حينما ينظر المرء حوله في هذا الواقع المرير ربما دخل اليأس القلوب. واستولي علي النفوس القنوط. وظن البعض أنه لا قيام للدين مرة أخري. ولعل هذه تكون الحالقة. عند ذلك تأتي الهجرة بأحداثها لتحيي في القلوب الأمل وتزرع في نفوس اليائسين الرجاء تأتي ذكري الهجرة لتجدد فينا الأمل بل إن شئت فقل لتصنع الأمل وتخبرنا بأنه ما بعد الضيق إلا الفرج. وما بعد العسر إلا اليسر تلك الذكري العطرة التي ارتضيناها تاريخاً لمسيرتنا وقيداً نقيد به أعمالنا. حيث إن المسلمين أرخوا بها تاريخهم. وربطوا بها مجدهم وكيانهم. حيث كانت الهجرة تحولاً إيجابياً في اندفاع الإسلام وانطلاقه من قيوده. تأتي هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم. فقد انتهت الهجرة بإقامة دولة الإسلام الفتية في المدينةالمنورة وقد كانت الهجرة في ظاهرها في بدء الأمر هروبا وفراراً من الواقع لكنها أبداً ما كانت كذلك وإنها كانت تخطيطا استراتيجيا ومنهجاً عمليا نهجه المصطفي لأمته ليعلمنا أن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ويعلمنا أن لا نفقد الأمل بل ورسم لنا الطريق إلي صناعة الأمل بذلكم الحدث الذي غير وجه التاريخ فابتدأ منه التاريخ ففي الهجرة العبر الناطقة التي تستفيد منها الأمة عبر الدهور. إذا أرادت أن تكون وثيقة الصلة بعناصر القوة التي تستعيد بها ما كان لها من سؤدد وعزة وكرامة بين الشعوب والأمم ولنا إن أردنا أن نستعيد هذه القوة والأمجاد إن ترابطت القلوب وانتزع الغل والحقد والكراهية فكلما قرأت في سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم وهجرته تمنيت أن لو قرأها المحللون والاستراتيجيون والنخبة بفهم وعمق وتدبر فالهجرة تتويج لحركة النبي "صلي الله عليه وسلم" الفعالة طوال المرحلة المكية. وهو درس ينبغي أن يستوعبه المسلمون. لا سيما القائمون علي الإصلاح والنهضة في الأوطان الإسلامية. ولم يعد من المفيد أن يركز كثير من العلماء والدعاة علي سبب ضعف التربية وقلة الوعي لدي الشعوب العربية والإسلامية ولكن عليهم أن يغرسوا الأمل ويصنعوه فالنبي "صلي الله عليه وسلم" كان يأخذ أصحابه بالرفق واللين. مع المثابرة علي الصبر. وهو جانب روحاني عظيم في التربية الإيمانية نكاد نفتقده اليوم ربما يظن البعض أن الهجرة في ظاهرها فرار وهرب من مواجهة الواقع لكنها أبدا لم تكن كذلك بل كانت قوة وتخطيطاً للقوة فالقارئ للتاريخ بفهم ووعي وتأمل يجد أن السيرة تثبت أن المرحلة المكية كان مرحلة غرس العقيدة والإيمان. ولكنها أيضاً وفي الوقت ذاته مرحلة البحث عن "استقلال" أو عن أرض تقوم عليها الدولة لذا كان الطريق إلي الهجرة لإقامة الدولة في القلوب لتقم علي الأرض وقد شاء الله لحبيبه بذلك لما تيقن بالأمل أن الله تعالي لن يتركه إن الأمل كما علمنا المصطفي - صلي الله عليه وسلم - في رحلته لهو طريق النجاة واليأس في حق الوطن خيانة وما أحوجنا في هذا الزمان زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلي تعلم فن صناعة الأمل فمن يدري ربما كانت هذه المصائب باباً إلي خير مجهول ورب محنة في طيها منحة أوليس قد قال الله: "وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" إن اليأس والقنوط ليسا من خلق المسلم قال سبحانه: "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح إلا القوم الكافرون" إن من عبرات ودروس الهجرة صناعة الأمل فمرة أخري يصنع الأمل في حادثة سراقة. ولا يلتفت رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي سراقة. ولا يبالي به وكأن شيئاً لم يكن يقول له أبو بكر: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فيقول له مقالتة الأولي "لا تحزن إن الله معنا" لقد اصطنع الأمل في الله ونصره فنصر الله وساخت قدما فرس سراقة فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء كالدخان فأدرك سراقة أنهم ممنوعون منه وجاء النصر لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهكذا تعلمنا الهجرة في كل فصل من فصولها كيف نصنع الأمل ونترقب ولادة النور من رحم الظلمة. وخروج الخير من قلب الشر وا نبثاق الفرج من كيد الأزمات.. فهل لقادة الأمة وأ ئمتها أن يعوا الدرس؟!