرجش من مصر¢.. فيتفرقون إكبارا لذكري الرجل واحتراما ً لتاريخه وحزنه الذي مات فيه مغاضبا يائسا. وهذا المثل أشتهر فترة طويلة في مصر.. ويعني فيما يعنيه أن مصر هي بلد الذوق والجمال والهدوء والحلم والأناة وبذل الخير والشهامة والمجدعة. لقد خرج حسن الذوق من مصر لأجل صراع محدود وقتي بين بعض الفتوات.. فماذا لو كان الذوق موجودا في أيامنا هذه وهو يري الصراع السياسي في مصر يسقط فيه مئات القتلي من الإسلاميين والجيش والشرطة والنساء والأطفال والبسطاء ممن لا ذنب لهم ولا مصلحة؟. وكيف به وهو يري الصراع السياسي يهدر المليارات في الانتخابات المتكررة سواء ً الرئاسية أو البرلمانية.. ولو تم إنفاقها لخدمة الإنسان المصري البسيط في المشاريع والاستثمارات لتحولت مصر إلي جنة فيحاء - كما أرادها الذوق ويريدها كل ¢راجل ذوق¢. تري كيف به وهو يري الصراع السياسي بين فتوات مصر وقد دخل كل بيت وكل أسرة وميكروباص وكل عنبر في مصنع وكل شارع في حارة مع كل مليونية وأخري مضادة. ماذا لو شاهد الذوق ما يحدث اليوم بمصر من صراعات ونزاعات دامية؟ ماذا لو رأي ما حدث برابعة التي كان معظم ضحاياها من بسطاء المسلمين الذين اعتقدوا أن الموت في رابعة عقيدة دينية.. وأن الفرار منها كالتولي يوم الزحف. تري ماذا لو رأي الذوق جنود وضباط الجيش والشرطة يتم قتلهم وتفجيرهم وهم أيضا من بسطاء الناس ولا ناقة لهم ولا جمل في الصراع السياسي الدائر؟ ماذا لو حضر معنا هذه الصراعات المخيفة شديدة الوطء علي نفوس كل المصلحين.. حيث تحرق مئات المساجد والكنائس وأقسام الشرطة والكل يسعي فقط لمصلحته ونيل مطامعه في السلطة. لن تعدم مصر مصلحين غيورين محبين لمصر والمصريين مثل حسن الذوق رحمه الله.. لكن مهما حدث ومهما بلغ الخوف والإحباط مداه فلن نفقد الأمل في الإصلاح.. فالذوق لم يخرج من مصر.. ¢يا جماعة اهدأوا وتوقفوا ده الذوق ما خرجش من مصر¢.