قد تعجب إذا علمت أن وجود الفساد لا يجهله أحد. ولا ينكره كبير أو صغير. وتسمع كثيرا من ذوي الشأن الإقرار بوجود الفساد. والتعظيم لحجمه وخطورته غير أن الأمر بعد ذلك يفرق الناس في حيص بيص. إذا تتعالي الأصوات والحناجر من كل صوب وحدب. كلها تزعم أو يزعم صاحبها معرفته لطريق الإصلاح. ووصفة الإصلاح. ولست تدري مثلي لمن يصف كل متحدث رؤيته للفساد أو رؤيته للإصلاح. مادام الكل يتكلم ويرفع عقيرته بالبكاء علي مصالح الأمة. ووجوب العمل علي مقاومة الفساد وطلب الإصلاح. يستوي في ذلك من في القمة أو من في القاع. وغير خاف علي أحد أن صدور الفساد عن الانسان في الأرض وارد. لأن القرآن الكريم ربط بين الحياة علي الأرض والفساد إذ قال رب العزة حكاية عن الملائكة: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون" وكأن رد الحق تبارك وتعالي علي ملائكته كان إرهاصا بأن وجود الفساد علي الأرض ليس قاعدة تستعصي علي الزوال. سيما وأن الحق تبارك وتعالي لم ينف مقولة الملائكة أو يردها عليهم. وإنما رد الأمر إلي علمه وتقديره الذي لا يحيط به أحد منهم. وبعد وجود الإنسان علي الأرض كان من رحمة الحق تبارك وتعالي بالإنسان أن لم يتركه وحده دون هداية وإشاد إلي طريق الصلاح والفساد. بإرسال الرسل وإنزال الكتب. التي تهدي وتنير وترشد وتأمر باجتناب سبيل الفساد. ورسالة الاسلام وهي آخر الرسالات وليست بدعاً منها. يقول الحق تبارك وتعالي فيها: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" وفيها: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" وفيها "ولا تبغ الفساد في الأرض" وفيها: "ولا تتبع سبيل المفسدين" وفيها: "إن الله لا يحب المفسدين". ودعا الإسلام أمته إلي اتباع المنهج الإيجابي في مقاومة الفساد. وأن يبدأ العمل في الاصلاح ولا ينتظر أن يأتيه الإصلاح من خارجه. فقال عز وجل: "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" أي أن ربنا تبارك وتعالي لا يعجزه مطلقا أن يغير ما بالقوم من فساد. غير أن الأجدي والأحري بالإنسان أن يكون التغيير منطلقا من رغبته ونيته الخالصة وجهده الصادق. حينئذ سيقابل هذا الجهد الإصلاحي بالتوفيق الالهي. وسيكون التغيير. كما تم مع جميع الرسالات والدعوات الإصلاحية تكون الأمم غارقة في الفساد ثم لا يلبث بعد فترة قصيرة وتحت نير الدعوة الجديدة والجهد المخلص الذي يريد تخليص مسيرة الانسان من الشوائب السوداء تنعم الأمة مع دعاة الإصلاح بثمار الإجهاز علي الفساد. في عقائد الناس وتصوراتهم وسلوكهم وأخلاقهم وآدابهم ومعاملاتهم فإن كل ذلك فرع عن العقائد والتصورات وواهم تمام الوهم من يري أن الإصلاح سيتم في هذه الأمة دون إصلاح عقائدها. فإذا أردنا الإصلاح بصدق وجب أن يفعل نقطة نظام بين كل المتحدثين بلا علم وبلا صدق وبلا رؤية بل ويدع الظنون تذهب بنا يميناً ويساراً. فالمتحدثون أغرقوا الأمة في البلبلة والضجيج بلا رؤية وتعقل والبلبلة والضجيج هادفة ومقصودة لصرف الأمة عن الجادة وعن الحق. وأهل الحق يعلمون أن لا صلاح إلا بالإسلام. الذي أصلح شأن الأمة أول مرة ولن تنصلح إلا به كل مرة. وليست هناك أيدلوجية أو نظام متكامل إلا من فيض فاطر الكون وخالق الناس سبحانه وتعالي. أما أن تعلو أقدار الفاسدين علي الحق والإلزام والإسلام فذلك هو الغرق في سبيل الضياع وهذا ما نسأل الله تعالي القدير أن يجنبنا المستقبل المظلم للأمة جميعها. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. "وأن تصل سفينتها إلي بر النجاة"