نزلت آيات القرآن الكريم البالغ عددها "6236" آية منجمة علي مدي ثلاث وعشرين سنة. وكتبت كلها في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم عقب الوحي بكل منها أو بكل مجموعة منها مباشرة. ثم رتبت تلك الآيات في مئة وأربع عشرة "114" سورة. وسميت السور ورتبت بتوقيف من الله سبحانه وتعالي الذي تعهد بحفظ آخر كتبه المنزلة. فحفظه بنفس اللغة التي أنزل بها "اللغة العربية" بينما تعرضت الكتب السماوية السابقة كلها للضياع التام. وما بقي من ذكريات عن عدد قليل جداً منها ظل ينقل شفاها من الآباء للأبناء. ومن الأجداد للأحفاد لعدة قرون قبل البدء في تدوينها بأيدي مجهولين. ممن ليسوا بأنبياء ولا بمرسلين. وبلغات غير اللغات التي أوحيت بها. مما أدي إلي تعرضها للتحريف والتبديل والتغيير الذي أخرجها عن إطارها الرباني وجعلها عاجزة عن هداية أتباعها كما سبق وأن أشرنا. ولاتزال هذه الذكريات المنقولة شفاهاً عن عدد من صور الوحي السابق تتعرض لذلك العبث البشري إلي يومنا الراهن. ولن يتوقف هذا العبث بها أبداً لأن أصحابها لا يتعاملون معها كنص سماوي. بل علي أنها كتابات بشرية من التراث الإنساني وعلي ذلك فهي قابلة للنقد ولكل من التعديل والتبديل والتطوير وللحذف والإضافة باستمرار. وتكفي في ذلك الإشارة إلي أن الله تعالي الذي أنزل مما نعلم من الكتب السماوية التي نؤمن بأصول كل منها كلاً من "صحف إبراهيم" و"التوراة" و"الزبور" و"الإنجيل" و"القرآن" هذا الإله العظيم الذي أنزل تلك الكتب لم ينزل كتاباً اسمه "العهد القديم" أو "العهد الجديد" أو "كتاب بوذا" أو غير ذلك من الكتب الموضوعة بأيدي نفر من الناس. سوآء كانت لها علاقة بوحي سماوي سابق. أو لا علاقة لها البتة بأي من ذلك الوحي. وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه: * "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" "البقرة:79". * "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أساري تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون * ولقد آتينا موسي الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسي بان مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون * "البقرة: 85-87". * "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين" "البقرة:93". * "أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسي من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل" "البقرة:108". * إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون "آل عمران:187". * "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" "المائدة:41". وعلي ذلك فالقرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الموجود بين أيدي الناس اليوم محفوظاً بحفظ الله تعالي في نفس لغة وحيه "اللغة العربية" ومحفوظاً بصفائه الرباني وإشراقاته النورانية والحق الالهي الذي جاء به ولذلك فهو الكتاب الوحيد الذي يتعبد بتلاوته والذي لا تصلح الصلاة إلا بقراءة فاتحته والذي لا يغني عنه في الصلاة شيء من الأحاديث أو الأدعية التي وضعها البشر. وفي التأكيد علي أن الله تعالي هو الذي تولي جمع القرآن الكريم في قلب خاتم الأنباء والمرسلين صلي الله عليه وسلم وأجراه علي لسانه وبين له معانيه والرسول يسمعه من جبريل عليه السلام ويجهد نفسه في متابعته حتي لا يتفلت حرف واحد منه يقول له رب العالمين: "لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه" "القيامة:16-19". والوعد الإلهي بحفظ القرآن الكريم وعد مطلق ولذلك حفظ هذا الكتاب الخالد علي مدي الأربعة عشر قناً الماضية في نفس لغة وحيه "اللغة العربية" دون أني ضاف إليه أو ينتقص منه حرف واحد وسوف يظل هذا الكتاب العزيز محفوظاً بحفظ الله إلي ما شاء الله ليبقي شاهداً علي خلق الله أجمعين حتي يوم الدين بأنه كلام رب العالمين وشاهداً للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة.