* يسأل أحمد جمال عبدالحكيم من أسيوط: هل السلاح وسيلة لنشر الدعوة الإسلامية؟ ** يقول الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق: الدعوة الإسلامية دعوة للعرض لا للفرض. فالمطلوب عرضها علي الناس دون فرضها عليهم. فما كانت العقائد تغرس بالإكراه أبداً لا في القديم ولا في الحديث. والله يقول عن نوح عليه السلام "أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" ويقول للنبي صلي الله عليه وسلم: "أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" ويقول: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ويقول "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". وهذا هو طابع الدعوة في الدور المكي مع قلة المسلمين وضعف شوكتهم. وفي الدور المدني مع كثرة المسلمين وقوتهم. قال الله لرسوله في المدينة "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وأن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" وكان في كتب النبي إلي الملوك لدعوتهم إلي الإسلام آية "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" ليس فيها "فإن تولوا حاربناكم وفرضنا عليكم الإسلام". وعندما أرسل النبي صلي الله عليه وسلم علياً لقتال يهود خيبر. قال: أقاتلهم حتي يكونوا مثلنا؟ يعني أرغمهم علي الإسلام حتي يسلموا مثلنا. فقال له "انفذ علي رسلك حتي تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلي الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فهوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم". فتقديم الدعوة إلي الإسلام كان أساساً في الحروب. فإن أجاب القوم فبها. وإن رفضوا دفع جزية وهي مبلغ رمزي في مقابل حمايتهم وتركهم أحراراً يمارسون شعائر دينهم. وإظهاراً لحسن نيتهم. كان القتال ليفسحوا الطريق أمام الدعوة لا ليسلموا. وقد حدث أن قتيبة ابن مسلم الباهلي الذي فتح ما وراء النهر وانساب في الأرض حتي قارب حدود الصين - دخل مدينة "صفد" من أعمال سمرقند دون أن يقدم لذلك بالدعوة. فشكوه إلي عمر بن عبدالعزيز. فكتب إليه بنظر القاضي في أمرهم. فحكم بأن يخرج العرب إلي معسكرهم وينابذوهم علي سواء. ويكون صلحاً جديداً. فقال أهل "صفد": بل نرضي بما كان ولا نحدث شيئاً. وأسلموا. إن الأمثلة من تاريخ الرسول وصحابته تؤكد أن الإسلام ما انتشر بالقهر وقعقعة السلاح. ويشهد لذلك انتشار الإسلام في الشرق الأقصي وفي سواحل افريقيا بدون قهر ولا سلاح حيث كانت الدولة الإسلامية في بغداد ضعيفة القوة العسكرية والسياسية ايضا. لقد أثر أن عمر رضي الله عنه جاءته عجوز في حاجة وكانت غير مسلمة. فدعاها إلي الإسلام فأبت. وتركها عمر ثم خشي أن يكون في قوله - وهو أمير المؤمنين - إكراه لها. فاتجه إلي ربه ضارعاً معتذراً اللهم أرشدت ولم أكره. وتلا قوله تعالي: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". ولئن جاءت نصوص تدل بظاهرها علي الأمر المطلق بالقتال فهناك نصوص أخري تقيدها بما إذا كان ذلك رداً لعدوان وقع. أو جزاء علي نكث العهد. أو منعاً لعدوان سيحدث "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا" "وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر" فيقيد بذلك قوله تعالي: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" "وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله". ولو جاءت نصوص تفيد في ظاهرها أن القتال لأجل الإسلام. فالمراد أن القتال ينتهي لو أعلن الناس الإسلام. وليس خوض المعركة أساساً من أجل أن يسلموا. وذلك مثل حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم علي الله" وكذلك قوله تعالي "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية" فلم يكن أخذ الجزية باعثاً علي القتال. ولكن كان غاية ينتهي عندها إذا دفعوها. ويؤكد أن الغرض من القتال ليس مادة أن أبا عبيدة رد علي أهل المدن ما أخذه منهم جزية حتي استدعوا إلي مقابلة الروم في اليرموك. لأنها كانت في مقابل حمايتهم. وحيث أنهم تخلوا عنها فلا معني لبقائها في حوزتهم كما ذكره أبويوسف في كتاب "الخراج". إن ما تقدم ذكره كاف في بيان أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف. وأن السبب في سرعة انتشاره كان لمقوماته الذاتية ومبادئه الأصيلة التي تتمشي مع العقل والمنطق وتتفق مع الطبيعة البشرية. وأن السلاح الآن ليس وسيلة لها قيمتها في نشر الدعوة من أجل تأمين طريقها ولكن له قيمته في حماية الوطن ومقدساته من عدوان المعتدين والواجب أن نركز علي الاهتمام بالوسائل الحديثة والإفادة منها.