* يسأل سيد مجاهد من دمياط: يعرف الشعب المصري بالمزاح والنكات وما من جلسة تجمع بين اثنين إلا وتنقلب إلي مزاح فهل المزاح عمل محظور شرعا؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر مدير الإعلام بمنطقة دمياط الأزهرية: المزاح المحظور. وهو نوعان: الأول: ما اشتمل علي مخالفة شرعية كالاستهزاء بآيات الله والثاني: ترتبت عليه اثار سيئة لأنه خرج عن حدود اللياقة في التعامل بين الناس وجر إلي ما لا يحمد عقباه. ومن النوع الأول: 1- قال تعالي: "وإذ قال موسي لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا اتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" آية رقم 67 من سورة البقرة. قال القرطبي: في الآية دليل علي منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه وإن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد. وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل ألا تري أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يمزح والأئمة من بعده ج1 ص183 الجامع لأحكام القرآن. وقال ابن عاشور: وقول موسي: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" تبرؤ وتنزه عن الهزء لأنه لا يليق بالعقلاء الأفاضل فإنه أخص من المزح لأن في الهزء فرحا مع استخفاف واحتقار للممزوح منه. علي أن المزح لا يليق في المجامع العامة والخطابة ولا يليق بمقام الرسول. ولذا تبرأ منه موسي -عليه السلام- بأن نفي أن يكون من الجاهلين كناية عن نفي المزح بنفي ملزومه. وبالغ في التنزه بقوله: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" والجهل كما يكون ضد العلم فهو ضد الحلم كذلك. 2- وقال تعالي: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.." الآيتان 65. 66 من سورة التوبة قال ابن كثير: وقال قتادة: ولئن سألتهم.. الآية: قال: فبينما النبي صلي الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها هيهات هيهات. فاطلع الله نبيه -صلي الله عليه وسلم- علي ما قالوا فقال: "علي بهؤلاء النفر فدعاهم فقال: قلتم كذا و كذا فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب.. ج2 ص367 تفسير القرآن العظيم. وقال القرطبي: قال القاضي أبوبكر بن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا وهو كيفما كان كفر. فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأئمة فإن التحقيق أخو العلم والحق والهزل أخو الباطل والجهل ج5 ص3036 الجامع لأحكام القرآن. ومن هذا النوع من المزاح المحظور والحرام ما يكون في المسرحيات الكوميدية من الاستهزاء بأمور الدين وشعائر الإسلام بحجة التسلية والترويح عن النفس وما يكون كذلك في الرسوم الكاريكاتورية التي تساهلت في المزاح حتي في أمور الدين وآيات القرآن الكريم. وقد سئلت اللجنة الدائمة في السعودية عن استعمال بعض آيات القرآن الكريم في المزاح ما بين الأصدقاء مثل: "خذوه فغلوه" الحاقة 30 و"وجوه يومئذ عليها غبرة" عبس 40 و"سيماهم في وجوههم" الفتح 29 فأجابت بما يأتي: لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح علي أنها آيات من القرآن أما إذا كانت هناك كلمات دارجة علي اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه فيجوز وبالله التوفيق. ومن النوع الثاني وهو الذي ترتبت عليه آثار سيئة: روي البخاري عن جابر -رضي الله عنهما- قال: غزونا مع النبي- صلي الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتي كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتي تداعوا وقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوي أهل الجاهلية؟! ثم قال: ما شأنهم. فأخبر بكسعة المهاجري للأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم- دعوها فإنها خبيثة وقال عبدالله بن أبي بن سلول: أقد تداعوا علينا: لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر: ألا تقتل هذا الخبيث يا رسول الله؟ فقال النبي- صلي الله عليه وسلم: حتي لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه!! ومعني ثاب: رجع ومعني لعاب: قيل: معناه بطال. وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة. وقيل: مزاح. ومعني كسع: من الكسع: وهو أن تضرب بيدك أو برجلك دبر إنسان. وقيل هو: أن تضرب عجز إنسان بقدمك ومعني يا للأنصار: نداء استغاثة. والمقصود بالخبيث: عبدالله بن أبي بن سلول- زعيم المنافقين فهذا مثال علي المزاح المذوموم الممقوت الذي لا ينبغي أن يكون في المجتمع المسلم لأنه مزاح ثقيل يوجب فوران الدم في العروق وثوران الغضب.