تتجه انظار العالم كله هذه الأيام نحو دولة مالي بعد عدة احداث شهدتها الدولة الافريقية الفقيرة. بدأت بانقلاب عسكري علي الرئيس المالي. وانتهت بعمليات عسكرية تقودها فرنسا في شمال مالي. وجدت دعما امريكيا وغربيا كبيرا. ولكنها لاقت اعتراضا عربيا واسلاميا واسعا. تقع مالي في غرب افريقيا وتحيط بها مجموعة من الدول كالجزائر والنيجر وساحل العاج وبوركينافاسو وغينيا وموريتانيا والسنغال. ويبلغ عدد سكانها حوالي 14 مليون نسمة حسب إحصائيات 2009. أغلب السكان يتمركزون في جنوب البلاد نظرا لغني الموارد الطبيعية فيها واحتضانها نهري النيجر والسنغال. بينما يظل الطابع الصحراوي والجفاف سائدا في الشمال. كانت أزمة شمال مالي أثارت انتباه العالم منذ نحو عامين بعد انتقال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الي هذه المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المالية وبين الانفصاليين الطوارق. لكن من هي تلك الجماعات المتواجدة في قلب هذا الصراع المسلح؟ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: تنظيم جزائري انبثق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية عام 2007. ويقوده الإسلامي المتشدد عبد المالك درودكال. يعتبر أقوي التنظيمات الإسلامية الجهادية التي نقلت عملياتها من الجزائر الي شمال مالي وتحالفت مع فصائل أخري من الطوارق. جماعة أنصار الدين: هذه الجماعة من الطوارق وتتسم بالتدين ذي الطابع المحلي وتضم الكثير من الطوارق المنحدرين من اصول عربية. تنفي جماعة أنصار الدين اي علاقة لها بالقاعدة لكنها لا تخفي أنها تستفيد من مساعدتها في صد هجمات الجيش المالي في مناطق الشمال. يقود هذا الفصيل اياد آغ غالي أو تسيطر علي مناطق واسعة من اقليم كيدال شمال شرق مالي بعد فقدان الحركة الوطنية لتحرير أزواد كثيرا من نفوذها هناك. ويعتبر زعيم هذا التنظيم من بين ابرز الشخصيات التي شاركت في حوار موسع قادته الجزائر للوصول إلي حل سياسي في شمال مالي. الحركة الوطنية لتحرير أزواد: من بين اقدم الحركات المسلحة التي يقودها الطوارق للانفصال عن شمال مالي وتكوين دولة للشعب الأزوادي. هي حركة علمانية ذات طابع محلي لكنها لديها علاقات اقليمية وطيدة بالبلدان المجاورة خاصة في الجزائر وليبيا حيث استفادت بعد سقوط نظام معمر القذافي من تدفق السلاح والمقاتلين الطوارق الذين عملوا في صفوف الجيش الليبي السابق. حركة التوحيد والجهاد: تنظيم جهادي انشق عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ويضم بين صفوفه اغلبية من المقاتلين الجزائريين والموريتانيين والطوارق العرب. يعتبر من أكثر التنظيمات المقاتلة ذات الطابع السري وله امتدادات في دول الجوار حيث نفذ عدة عمليات في الجزائر وموريتانيا و يعتقد أنه ذو علاقة بتنظيم بوكو حرام الذي ينشط في نيجيريا وبوركينافاسو. وقد تمكن مقاتلو هذا الفصيل من السيطرة علي مدينة غاو والتحصن فيها الي غاية بدء العمليات الجوية الفرنسية. من جانبها اقترحت مصر خمسة محاور لتحقيق تسوية سلمية للأزمة الراهنة في مالي مؤكدة أن "التدخل العسكري يفتح الباب لإعادة السيناريوهات الفاشلة في التعامل مع أزمات مماثلة في مناطق أخري من العالم". قال بيان أصدره مكتب عصام الحداد مساعد الرئيس المصري للعلاقات الخارجية والتعاون أنه "يجب أن يكون استخدام القوة دائما الخيار الأخير لحسم أي نزاع" لافتا الانتباه الي أن "السبب الجذري للمشاكل الكثيرة في القارة الإفريقية يتمثل في غياب التنمية والديمقراطية وهو ما يستوجب إعطاء الأولوية القصوي لتخصيص الموارد لمبادرات التنمية لتحسين الظروف المعيشية في أفريقيا". ذكر البيان أن "مصر اقترحت في مناقشاتها مع أعضاء المجتمع الدولي نهجا متعدد الأبعاد لتحقيق تسوية سلمية للأزمة في مالي يتلخص في النقاط التالية: أولا المفاوضات السياسية الشاملة لجميع الأطراف في مالي وكذلك أصحاب المصلحة الاقليمية ذات الصلة لضمان التوصل إلي تسوية شاملة مقبولة لجميع الأطراف ثانيا المبادرات الاقتصادية والتنمية لتمويل مشاريع التنمية وبرامج الحد من الفقر في مالي ومنطقة الساحل بشكل عام بدلا من تعبئة الموارد لعملية عسكرية". وثالثا "تنسيق جهود الإغاثة بما في ذلك الحكومية والدولية وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية للتخفيف من الأزمة الإنسانية في منطقة الساحل". ورابعا "مواجهة الفكر المتطرف من خلال التبادل الثقافي والحوار الديني لتعزيز التسامح والتعايش". وخامسا "بناء القدرات والمساعدة التقنية لقوات الأمن الإفريقية في مجال مراقبة الحدود لضمان عدم امتداد الأزمة إلي الدول المجاورة". أما الأزهر الشريف فقال في بيان له انه إذ يدين التدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي الشقيقة يقرر وهو يدين هذا التصرف غير التصرف غير المشروع- أن السلوك الأحمق الهدام الذي قام به الغلاة المتشددون في شمال دولة مالي. وفي منطقة أزواد وغيرها هو الذي تسبب في الهجمة الفرنسية الباغية وأعطي الفرصة لإزهاق الأرواح وتهديد البلاد والعباد. في هذه المناطق المسلمة. والأزهر من واقع مسئوليته الدينية والتاريخية- يعلن إدانته لكل ذلك. ويدعو إلي وقف الهجوم العسكري الأجنبي. وإلي توقف التصرفات الحمقاء المخالفة لصحيح الدين في نبش مقابر المسلمين وتبديد تراثهم ومكتباتهم. وهدم مؤسساتهم الحضارية والدينية. يقول الدكتور عادل عامر دكتوراه في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية وعضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية. أن الأزمات التي عانت منها دولة مالي سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ليست بالأمر الجديد أو المختلف. فهي مثل باقي الدول الأفريقية التي تعيش في منظومة متكاملة من الفساد والجهل والتطلع إلي التقليد الأعمي للآخر. ثم ازداد الوضع سوءا. تأثرا بما حدث من ثورات الربيع العربي في شمال أفريقيا. خاصة في دولة ليبيا وانهيار نظام القذافي نتيجة لارتباطه بالعلاقات ودعمه وتمويل الكثير من الحركات المسلحة في الدول الأفريقية ومنها مالي بدأ الموضوع مع سقوط نظام القذافي في ليبيا حيث شرع المئات من المسلحين الطوارق المعروفين باسم "حركة تحرير أزواد . ممن كانوا يقاتلون في ليبيا في صفوف كتائب القذافي بالرجوع إلي شمال مالي والتي أعلنت في تصريح لها لقناة العربية أن مشروعها في شمال مالي "مشروع علماني". 1- وقعت اشتباكات بينهم و بين الجيش المالي النظامي و نال علي إثرها الجيش النظامي هزائم متتالية. 2- طالب الجيش المالي دعماً عسكرياً إضافياً لمواجهة حركة "تحرير أزواد" والتي تحالفت مؤخراً مع "حركة أنصار الدين الإسلامية". ولكن لم تستجب الحكومة المالية لمطلب الجيش النظامي فوقع انقلاب عسكري في العاصمة باماكو في 22 مارس 2012 نفذه عسكريون بالجيش النظامي المالي وأطاحوا بالرئيس المالي. 3- التحالف بين حركة "تحرير أزواد" و "حركة أنصار الدين الإسلامية" لم يدم طويلاً. إذ نشبت الخلافات سريعًا بينهم و حدثت معارك أدت في النهاية إلي سيطرة "حركة أنصار الدين" وحركات إسلامية أخري علي شمال مالي. 4- طالبت حركة "أنصار الدين الإسلامية" ومن معها من الحركات الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل سلمي كامل في شمال مالي و بالفعل بدأوا في ذلك و كانت الأمور تسير علي ما يرام كما طالبوا ببقائهم كجزء من نسيج الدولة و عدم انفصالهم عن الجنوب "علي عكس ما فعله النصاري في جنوب السودان الذين طالبوا بالانفصال عن بقية السودان و دعمهما الغرب في مطلبهم". 5- يوم السبت 12 يناير 2013 أعلنت فرنسا رسميا انطلاق عملياتها الحربية ضد المسلمين- الذين يحكمون بالشريعة- في شمال مالي وأعلنت بريطانيا بعدها دعمهم لوجستيا والإمارات مادياً ثم دعمت الحرب من الجهة البرية: حركة تحرير أزواد العلمانية والجيش المالي النظامي وقوات من بوركينافاسو ونيجيريا والسنغال وبنين وتوجو وتشاد والنيجر وغانا. أما جوياً فقد فتحت الجزائر مجالها الجوي للطائرات الفرنسية بدون شروط بينما وافقت حكومة تونس و تركيا علي التدخل العسكري هناك ولم تدن ذلك التدخل المسلح السافر ضد المسلمين هناك.