كان سيدنا ثابت بن قيس رضي الله عنه خطيب الأنصار وكان جهير الصوت خلقة وجبلة. وكان غاية في التوقير والأدب مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فلما نزلت الآية الكريمة اشتد خوفه أكثر من غيره. قال الأبي: لم يحتبس ولا خشي أنه من أهل النار لرفع صوته فيما تقدم لعدم النهي حينئذ ولكن لكونه جهير الصوت. وأنه إذا حضر لابد أن يتكلم. وقد نزلت الآية. فخاف واحتاط. وإن كان لما سبق فإنما ذلك لغلبة الخوف. وجاء أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال له: "أترضي أن تعيش حميداً. وتقتل شهيداً. وتدخل الجنة؟ فقال: رضيت ببشري الله تعالي ورسوله. ولا أرفع صوتي أبداً علي صوت رسول الله" - صلي الله عليه وسلم - رواه أحمد. قيل: نزلت هذه الآية في بعض الأعراب الجفاة الذين كانوا ينادون رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فيقولون: يا محمد يا محمد. فنهاهم الله تعالي عن ذلك وقال: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" أي إذا تكلمتم مع رسول الله فاخفضوا أصواتكم. ولا ترفعوها علي صوت النبي. "ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض" أي ولا تبلغوا حد الجهر عند مخاطبته - صلي الله عليه وسلم - كما يجهر بعضكم في الحديث مع البعض. ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا فتقولوا: يا محمد. ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا فتقولوا: يا محمد. ولكن قولوا: يا نبي الله.. ويا رسول لله تعظيما لقدره ومراعاة للأدب. وعاب الحق جل جلاله هؤلاء الأعراب الذين كانوا قد رفعوا أصواتهم فقال تعالي: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" أي أكثر هؤلاء غير عقلاء إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة العظماء عند خطابهم. لا سيما لمن كان بهذا المنصب الخطير. وكان - صلي الله عليه وسلم - لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه. فكان ازعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب. ولو انتظروا خروجه - صلي الله عليه وسلم - لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم. قال البيضاوي: قيل: إن الذي ناداه: عيينه بن حصن. والأقرع بن حابس وفدا علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد. فقالا: يا محمد اخرج إلينا". "ولو أنهم صبروا حتي تخرج إليهم لكان خيراً لهم" أي ولو أن هؤلاء المنادين لم يزعجوا الرسول - صلي الله عليه وسلم - بمناداتهم وصبروا حتي يخرج إليهم لكان ذلك خيراً لهم وأفضل عند الله وعند الناس. لما فيه من مراعاة الأدب من مقام النبوة. وبعد نزول هذه الآية: كان أبوبكر - رضي الله عنه - إذا قدم علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله - صلي الله عليه وسلم والأدب في حضرته.