وردت كلمة "القرآن " معرفة ومنكرة في الكتاب الكريم ثماني وخمسين "58" وكلها ثناء علي القرآن ودعوة إلي قراءته والاهتداء به ولا عجب في ذلك» فهو الكتاب الذي انزله الله إلي البشرية ليكون آخر رسالات السماء إلي الارض وأبقاها علي الاستمرار. لأنه محفوظ بعناية الله سبحانه وتعالي الذي عبر عن هذا الحفظ بأسلوب التوكيد المتكرر حيث يقول جل شأنه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". والتوكيد هنا ليس في إنزاله فقط من عند الله. وإنما في حفظه كذلك. ولهذا لم تنجح محاولات إخراج القرآن عن نصه المنزل به من عند الله. وإذا كانت المعاني لآياته قد تعددت ألفاظها إلا أن معانيها ملتقية. ولا تجد مفسراً لآية من القرآن يتعارض مع مفسر آخر في الآية نفسها. لأن المفسرين تجردوا في تفسيرهم عن المعاني الذاتية. وحبسوا أنفسهم علي معانيه العليا وهذا هو ما دفعهم إليه إيمانهم بالقرآن الكريم. وهو ضرب من حفظ الله لكتابه. وفي الآية الكريمة: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وهي الآية التاسعة من سورة الحجر نري عدداً من أدوات التوكيد للإنزال من عند الله ولحفظ الله له. وهذا هو شأن الكتاب الخاتم الذي وصفه الله سبحانه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وعلل ذلك بأنه تنزيل من "عزيز حكيم" والعزيز هو الذي لا يغلب والحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه. وبهذا يتأكد للقرآن أنه غالب لا مغلوب وأن حكمته أقصاها لأنه منزل من عند الله الذي لا تتناهي حكمته. وقد جهد المفسرون أنفسهم في تفهيم آياته للناس. لكنهم لم يتعارضوا. لأن هدفهم واحد وهو وضع القرآن في موضعه من عقول الناس وقلوبهم. وهذه آية من آيات حفظ الله لكتابه. فالحفظ ليس للنص فقط. وإنما هو للمعني أيضا. وإذا اختلف التعبير عن المعاني بالألفاظ إلا أن الاتفاق يجمعها. وهذا سر من أسرار القرآن التي تعبر عن حفظ الله له. وإذا كان أول ما نزل من القرآن هو الدعوة إلي القراءة ليس بقصد تعلم القراءة فقط. وإنما لتكون القراءة هدي ونورا للناس لأنها قراءة باسم الله الذي خلق الإنسان من علق. وهي أيضا قراءة باسم الله الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. والقاريء للنص الأول في نزول القرآن الكريم يلاحظ أن حرف العطف بالواو لم يفصل بين الاثنين "الذي علم بالقلم" او "علم الإنسان ما لم يعلم". فالقرآن لم يسبقه شيء في معناه مما أنزل الله من كتب علي الأنبياء السابقين. صحيح أن هذه الكتب دعت كلها إلي عبادة الله وحده. ولكنها اختلفت في منهجية الكتابة. لكن هذه الاختلافات انتهت كلها إلي اتفاقات. وتلك دلالة من دلالات التوحيد التي تميز بها الإسلام في بيانه عما يجب الاعتقاد به من وحدانية لله سبحانه وتعالي. وإذا كانت هذه بداية حديث عن أول ما نزل من القرآن فإن توالي الآيات يتتابع. لكن إذا كان القرآن له بداية وله نهاية. فإن معانيه إذا كانت لها بداية فإنها لا نهاية لها. لأنها تستوعب كل جديد في الحياة.