موقف التيار الإسلامي من حرية الفكر والابداع لا تزال واحدة من الاشكاليات التي ثار حولها جدل كثير.. و ذلك بسبب اراء بعض الرموز الدعوية ومواقفهم المتشددة التي فهم منها معاداة الثقافة وتقييد الفكر والحجر علي حرية الابداع. وفي اعقاب الثورة زادت هذه الهواجسس والتخوفات مع صعود التيار الاسلامي وسيطرته علي مقاليد الحكم وانفراده بالسلطة السياسية وتوغله في كافة ابعاد المشهد وطرحه مشروعه الفكري وسعيه لتطبيق رؤيته التي اعتبرها جانباً لا يستهان به من المثقفين والمبدعين ضد الهوية المصرية المتسامحة والمنفتحة علي الاخر. وتجدد الجدل في اكثر من مناسبة وزادت حالة الشد والجذب حول العديد من القضايا وبرزت مفردات التكفير والمصادرة ومؤخرا تسببت التصريحات التي نسبت لمحافظ كفر الشيخ سعد الحسيني. وطالب فيها بتحويل قصور الثقافة إلي مراكز دعوية ومكتبات عامة للكتب الدينية. وتدريب الأئمة. والدعاة. وتثقيفهم في ازمة محتدمة بين المثقفين والمفكرين الذين اعتبروها اعلاناً صريحاً عن موقف التيار الإسلامي المعادي للفكر والثقافة وبداية حملات القمع والتقييد والحرب علي الابداع. وتمتلك الدولة نحو 540 موقعا ثقافيا يعاني عدد كبير منها من مشكلات حقيقية تمنعها من اداء دورها الثقافي. اذ بالرغم من الميزانيات الضخمة التي كانت ترصد لوزارة الثقافة في عهد النظام السابق الا أنها كانت تنفق بعيدا عن المجالات التي تخدم الثقافة والمثقفين. وكانت هيئة قصور الثقافة هي أكثر قطاعات الوزارة التي نالها الاهمال والتجاهل وعدم الحرص علي حل مشكلاتها العديدة التي تراكمت وانكشفت في حادث حريق قصر ثقافة بني سويف والذي راح ضحيته 86 من النقاد والصحفيين والمواطنين. وظلت تعاني بعد ذلك لاصرار قيادات الوزارة علي التجاهل والاكتفاء بترويج الاعمال الوهمية التي انفضحت في اعقاب الثورة وتبين أن كثيراً من قصور الثقافة مجرد اكذوبة وليس لها وجود حقيقي في أرض الواقع. حيث توقف بعضها عن العمل وصدرت قرارات ازالة لكثير منها. فضلا عن العشوائية التي تحكم عمل القائم منها واعتبار وجودها مجرد واجهة لتبرير الانفاق الهائل خاصة في عمليات التشييد والترميم بلا عائد ثقافي حقيقي. وبالرغم من حالة التفاؤل التي سادت في اعقاب الثورة وغلبة الشعور بتغير تعامل الدولة مع المؤسسات الثقافية وضرورة الاهتمام بدورها في الارتقاء بالمجتمع واعادة الاعتبار لقصور الثقافة واهميتها في نشر الفكر والابداع. إلا أن الامور لم تختلف كثيرا في ظل القيادة السياسية الجديدة وظل التعامل معها كما هو سواء في النظر الي دورها أو المطلوب منها أو في التعامل مع القائمين عليها. فلم يحدث أي تطوير يستهدف النهوض بادارة هذه المؤسسات أو ينظم أداءها. وجاء حادث اقتحام قصر ثقافة الإسماعيلية ليكشف عن هذه الحقيقة. حيث تعرض القصر منذ شهور قليلة لمحاولة اقتحام من قبل قيادات أمنية ونائب وزير العدل. بهدف اتخاذه مقرا لمحاكمة المتهمين في ¢مجزرة بورسعيد¢ واحدثوا تلفيات فادحة في مسرحه وقاعاته. واضطر الشاعر سعد عبد الرحمن. رئيس الهيئة. الي الاعتراض بشدة والتصدي لهذه الاعمال. ورفض دخول أي جهة القصر دون تصريح من الهيئة. كما اعتصم عدد كبير من مثقفي الإسماعيلية وموظفي قصر الثقافة بالمحافظة داخل القصر منددين بما حدث. وأكدوا مواصلة اعتصامهم حتي انتهاء المشكلة. وعادت قصور الثقافة الي بؤرة الضوء مرة أخري مع التصريحات الملتبسة التي نسبت الي محافظ كفر الشيخ سعد الحسيني. بتحويل قصور الثقافة إلي مراكز دعوية دينية ترسخ للدعوة. فقد اعتبر الوسط الثقافي والأدبي. هذه التصريحات بمثابة هجمة شرسة علي الثقافة والفكر والابداع. وابدوا استياءهم الشديد من محاولات تقويض المؤسسات الثقافية والاستيلاء عليها وتوظيفها لخدمة فصيل سياسي بعينه والترويج السياسي لافكاره وتوجهاته علي حساب باقي القوي والتيارات السياسية. وأصدرت جبهة الإبداع بيانا شديد اللهجة ادنت فيه محاولات تحويل بعض قصور الثقافة إلي مراكز دينية. ووصفت القرار بأنه يمثل احتقارا تاما للثقافة ودورها في المجتمع وتنمية وجدان الشعب. واعتبرته قرار من سلطة فاشية تقمع الفكر والابداع. وطالبت وزير الثقافة بالتحرك واتخاذ موقف ازاء الهجمة التي عدت تطاولا علي سلطة الوزارة. كما أصدر الاتحاد المصري للفرق المسرحية الحرة بيانا يرفضون فيه محاولة القضاء علي مسرح الثقافة الجماهيرية ويهددون بتصعيد الموقف مع القرار يعد حكما بالإعدام علي مسرح قصور الثقافة. قلاع فكرية و لكن وأكد الدكتور شاكر عبد الحميد. وزير الثقافة الأسبق. أن قصور الثقافة قلاع فكرية وابداعية ذات طبيعة منفردة وخصوصية ثقافية لا تقبل تدخلا سياسيا أو دينيا أو دعويا بأي شكل من الأشكال. معترضا علي أي اتجاه أو خطوات تؤدي الي اخراجها عن دورها الثقافي والفكري والتربوي والعدوان عليها تحت أي مسمي ومنعها من تحقيق أهدافها. وقال إن واجب الجماعة الثقافية التصدي لهذه التوجهات ومقاومة محاولات العبث بالمنظومة الثقافية للمجتمع المصري. واعتبر فؤاد قنديل. الروائي المعروف. أن هذه التصريحات محاولة جديدة لمحو ذاكرة الثقافة المصرية. مؤكدا انها اجراء عبثي يعبر عن رغبة في اقصاء الثقافة والفكر من الحياة العامة وتجفيف منابعها وروافدها الراسخة. وشدد علي ضرورة التصدي لهذه الافعال التعسفية. وقال إن المسؤلية تقع علي جميع المؤسسات والقوي السياسية والثقافية لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي تتنافي مع القيم والتصدي لمحاولات تدمير المؤسسات الثقافية والإعلامية. ووصف الشاعر زين العابدين فؤاد. هذه التصريحات بانها كارثية. ويري أن تحويل قصور الثقافة إلي مراكز دعوية دينية تعبير عن مساعي الاسلام السياسي لصبغ المجتمع بافكار ولاية الفقيه وتنفيذ مشروع الدولة الدينية علي أرض الواقع. وكشف أن المؤسسات الفكرية والثقافية مستهدفة وهناك خطط لتزييف وعي الامة. معتبرا ان عمليات العدوان علي تمثال عميد الأدب العربي طه حسين وتمثال أم كلثوم كانت بداية التحرك لتنفيذ هذه المخططات التي تأكدت بهذه التصريحات. ويقول إن الثقافة المصرية تتعرض لموجة جديدة من اصحاب الفكر المتطرف بهدف محو الروح الثقافية داخل مؤسساتها وقصورها. مبينا أن هذه الهجمة تستدعي وقوف كل المثقفين صفا واحدا للمقاومة بالفن والثقافة الفكر في كل زاوية وشبر وموقع. ورفض الدكتور محمود الضبع. الناقد الادبي. استخدام منابر قصور الثقافة لأغراض دينية أو سياسية. مضيفا أنها لا تصلح إلا للهدف الثقافي والابداعي. ويقول إن قصور الثقافة تعاني منذ سنوات طويلة من الاهمال الشديد والتجاهل المقصود حيث تحولت الي أماكن مهجورة فقيرة لا تقوي علي القيام بدورها الثقافي والفكري. مضيفا أن محاولة التقليل من اهميتها وقيمتها أو البعث بها جريمة هدفها في المقام الاول بث روح الهزيمة والاحباط في نفوس المبدعين والشباب سواء في العاصمة أو بالاقاليم. ويوضح ان انتشار الامية وارتفاع نسبتها في المجتمع خاصة في الاقاليم تستوجب تدعيم هذه القصور وزيادة عددها وتمكينها من القيام بدورها التنويري وليس القضاء عليها وتحويلها الي مخازن للكتب ومجرد واجهات تفتقد الحيوية والتفاعل مع قضايا المجتمع. غير صحيح ونفي الشاعر سعد عبد الرحمن. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة. وجود قرارات تستهدف تحويل أي من قصور الثقافة لمراكز دينية. مؤكدا ان قصور الثقافة هيئة مستقلة لا تتبع المحليات ولا تخضع لسلطة المحافظين وليس لهم ولاية عليها. وقال إن قصور الثقافة مواقع إشعاع ثقافي ومعرفي وهي مواقع مستقلة تتبع إدارتها ولا تتبع المحليات. ولا يستطيع أي مسئول بالمحافظة تحويل نشاط قصور الثقافة. مشيرا الي عدم معرفته بحقيقة هذه التصريحات التي نسبت الي المحافظ. وطالب بضرورة تحري الدقة وعدم الانسياق وراء الاقاويل. مبينا ان صدور قرارات لتحويل قصور الثقافة لمراكز دينية ليس صحيحا وأمراً مستبعداً تماماً ويندرج تحت باب الشائعات. ويقول إن الجماعة الثقافية لن تقبل بأي محاولات من هذا النوع. مضيفا أن يقظة المثقفين وغضبتهم وجهودهم لنشر الفكر والوعي والارتقاء بالانسان المصري كفيلة بمنع اي محاولة للعدوان علي الروافد والمؤسسات الثقافية. وكشف أن قصر ثقافة كفر الشيخ تحت التطوير منذ 3 سنوات. وسوف يتم الانتهاء منه العام المقبل بتكلفة وصلت ل31 مليون جنيه. موضحا أن المبني القديم للقصر مملوك لوزارة الأوقاف وتم عمل تبادل بين وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة لبناء مجمع ثقافي. ويتبقي فقط الجزء الخاص بالمسرح. وهو من أهم أنشطة قصور الثقافة. ويوجد علي مدار العام تعاون بين قصور الثقافة وبين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لعمل ندوات دينية.ويؤكد أن مصر لم تشهد أي تغيير في التعامل مع المؤسسات الثقافية. موضحا ان الثورة احدثت انفتاحاً جماهيرياً وادت الي رفع جميع المحاذير والمحظورات. وأشار الي أن حالة الاستقطاب السائدة في المجتمع ساهمت بقوة في ابطاء عملية التغيير التي كانت تطمحها الجماعة الثقافية. وقال إن الدولة مطالبة بجعل الثقافة في قمة الاولويات المستهدفة ووضع الخطط والتمويل اللازم لتمكين المؤسسات الثقافية من القيام بدورها حتي لا تظل مجرد واجهات مهمشة ضعيفة التأثير وغير قادرة علي المساهمة في زيادة مناعة المجتمع وتطويره وزيادة وعيه ومعارفه وقدراته في كافة المجالات. وازاء تصاعد ردود الافعال بخصوص هذه التصريحات اضطر المهندس سعد الحسيني. محافظ كفر الشيخ. الي اصدار تصريح أكد فيه عدم صحة ما نسب اليه. ونفي صدور قرارت بخصوص تحويل قصور الثقافة الي مراكز دعوية. مشددا علي اهمية دورها باعتبارها منابع الثقافة والمعرفة في مصر ويجب زيادة انشطتها الثقافية والفنية بها.