الإسلام دين الوسطية والاعتدال ومنهجه قائم علي العدل والتسامح والانجاز الحضاري ورفض التقوقع والتحجر والتواكل وبقدر الابتعاد عن هذا المنهج المتكامل في النهوض والتقدم يستمر التراجع والانهيار الفكري والمادي. والآفة التي تعاني منها أمتنا بشدة هي محاولات البعض إعلاء خطاب التعصب المذهبي والتشدد والغلو والتطرف علي حساب العقلانية ومقاصد الشرع وفقه الأولويات. وقد حذرنا الرسول-صلي الله عليه وسلم- من الفرقة بسبب التعصب المذموم الذي سماه الرسول الكريم بدعوي الجاهلية المذمومة المنتنة التي لا تؤمن عواقبها لأنه يغيب العقل والحكمة ويبعد الإنسان عن التسامح والوسطية ويدفعه إلي التمسك بترهات زائفة والغضب الشديد والقيام بتصرفات هوجاء لا تحمد عواقبها وقد تصل إلي انتهاك الحرمات وإيذاء الغير بل والي قتله والتمثيل به. واليوم تعاني مجتمعاتنا من تفشي داء التعصب بدرجة خطيرة باتت تهدد وحدتنا وتماسكنا وهو ما يفرض علي المؤسسات الدعوية بذل المزيد من الجهود لمقاومة هذا الفكر الدخيل المرفوض. مسئولية العلماء يقول الدكتور محمد داود - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- إن علماء الأمة عليهم مسئوليات جسيمة في نشر مفاهيم الإسلام التي تؤسس للتنابذ وتخاصم والابتعاد عن العادات والبدع والعصبيات التي لا تتفق مع صحيح الإسلام والإخلاص في العبودية لله عز وجل والتحلي بشعب الإيمان والتزود من أعمال الخير والبر بحيث يحرص الإنسان علي أن يكون في السر كما يكون في العلن ويحقق الطاعة لله كأنه يراه. فإن لم يكن يراه فالله يراه رقيب حسيب عليه. وشدد الدكتور داود.علي خطورة إعلاء العصبية المقيتة في المعاملات بين أبناء المجتمع الواحد. مشيرا الي أن الوهن الذي يضرب الأمة يعود إلي ترسخ السلبية والأنانية والشخصانية وإعلاء المصالح الخاصة والغلو في المواقف والانتماءات علي حساب وحدة الصف والكلمة والمصلحة العامة فلم تستطع التحكم في مصيرها ولم تعد قادرة علي صناعة تاريخها ففقدت مكانتها وريادتها وسلبت منها ثرواتها ومقدراتها وتكالب عليها الأعداء من كل صوب. ويضيف الدكتور داود: يجب علي العلماء النزول الي الشارع والاختلاط بالناس ومضاعفة الجهد سواء علي المنابر أو من خلال الدروس واللقاءات والمشاركة في الفاعليات وحث الجميع علي هجر الفتنة ومقاومة عوامل التمزق والتفتت. مشددا علي أن اخطر ما تبتلي به أمة هو غياب الحكمة في التفكير والرشادة في التصرفات وسيادة الأهواء وتحكيم النزوات والنزعات العصبية الضيقة وفقد الرؤية والاستجابة لعوامل الفتنة التي يسعي البعض لبذرها بين شعوبها حتي تبقي ضعيفة مشتتة لا تقوي علي الدفاع ونصرة قضاياها ولا تستطيع حماية مقدساتها وثوابتها. وأكد أن واجبنا جميعا الالتزام بمنهج الإسلام وقيمه وتحقيق العدل والرحمة والتسامح للإنسانية والدعوة إلي الله عز وجل بقوة وعزم وإرادة ومغالبة وتحرير الأرض من المعتدين والتخطيط للمستقبل والاستعداد له وليس افتعال خصومات وبث الفتن والانشغال بالانقسامات المذهبية. فقه الأولويات يري الدكتور محمد عثمان الخشت- أستاذ فلسفة الأديان ومستشار جامعة القاهرة الثقافي- أن مجتمعنا في أمس الحاجة لتغيير واقعه الفكري والأخذ بمنهج فقه الأولويات والانشغال بهموم الأمة وقضاياها الكبري المصيرية التي تمس وجودها ومستقبلها. ولفت الي أن دور المؤسسات الدعوية والعلماء والفقهاء والمفكرين هو تبصير الأمة بالتحديات التي تهددها والعمل علي الارتقاء بوعيها وإشاعة الثقافة والاستنارة الحقيقية والفقه الشرعي بين الناس وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال والسعي لتحرير عقلية الإنسان المسلم من المذهبية الضيقة أو الاتجاهات السياسية أو الإقليمية التي لا تؤمن بالموضوعية وتتصادم من ثوابت الأمة ولا يقرها الإسلام. وقال الدكتور الخشت: إن تقديم حقائق الإسلام ونشر سماحته في المجتمعات والابتعاد عن الأمور التي تثير البلبلة والتناقض والفتن مهمة كل الغيورين علي مستقبل الأمة والمهمومين بوجودها وحمايتها من المتربصين بها. ولذلك يجب علينا جميعا رفض ومقاومة المقولات والآراء التي تثير البلبلة بين الناس وتجر المجتمعات نحو الأزمات السياسية التي تضر بمصالحهم وتهدد كيانهم. وختم الخشت بقوله : يجب علي أفراد الأمة التمسك بقيم الخلاف وأدب الاختلاف والابتعاد عن استخدام عبارات الطعن والإساءة والتشكيك في المواقف والنوايا والاجتهاد لإحياء دور المساجد في المجتمعات وتحويلها لمدارس ومنارات دعوية وفكرية وثقافية تنشر وسطية وتسامح الإسلام وقيم المحبة والألفة بين الناس. أكد الدكتور محمد زكي عثمان. أستاذ الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر. أن الاسلام يرفض الغلو في الدين والتنطع في الأحكام والتطرف في الفكر والابتعاد عن الوسطية والتطاحن المذهبي. وقال إن نشر الفتن واعلاء الاختلافات المذهبية كان سببا في هلاك الأمم السابقة ممن غلوا في العقيدة أو العبادة علي حد سواء وتفرقوا فرقا ومذاهب فحرموا علي أنفسهم ما أحل الله وحرموا طيبات أحلت لهم وخرجوا بغلوهم عن الوسطية والاعتدال التي هي سمة الإسلام. يقول تعالي: ¢ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل "المائدة 77. وقال- صلي الله عليه وسلم": "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا. وشدد علي أن دور المؤسسات الدعوية هو نشر وسطية الاسلام ومنهجه الصحيح والتحذير من آفات الغلو والتطرف والتشدد لأنها تشوه حقيقة الإسلام وتلزم المسلمين بما لا يلزم شرعا. موضحا أن جوهر الإسلام الرفق بالناس في الفتوي والقضاء واقتضاء الدين وسائر المعاملات. والعدل والوسطية فهو دين لا إفراط في شيء منه ولا تفريط. ويقول إن المنهج الإسلامي بمفهومه الصحيح يرفض التطاحن ونشر العداء وممارسة التطرف بسبب الاختلافات المذهبية وينطلق في ذلك من أحاديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - وأفعاله ومن النهي الصريح في القرآن الكريم عن الغلو وتحذير الرسول صلي الله عليه وسلم - منه "يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا". مبينا أن البعض يقيم العدوات والحروب علي الاختلافات المذهبية وهذا في مضمونه تفكير وسلوك خارج عن الوسطية التي هي خاصية المنهج الإسلامي ولذلك فإن الجمع بينهما أمر غير مستقيم. فالمنهج الإسلامي يرفض التطرف والغلو والتقوقع في الماضي والتعبد بالتراث وتفريق الامة مذهبيا لان هذه المعاني بعيدة كل البعد عن صحيح الإسلام. ويوضح أن المؤسسات الدعوية عليها مسئولية كبيرة في محاربة فكر التعصب المذهبي وارتكاب الافعال الاثمة بحجة الدفاع عن المذهبية. مشيرا الي أن هناك جهات تستميت في تأجيج نار الخلافات المذهبية والتعصب وإثارة اللغط الفكري في امتنا لتظل ملتهبة مشغولة بنفسها عن الاشتغال بعظائم الأمور مما هو أهم بذلك من قضايا البلاد. وبعض أجهزة الإعلام وبعض المؤسسات الثقافية في العالم حريصة علي أن تظل نار هذه الفتنة مشتعلة في بلادنا كلما خبت نارها أوقدوها ثانية لأنهم لا يجدون ذواتهم إلا في مثل هذه الظروف المضطربة التي تموج فيها الفتن فتجرف أمامها كل شيء كما أن الجهات الخارجية التي غذت وتغذي اشتعال هذه الفتنة متربصة بالمنطقة وهي تمد يدها بفتيل الاشتعال من آن إلي آخر. ويؤكد أن التحديات تفرض علي العلماء والفقهاء والمفكرين بذل الجهود التي تكشف الجهل وعدم العلم بمراتب الأحكام التي تجعل البعض يضع المندوب في مقام الواجب أو السنة ويخلطون بين المكروه والحرام ويترتب علي ذلك قلب الأحكام الفقهية فيهتمون بالمندوب والسنة علي حساب الفرائض والواجبات ويتشددون في المكروه علي حساب المحرمات. مطالبا بتركيز الخطاب الدعوي علي مقاومة الاستبداد بالرأي والتعصب والتحامق مع المخالف واحتقار الآخرين وعدم الاعتراف بالآخر وسوء الظن بالآخرين واتهامهم في عقيدتهم والطعن في آرائهم. والطعن في العلماء والتشويش عليهم واتهامهم في كثير من الأحيان. والميل والجنوح إلي التشدد والتعسير علي الناس وإلزامهم بما لا يلزم. وبيان أنها كلها مواقف تتنافر مع روح الإسلام ونصوصه.