بالرغم من أن التسري نظام أوجدته الشرائع القديمة وموروث اجتماعي واقتصادي إنساني. ذاع وشاع في كل الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. إلا أن بعض المستشرقين حاولوا إلصاقه بالإسلام والادعاء بأنه أباح التسري وجعله أصلاً من أصوله لأنه دين يظلم النساء ويهدر المباديء الإنسانية بقبول حرمانهن من حقوقهن في الحرية والمساواة وفرض عليهم أوضاعاً غير إنسانية تهدر آدميتهن وتجعلهن من الناحية الإنسانية هابطات. أو من نوع أو مستوي آخر غير مستوي الحرائر. ويقول الدكتور محمد عمارة - مفكر إسلامي - إن التسري في الشرع الإسلامي هو اتخاذ مالك الأمة منها سرية يعاشرها معاشرة الأزواج. وهو يعد فرعاً من فروع الرق والاسترقاق ولقد جاء في المأثورات التاريخية المشهورة والمتواترة أن خليل الله إبراهيم - عليه السلام - قد تسري بهاجر المصرية. عندما وهبه إياها ملك مصر. ومنها وُلد له إسماعيل عليه السلام.. فمارس التسري أبوالأنبياء. وولد عن طريق التسري نبي ورسول.. وكذلك جاء في المأثورات التاريخية أن نبي الله سليمان - عليه السلام - قد تسري بثلاثمائة سرية.. وكما شاع التسري عند العرب قبل الإسلام. فلقد مارسه في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية غير المسلمين مثل المسلمين. ويضيف أن شريعة الإسلام تتضمن أحكاماً مهمة للتسري. موضحاً أن أصل التسمية جاء من أن الأمة التي يختارها مالكها سرية له سميت "سرية" لأنها موضع سروره. ولأنه يجعلها في حال تسرها دون سواها. أو أكثر من سواها. حيث يجعلها موضعاً للوطء ويختصها بميل قلبي ومعاشرة جنسية. وإحصان واستعفاف. وقال إن الإسلام وضع ضوابط شرعية للتسري جعلت منه زواجاً حقيقياً وتشترط فيه كل شروط الزواج. وذلك باستثناء عقد الزواج. لأن عقد الزواج هو أدني من عقد الملك. إذ في الأول تمليك منفعة. بينما الثاني يفضي إلي ملك الرقبة ومن ثم منفعتها.. مضيفاً أن الغرض من التسري ليس مجرد إشباع غرائز الرجل. وانما أيضاً الارتفاع بالأمة إلي ما يقرب كثيراً من مرتبة الزوجة الحرة. ويؤكد أن الإسلام لا يبيح التسري أي المعاشرة الجنسية للأمة بمجرد امتلاكها.. وقال إنه لابد من تهيئتها كما تهيأ الزوجة. وفقهاء المذهب الحنفي يشترطون لتحقيق ذلك أمرين أولهما. تحصين السرية. بأن يخصص لها منزلاً خاصاً بها. كما هو الحال مع الزوجة.. وثانيهما. مجامعتها أي إشباع غريزتها وتحقيق عفتها طالما أنها قد أصبحت سرية. ولا يجوز لها الزواج من رقيق مثلها. أو أن يتسري بها غير مالكها. ويضيف أن التسري في المعاشرة الجنسية أو التناسل مثله مثل الزواج من الحرائر. ولذلك اشترط الإسلام براءة رحم الأمة قبل التسري بها. وقال إن إباحة التسري قد جاءت في آية إباحة الزواج: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم ذلك أدني ألا تعولوا" 3 النساء. والتكليف الإسلامي بحفظ الفروج عام بالنسبة لمطلق الرجال والنساء. أحراراً كانوا أم رقيقاً. مسلمين كانوا أم غير مسلمين. يقول الله تعالي: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" المؤمنون 5-6. ولقد قال الرسول - صلي الله عليه وسلم - في سبايا "أوطاس" أي حنين: "لا توطأ حامل حتي تضع. ولا غير ذات حمل حتي تحيض حيضة". ويقول إن المقاصد الشرعية والإنسانية من وراء التسري هي ذات المقاصد الشرعية والإنسانية من وراء الزواج من تحقيق الإحصان والاستعفاف للرجل والمرأة. وتحقيق ثبوت أنساب الأطفال لآبائهم الحقيقيين.. ففي هذا التسري كما يقول الفقهاء "استعفاف مالك الأمة. وتحسين الإماء لكيلا يملن إلي الفجور. وثبوت نسب أولادهن". وأضاف أن التشريع القرآني يتضمن أمراً إلهياً بالإحصان العام للرجال والنساء. أحراراً كانوا أو أرقاء.. ففي سياق التشريع لغض البصر وحفظ الفروج. جاء التشريع للاستعفاف بالنكاح الزواج للجميع.. وجاء النهي عن إكراه الإماء علي البغاء. لا بمعني إجبارهن علي الزنا فهذا داخل في تحريم الزنا. العام للجميع وانما بمعني تركهن دون إحصان واستعفاف بالزواج أو التسري. يقول الحق سبحانه: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن..." النور 30-33. فالتشريع للاستعفاف والإحصان بالنكاح الزواج والتسري عام وشامل للجميع. وقال إن سبق الإسلام يتضح من حرصه علي جعل نظام التسري سبيلاً لتحقيق المزيد من الحرية للإرقاء. وصولاً إلي تصفية نظام العبودية والاسترقاق.. فأولاد السرية في الشرع الإسلامي. يولدون أحراراً بعد أن كانوا يظلون أرقاء في الشرائع والحضارات غير الإسلامية. والسرية بمجرد أن تلد. ترتفع إلي مرتبة أرقي هي مرتبة "أم الولد" ثم تصبح كاملة الحرية بعد وفاة والد أولادها.. مضيفاً أن الشرع الإسلامي اشترط للتسري استبراء الرحم. كما هو الحال في الزواج من الحرائر. واشترط في السرية ما يشترط في الزوجة الحرة. فيجب أن تكون ذات دين سماوي. مسلمة أو كتابية. وأن لا تكون من المحارم اللاتي يحرم الزواج بهن. بالنسب أو الرضاعة. فلا يجوز التسري بالمحارم. بل ولا يحل استرقاقهم أصلاً. إناثاً كانوا أم ذكوراً. فامتلاكهم يفضي إلي تحريرهم بمجرد الامتلاك. وفي الحديث النبوي الشريف: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر". ويقول إن الشريعة تأمر بتخير السرية ذات الدين. التي لا تميل إلي الفجور. وذلك لصيانة العرض. وأن تكون ذات عقل. حتي ينتقل منها إلي الأولاد.. وأن تكون ذات جمال يحقق السكينة للنفس والغض للبصر.. فالتخير للنطف وفق حديث الرسول - صلي الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم". هو تشريع عام في الحرائر والإماء.. وكما لا يجوز الاقتران بأكثر من أربع زوجات حرائر. اشترط بعض الفقهاء الالتزام بذات العدد في السراري. أو فيهن وفي الزوجات الحرائر.