حذّر العلماء من خطورة التطرف الديني علي أمن واستقرار المجتمعات الإنسانية لأنه يُهدد الحياة البشرية ذاتها خاصة إذا تسلّح بالقوة العددية .. وأكدوا أنه ترجمة لسوء الفهم وعدم الإدراك والوعي السليم بصحيح الأديان السماوية التي جاءت لخير الإنسان وليس إضراره.. أشاروا إلي أن المشكلة تكمن في تصوّر المتطرف أنه خليفة الله في أرضه. وبالتالي فإنه يسعي لفرض سطوته وسلطانه علي الناس ولا يهمهم الالتزام بالعبادات والطاعات بقدر شهوته في ممارسة سلطة الإجبار والإكراه علي الناس! في البدايةپيؤكد الشيخ إبراهيم محمد الدكروني- مدير إدارة بأوقاف قنا-پأنپالتطرف هو ظاهرة مركبة ومعقدة ومتداخلة وكلها تسهم بشكل واضح في إنتاج الإرهاب بكافة صوره وأشكاله. والتطرف في اللغة: الوقوف في أحد الطرفين بعيدا عن الوسط وينتقل الي المعنويات. كالتطرف في الدين أو الفكر أو السلوك. وفي جميع أحواله وأشكاله هو ظاهرة مرضية تعبر عن حالة غضب واحتقان. وهو مؤشر علي وجود خلل نفسي.أما التطرف من ناحية الشرع فهو التنطّع والتشدّد وضيق الأفق والفهم غير الصحيح للنصوص الشرعية . وقال : لا يصدر التطرف من شخص سوي. فالإنسان السوي يرفض التطرف ويضيق بالعنف. وبالعودة الي القرآن الكريم نجد أن پكلمة "التطرف" لم تأتِ بلفظها ولكن وردت ألفاظ مرادفة لها مثل "الغلو". أما السنة النبوية المشرفة فقد تحدثت عن التطرف ضمن ألفاظ معينة مثل "التنطّع والتشدّد والغلو". والتطرف مخالف للفطرة السليمة. ومن هنا نص القرآن الكريم علي "الوسطية" وهي إحدي خصائص الإسلام العامة وأبرز معالمه الأساسية التي ميّزت الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم. قال الله تعالي: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس". يشير الشيخ الدكروني الي أن أسباب التطرف تتنوع. فمنها ما هو سياسي وفكري ونفسي واجتماعي وتربوي. وهذا كله يعد من الجهل بحقيقة التشريع والبعد عن روح الشريعة الإسلامية وعدم فهمها بالمعني الصحيح. ويمكن علاج التطرف من خلال : الاهتمام ببناء الفرد علي أساس صحيح من الدين. اهتمام الأسرة بالنشء منذ الصغر. نشر الوعي الديني والثقافة الإسلامية ووسطية الدين بين عامة المسلمين وخاصتهم عن طريق المساجد والإعلام بكل أنواعه والمدارس والجامعات والملتقيات الشبابية. تجاوز الاعتدال يلتقط خيط الحديث الدكتور السيد عبد الرحيم مهران- الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر - فرع اسيوط - موضحاً أن التطرف في أي شيء لا معني له سوي تجاوز حد السوية والاعتدال في هذا الشيء. ويأتي التطرف ناشئاً في الغالب عن عدم الإدراك الكامل بحقائق الأمور والمقاصد الدينية والدنيوية بشأنها. والتطرف الديني قد يكون غلواً ناشئاً عن ضعف الوعي بمقاصد الرحمة والتسامح التي أرادها عز وجل من إقرار الدين وإرسال الرسل. وقد يكون التطرف الديني تصريفاً في أحكام وهجرها ناشئاً عن نقص الوعي بمقاصد الجدة والاستقامة التي أرادها عز وجل لعباده في الحياة الدنيا والآخرة.پ وأشار الي أن التطرف بالغلو كما التطرف بالتفريط قد يُغذّي كلُُ منهما الآخر. وأما ما يُذكّي نارهما بين الناس فهو تقصير أهل الاختصاص بالعلم الشرعي في تبصير الناس بالمقاصد الصحيحة لدين الله. ما يجعل غير المختصّين يتصدّون لذلك فيأتي الشطط ويقع الخطر. يضيف د. مهران قائلاً: ولا ينفك التطرف في اي صوب أو جهة أخري عن التطرف الديني إفراطاً وتفريطاً. فالتطرف السلوكي وانتشار الرذائل وانعدام الأمن في المجتمعات مردّه كله إلي التفريط في أحكام الدين الصحيح وهجرها وتغريب الناس عنها. ومن ثم فإن علاج هذه الظاهرة لا يكون إلا بالعودة لصحيح الدين. ففيها النجاة من كل خطر وخطأ. والعمل علي نشر العدالة التي أرادها الله لعباده في المجتمعات.. ووسيلة ذلك بالطبع البعد الكامل عن العنف والدماء. والحوار الراشد والدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وقوام تحقيق ذلك إعطاء الأزهر الشريف ريادته ودوره الذي يستحق في المجتمع بل وفي العالم بأسره. وجعله المرجعية الآمنة في الفهم الوسطي الصحيح لدين الله. احتكار خاطئ وأنانية يُحدد الدكتور أحمد القاضي- رئيس قسم اللغة الأردية. جامعة الأزهر- انه من خلال دراسته وتدريسه للغة الأردية التي تعد اللغة الرئيسية لمنطقة باكستان وأفغانستان والهند والتي تعد من أكثر المناطق تطرفا أن المتطرف عامة. سواء كان دينياً أو سياسياً بأنه هو الذي يحتكر كل شئ جميل من عدالة وحق وخُلُق إلي نفسه أو مجموعته. ونفي كل هذه المبادئ الجميلة عن الآخرين. رغم علمه أن ما يقوله هو الخطأ. وأضاف : أعتقد أنه لا فرق بين المتطرف الديني وأي متطرف آخر فكلاهما ضرب من الجنون والخلل النفسي. والمتطرف الديني لا يهمه أداء العبادات بقدر ما يهمه إجبار الآخرين عليها. والتطرف الديني أيضا لا يقتصر علي العقائد السماوية فقط بل وغير السماوية مثل الهندوكية والبوذية والسيخية. وعن سبب هذا التطرف عامة قال : يرجع إلي النشأة المتزمتة المبنية علي الفكر المُتحجّر الذي يعيش دائماً في الماضي ولا يقبل التغير مجاراة لمقتضيات العصر الذي يعيش فيه ولهذا أحذر من خطورة المتطرف الديني بالنسبة لأي متطرف آخر. حيث تكمن خطورته في قوته العددية. ومن ثم يكون الضرر أكثر إذا توفرت لديه أدوات القتل أو النفوذ السياسي» لأن أمثال هؤلاء لا يتدبّرون ما حولهم ولا يستمعون إلي غيرهم. ولا يقبلون الرأي الآخر فهم يحتكرون الحقيقة .والخطورة الأكبر في المتطرف الديني أيضا علي عكس المتطرف الآخر أنه يتدخل في أصغر جزئيات حياتك كفرد في المجتمع لأنه يعتبر نفسه نائباً عن الله في خلقه. يري الدكتور القاضي إمكانية علاج التطرف عامة من خلال: 1 معالجة الخلل الاقتصادي والاجتماعي وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء بمعني آخر تطبيق العدالة الاجتماعية. 2 إعطاء الاستقلالية للمؤسسات الدينية المعتدلة مثل الأزهر. والكنيسة. والتوقف عن توظيفها كأداة لحشد التأييد للسلطة سواء بالحق أو الباطل حتي تحظي بمصداقية أمام الجميع. 3 الحذر من دعم أي تطرف سواء كان علمانياً أو غير ذلك في مواجهة التطرف الديني» لأن التطرف رد فعل علي تطرف آخر. 4 قيام دولة القانون واحترام حقوق الإنسان الأساسية. وإيجاد قواعد لتداول السلطة وفقاً للدستور. هذا بالإضافة إلي فتح أبواب الحُريّات المسئولة في كافة الجوانب.