شهد العامان الماضيان حالة من الترقب والمراقبة بين التيار السلفي الذي انخرط أخيرا في العمل السياسي بعد أن كان كامنا لأقصي مدي في ظل النظام السابق ليدخل المعترك السياسي ويحقق في أيام نتائج عجزت أحزاب تاريخية كبيرة عن تحقيقها في عقود طويلة ومع هذا النجاح الكبير في برلمان 2011 ومع الاستعداد لبرلمان 2013 لا تزال تلك المعركة من الترقب والتربص بالتيار السلفي علي أشدها مراقبة للافعال والأقوال والفتاوي والأزمات والتحركات علي أرض الواقع وحتي في الخلافات السياسية التي من الوارد أن تحدث لدي كافة القوي السياسية وليس التيار الديني فحسب .. ونحن إذ نرقب هذا الموقف نرصد أخطاء التيار السلفي ونعرض لردود عليها من رموز هذا التيار الذي يمثله الآن أكثر من خمسة أحزاب سياسية آخرها وأحدثها حزب الوطن الذي خرج لتوه من رحم حزب النور الذي اعاد هيكلة قياداته التنفيذية ورئيسه ليواصل مسيرته . ولعل مسألة رصد أخطاء وخطايا التيار السلفي علي مدي العامين الماضيين إنما تتعدد فيه وجهات النظر فمن وجهة نظر التيارات الليبرالية نجد تصيدا عجيبا ينتقد كل حركة وسكنة لمشايخ ورموز السلفية بشكل مبالغ فيه يخرج الأمر عن اطار موضوعيته التي تجعله محلا للتصديق لكننا سننحاز هنا للحقيقة ونقدم رصدا ليس من أجل التصيد للأخطاء ولا نشرا للفتنة بين أبناء ذلك التيار جارف الشعبية وانما من باب ¢ انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قيل وكيف أنصره ظالما يارسول الله . قال - صلي الله عليه وسلم - :¢ أن ترده عن ظلمه ¢ . وبلغة أخري لسنا هنا في محل محاكمة للتيار السلفي وانما ننتقده برحمة وود المحب العاتب الناصح الأمين من أجل مصلحة أمتنا وصورة هذا التيار كواجهة لديننا الاسلامي الحنيف في مجتمع أضحي الأمر فيه كما المسرح المكشوف اللعب فيه بكل الأدوات من أجل المصلحة الشخصية والسياسية ولا عزاء لقيم ولا لمبادئ ولا صورة الدولة في الخارج ولا أي من كل هذا . وأنتقل لرصد كم هائل من الفتاوي العجيبة والغريبة ولعل أبرزها علي مدي العامين الماضيين هذه الفتاوي التي انطلقت من خلال بعض محبي الظهور والشو الاعلامي . وما أكثرهم هذه الأيام . ما يتعلق بفتاوي هدم الأضرحة . والتي أثارت لغطا كبيرا في مناطق متفرقة بدأت من محافظة القليوبية وكان آخرها منذ قرابة الشهر عند أحد أضرحة منطقة الدراسة وهذه الفتوي قديمة تجددت بعد الثورة ضمن الخلاف الفكري والعقائدي بين التيار السلفي والصوفي . كما أطلت علينا أزمة أخري تتعلق بطمس الآثار واقتراح البعض من شيوخ السلفية غير المعروفين للعامة بأن يتم ستر معالم الآثار وهو ذلك الذي فتح وأغار في جرح عميق كم تخوف منه القاصي والداني وهو كيف سيتعامل التيار السلفي المتشدد مع الآثار والسياحة . وفتاوي ومطالبات عديدة منها زواج الفتيات من سن التسع سنوات ومطالباتهم باقرار ذلك قانونا وهو ما أثار لغطا كبيرا سعي معه البعض للتأكيد علي موقفه مما سمي اعلاميا ب ¢ زواج البتلو ¢ وموقف الشرع منه ومسألة القياس علي ما روي عن زواج أم المؤمنين السيدة عائشة. رضي الله عنها. من النبي - صلي الله عليه وسلم - وهي في سن التاسعة . وفيما يتعلق بالعمل السياسي وجدنا فتاوي شرعية لكبار مشايخ السلفية في كل موقف سياسي بحل وحرمة القرار السياسي وصل هذا الأمر الي أشده في معركة الدستور الأخيرة وهو الأمر الذي وصفه التيار الليبرالي بأنه تصويت علي الجنة والنار وسماه البعض منح صكوك الغفران وتأويلات كثيرة توقفت عند مسألة مثلا منها أن يقال ¢ التصويت إدلاء بشهادة سيحاسب عليها الانسان أمام الله ¢ أمر لا يقف أمامه المسلم المتدين كثيرا لأنه يري الامر طبيعيا لكن الآخرين ينظرون لذلك علي انه ارهاب فكري وتوجيه سياسي للدفع في اتجاه معين لأن من سيذهب من منطلق الادلاء بالشهادة خشية الحساب والعقاب الالهي سيرجح التصويت لصالح التيار الديني وبالتالي يرون ان في ذلك ارهابا فكريا . ولعل من الخطايا البارزة أيضا والتي يجب أن يحاسب عليها كل مشايخ ورموز التيار السلفي ذلك الشتات والارتباك الذي حدث علي الساحة السياسية بسبب تعدد المنصات السياسية التي انطلقت بحزب النور والأصالة لكنها شملت لجوارها حزب الأمة للشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل . والشعب التابع للجبهة السلفية . والأنصار الذي اسسه زعيم حازمون . الفضيلة فضلا عن المولود الفتي حزب الوطن . وذلك سياسيا أما عن المرجعيات الدينية فنجد أن هناك مجلس شوري العلماء وهو الذي يضم أبرز وأكبر علماء التيار السلفي من مجموعة أنصار السنة والدعوة السلفية ثم هناك الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح ثم مجلس ادارة الدعوة السلفية ثم الجبهة السلفية وهذا التعدد للمرجعيات الدينية يحدث حالة من الارتباك والتداخل لدي العوام فضلا عن معاركهم الخلافية في مسألة حزب النور التي انتهت بتشكيل حزب الوطن بالقوة الأساسية تقريبا لحزب النور . ومن أبرز الخطايا التي يجب التوقف أمامها كثيرا ذلك الحصار الذي تم لمدينة الانتاج الإعلامي بشكل غير لائق علي الاطلاق . ثم حصار وتهديد حزب الوفد إذ ليس معقولا أن أحاصر المدينة وحين يتم الهجوم علي أحد الأشخاص أو تهديده امام المدينة وكذلك امام الحزب وأعود وأقول لم أرتكب ذلك الأمر بشكل يطرح ضرورة خضوع هذه المواقف للمراجعة طويلا . ولو عدنا الي الوراء قليلا وتابعنا تلك الفتوي الخطيرة التي صدرت عن الشيخ حسن أبو الأشبال علي قناة الحكمة قبل ان تغلق في اواخر ابريل الماضي في وقت حصار المجلس العسكري واعتصام العباسية وذلك الدرس القاسي الذي لقنته قوات الجيش للمعتصمين من انصار أبوإسماعيل حيث افتي ذلك الشيخ باقتحام المجلس العسكري. وهذا ربما سرد لمواقف عامة اما بعض الفتاوي الخاصة المثيرة فنجد منها ما ذكره ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية الذي أفتي بان الوقوف احتراماً للعلم والوقوف دقيقة حداداً بدعتين محدثتين لا يصح للمسلم اتباعهما أما التصفيق فقد اعتبره الشيخ تشبهاً بالنساء وشيخ آخر يقول وهو احد الاشخاص الذين رفضوا الوقوف احتراماً للسلام الجمهوري ما فيش فتوي بتقول اننا نقف اثناء عزف السلام الجمهوري. كما أن من اغرب فتاوي السلفيين علي الاطلاق تلك التي أكد فيها نائب رئيس حزب النور في محافظة الدقهلية ان فوز السلفيين في الانتخابات البرلمانية ورد في القرآن الكريم. وقال إن الله اخبر عن نتائج انتخابات مصر في القرآن الكريم حيث يقول في كتابه الحكيم "ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين". وتابع نحن من الذين استضعفوا في الارض وفوزنا في الانتخابات مستدل عليه من خلال هذه الآية. كما هناك عدة فتاوي في هذه النوعية. وهناك فتوي ¢ مضاجعة الوداع ¢ جواز مضاجعة المرأة بعد وفاتها لمدة ست ساعات قبل الدفن. وهناك فتوي قتل الاطفال والنساء من زوجات الشرطة والمسؤولين في الدولة الظالمة حتي لا يلدن كفاراً واعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله. الانجرار لمعارك وهمية فالحديث عن تغيير المادة الثانية من الدستور. لم يكن سوي معركة مفتعلة. خاضها السلفيون بكامل ثقلهم. رغم أنه لم يكن هناك أي طرح جدي للاقتراب من المادة. تعديلاً أو إلغاءً. كما روج البعض. ورغم أن التعديلات الدستورية التي طُرحت للاستفتاء لم تتضمن أي إشارة لهذه المادة. إلا أن البعض واصل المعركة. واعتبر الاستفتاء معركة علي هوية مصر. أو ¢غزوة الصناديق¢ كما وصفها البعض. وهو ما لم يكن صحيحًا. ومن المؤسف أن مئات المنابر وُظفت من أجل الدعوة لتأييد التعديلات. وصدرت فتاوي توجب هذا التأييد. وهو ما أساء لتلك المنابر ومن ارتقوها. فالأمر كان سياسيًا صرفًا. ولم يكن يحمل أي شبهة علاقة بالدين أو الهوية. الحديث عن نصر متوهم. فعندما تحول الاستفتاء إلي معركة. كان طبيعيًّا أن يكون هناك طرف منتصر وآخر مهزوم. وطالما أن الغالبية أيدت الاستفتاء. فقد ترجم بعض السلفيين تلك الغالبية باعتبارها تعكس ثقله في الشارع. بل إن بعض المشايخ اعتبر الاستفتاء تصويتًا لصالح الدين. وتدخله في كل شئون الحياة. وهو أمر فضلاً عن عدم صحته. يعكس كذلك فهمًا خاطئًا للديمقراطية. فالأمر لم يكن معركة بين الحرام والحلال. وإنما اختيارًا بين أمور تقع كلها في دائرة المباح. في حين أن مفهوم المعركة يعني وجود طرف منتصر يفرض شروطه علي الطرف المهزوم. وبالتالي نصبح أمام ديمقراطية من مرة واحدة. كما يحاول البعض إلصاق ذلك بالإسلاميين. السقوط في فخاخ الإعلام. فمع أن السلفيين يدركون أن القطاع الأكبر من الإعلام لا يتعاطف معهم. بل ويتصيد لهم الأخطاء. إلا أنهم وقعوا بسذاجة مفرطة في العديد من الأفخاخ التي نصبت لهم. فمثلاً أحد المشايخ سئل في لقاء عن موقفه من الأهرامات والآثار الفرعونية. فاقترح بكل بساطة تغطيتها بساتر من البلاستيك. معتبرًا ذلك موقفًا متقدمًا. لأنه لم يطالب بهدمها. لكنه في الحقيقة كان يقدم فرصة سانحة للإعلام كي يسخر ويهاجم السلفيين. وتكرر الأمر مع فخاج أخري عن ¢الولاء والبراء¢ و¢هدم الأضرحة¢. في حين أن الشيخ محمد حسان كان أكثر وعيًا عندما سئل عن تولي قبطي للرئاسة. فردَّ بشكل منطقي بأن أمريكا. قلعة الديمقراطية. لا تقبل بتولي شخص غير مسيحي لرئاستها. كما أن دستور إسبانيا ينص علي أن يكون الملك كاثوليكيًّا وليس فقط مسيحيًّا. التعامل مع السياسة بمنطق المشايخ وبمنطق الفتوي. فإذا كان يحق لعالم الدين أن يفتي في أمور الدين. باعتباره يملك الأدوات اللازمة لذلك. فإنه أبعد ما يكون عن ذلك في مجال السياسة. وعليه أن يوضح ذلك علانية لطلابه ومريديه. حتي يبحثوا عن الرأي السياسي عند من يملكون بضاعة رائجة في ذلك. كما أن القضايا السياسة تقع في نطاق المباح. والترجيح فيها قائم علي أساس المصلحة. وهذه المصلحة يحددها أهل الاختصاص. وأهل الاختصاص في مجال السياسة هم السياسيون. ولذا يجب علي الفقهاء عدم إعطاء فتاوي في هذا المجال. بل إنه أحيانًا يكون من الأفضل لعالم الدين ألا يُفصح عن رأيه السياسي. تجنبًا للتأثير علي آراء مريديه. وهو الأمر الذي انزلق إليه بعض مشايخ السلفيين. بل إن أحدهم خاض في عرض د.محمد البرادعي. وروّج لشائعة أن ابنته متزوجة من شخص غير مسلم. وبناء علي ذلك هاجمه بعنف. وعندما اكتشف كذب هذه الشائعة اضطر للاعتذار.