جاء الإسلام علي فترة من الرسل يهدفون جميعا لهداية البشرية لطريق الحق. وشعارهم إلي قومهم أن اعبدوا الله ربي. وربكم. فمنهم من هدي الله. ومنهم من طغت عليه الضلالة. واستبد به العناد للرسول. ولمن أرسله وتوالي الأنبياء إلي أقوامهم. في أماكن محدودة. وأزمان معلومة ورسالة لتواءم مع طبيعتهم وكان الله يؤيد رسله بالمعجزات من جنس ما يحدث بين أقوامهم عونا لهم علي أداء رسالاتهم ولقد عاني الجميع من شعوبهم أشد أنواع التكذيب. والاستهزاء والاتهام بالجنون والسحر والشعر علي حين يهملون عقولهم فيعبدون ما لا ينفعهم ولا يضرهم!! وكان شأن الجزيرة العربية وما حولهما شأن كثير من بقاع الأرض. إلا أن عبادة الأصنام كانت علي رأس آلهتهم وخاصة بين المشركين وعبدة الأوثان في مكة. رغم أن بها أول بيت وضع للناس. حيث بنته الملائكة. ورفعه إبراهيم وعاونه إسماعيل ليكون مثابة للناس وأمنا ومع ذلك لوثه المشركون بأعداد هائلة من الأصنام حول البيت ويزعمون أنها تقربهم إلي الله زلفي. وأهل الجزيرة عرب بدو ما مرأوا كتابا ولا عرفوا مدينة ولا خالطوا أمما مهذبة ومع ذلك كانت نحيط بهم الحضارات المتمثلة في الروم غربا وفي الفرس شرقا ولم يكن لهم دستور يهتدون به ولا قانون يحكم بينهم فكل منكر عندهم واقع وكل معروف ممنوع ومستبعد وكان لابد لهذا المكان من شمس تضيء جنباته ودين يعصم أهله علي طريق العدل والإنصاف بعد أن استشري الفساد وأصبح لا ملجأ من الله إلا إليه فكانت رسالة محمد صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين!! جاء محمد صلي الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وليستكمل الرسالات السماوية وليكون خاتم النبيين وإمام المرسلين فكان من أهم دعائم رسالته العدل بين الناس. والحكم بما أنزل الله ولو كان لصالح أعدائه من غير المسلمين وكثيرا ما كان يحكم صلي الله عليه وسلم في أمور يؤيدها القرآن ويقرها التنزيل وفي بعض الأحيان كان يجتهد ما استطاع حتي إذا نزل الوحي في أمر من الأمور كان هو الفيصل الذي لا خروج عليه ولو كان اجتهاده صلي الله عليه وسلم علي خلاف ذلك ما حدث في أساري بدر وغيرها من الأمور التي نزل الوحي مخالفا لرأيه. ولعل ما يحضرني في هذا الموقف ما حدث في أمر بني أبيرق الثلاثة. بشر. وبشير. ومبشر. وابن عمهم أسيد بن عروة حين نقبوا مشربة "مكان" لرفاعة بن زيد في الليل وسرقوا منها أدراعا وطعاما له. وعثر علي ذلك بحوزتهم.. وقيل إن الذي قام بالسرقة وحده بشير وكان يكني أبا طعمة وكان مما سرقه درع مخبأة في جراب به دقيق فكان الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتي انتهي إلي دار بشير بن أبيرق ولما علم قوم رفاعة بن زيد بالسرقة بعد أن تحسوا مكانها جاء قتادة بن النعمان ابن أخي رفاعة إلي الرسول صلي الله عليه وسلم يشكو آل أبيرق. ويتهم بشيرا بالسرقة إلا أن بن عمه اسيد بن عروة أسرع إلي النبي صلي الله عليه وسلم يدافع عن السارق قائلا: يا رسول الله: ان هؤلاء يقصد بني أبيرق عمدوا إلي أهل بيتهم أهل صلاح ودين فاتهموهم بالسرقة علي غير بينة وظل أسيد يدافع بالباطل حتي أوغر صدر النبي صلي الله عليه وسلم علي قتادة ورفاعة حتي نزل القرآن ليحسم الأمر في قوله تعالي في الآية 105 من سورة النساء: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما" وفي الآية 107 "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما". أراد بنو أبيرق نفي التهمة عنهم. ولكن الله أظهر الحق. وبرأ الذين اتهموهم بالسرقة. ومنهم لبيد بن سهيل وزيد بن السمين. وقيل رجل من الأنصار ولما أراد النبي أن يقطع يد بشير جاء قومه من اليهود شاكين السلاح فأخذوه وهربوا به إلي مكة مما يدل علي حدوث الواقعة بالمدينة وكان طرفاها من اليهود والمنافقين وبعضهم من المسلمين ولا ينبغي إذا ظهر نطاق قوم للمسلمين وجب عليهم ألا يدافعوا عنهم ليحمدهم وذلك ما دفع للنبي صلي الله عليه وسلم حين عاتبه ربه في هذا الأمر وطلب إليه أن يستغفر الله من ذلك في خصامة للخائنين.. وهكذا الإسلام يدور مع الحق والعدل ولو كان لصالح الأعداء. والله من وراء القصد.. وهو المستعان