فتح حريق المجمع العلمي جرحا لم ولن يندمل قبل سنوات طويلة حتي نستطيع ان نستعيد ونرمم ماقضت عليه النيران. وفي المقابل فتح ايضا ملفات عديدة ينبغي طرحها ومناقشتها حتي لايمر هذا الحدث المفجع مرور الكرام. فالسؤال الملفت الذي وجدته علي السنة الكثيرين المثقف منهم قبل المواطن العادي كان..ماهو المجمع العلمي وماهي قيمته وهل كنا نعرف ان هذا المبني هو المجمع العلمي؟ نعم كان هذا هو السؤال وهو مايبين ويكشف جهلنا بقيمة كنوز واثار وتاريخ مصر الذي يبدو ان كثرة وتنوع هذه الاثار والكنوز جعلها تفقد قيمتها لدينا في الوقت الذي نجد فيه دولاً تنشئ متحفا كبيرا مزودا باحدث انظمة الحماية والحراسة ثم تستجدي الدول لتأخذ منها ماتضعه في هذا المتحف في الوقت الذي حبي الله فيه مصر بمتاحف مفتوحة في كل شبر علي ارضها وبدلا من صيانتها وحمايتها نتركها نهبا للصوص والحرائق والمياه الجوفية التي تاكلها. وتاريخ مصر مع الحرائق تاريخ طويل كان منها ما هز مصر والعالم ومنها حرائق صغيرة لم يشعر بها احد الا انها اخذت معها كنوزا واثارا لا تقدر بثمن. ولعل اشهر الحرائق الثقافية في تاريخ مصر كان حريق مكتبة الاسكندرية في عام 48 ق.م حين قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه. وامتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فأحرقتها حيث يعتقد بعض المؤرخين أنها دمرت.في حين يذكر التاريخ كذلك أنه قد لحق بالمكتبة أضراراً فادحة في 391 م عندما أمر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول بتدميرها وايا كان الفعل فان الحقيقة الثابتة ان الحريق اخذ معه كل كنوز المكتبة العريقة. وفي 26 يناير 1952 اندلع في عدة منشآت في مدينة القاهرة حريق كبير وفي خلال ساعات قلائل التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادي في شوارع وميادين وسط المدينة فيما عرف باسم حريق القاهرة. وفي سيناريو مشابه. استيقظت القاهرة ذات يوم علي حريق لا يقل بشاعة عن سابقه. حيث التهمت فيه النيران دار الأوبرا المصرية القديمة بجميع ما بها من لوحات لمصورين كبار من الفرق الأجنبية والمئات من النوت والآلات الموسيقية. فيما لم يتبق منها سوي تمثالين للفنان محمد حسن. هما الرخاء ونهضة الفنون.پ وفيما يشبه الظاهرة. تعرضت جميع المسارح الفردية ودور العرض والاستديوهات الكبري للحرائق التي تنتهي دائما باتهام الماس الكهربائي وبقي الفاعل. إن كان هناك فاعل مجهول. من أكثرها تدميرا كان حريق قصر ثقافة بني سويف في سبتمبر 2005. وحريق المسرح القومي في سبتمبر 2008.وما سبقه بأيام من حريق في مقر مجلس الشوري والمتحف الإسلامي بباب الخلق. كشفت عمليات رفع أنقاض مبني ديوان محافظة الاسكندرية التاريخي الذي احترق كليا خلال الانفلات الأمني. الذي وقع عقب اندلاع ثورة 25 يناير في مصر- عن محرقة كبيرة للتراث الفني الذي كان موجودًا بالمقر. حيث ان المبني العريق يضم نحو 20 لوحة فنية نادرة لكبار الفنانين السكندريين. مثل "شاطئ الأنفوشي" لسيف وانلي "1906- 1979". و"القلعة" لأدهم وانلي " 1908 - 1959. و"بنات بحري" لمحمود سعيد "19081959. وعدد من اللوحات الأخري لبيكار "1913- 2002" وغيره من رموز الحركة الفنية في مصر. بالاضافة الي تراث نادر من الكتب القيمة في جميع فروع العلوم الانسانية. في محكمة الحقانية وفي الاسكندرية ايضا كاد الحريق الذي اندلع بغرفة حفظ القضايا بمحكمة الحقانية ان يقضي علي المتحف الأثري الموجود بالمحكمة والذي يحوي العديد من المقتنيات الأثرية النادرة كالوثائق القضائية المهمة وسجلات أبرز القضايا الشهيرة التي نظرتها محكمة الحقانية مثل حادثة دنشواي وريا وسكينة بالإضافة إلي 1200 فرمان ترجع إلي عصر محمد علي و100 ختم من المحاكم المختلطة ولوائحها التي توضح قانون السلطة القضائية. ولا تقتصر محتويات المتحف علي هذه الكنوز التاريخية فقط بل تضم ميزانا أثريا ومجموعة صور للملك فاروق ورؤساء المحاكم منذ إنشائها. وسجلات ونماذج لتوقيعات حكام المماليك. وقطع فنية نادرة تعود إلي القرن السادس عشر جمعها الملك فؤاد عام 7391. وتمثال للخديو عباس حلمي الثاني من البرونز. ولوحات زيتية نادرة بإطار من الذهب الفرنسي. لكن حريق المحكمة التهم برافانات أثرية ودواليب خشبية وألواح زجاج بلجيكي وكتب قانونية نادرة تصل إلي ما يقرب من 5000 كتاب. كارثة المجمع العلمي في استطلاع بسيط للرأي قمت به بين عينة من المواطنين بمختلف انتماءاتهم الثقافية وجدت ان 90% منهم لم يكونوا يعرفون مكان المجمع العلمي ولا انه يوجد مبني بهذا الاسم من الاساس وقد فوجئت تماما بقيمة واهمية هذا المبني بعد احتراقه. يقول اسامة الشريف كاتب وروائي ماحدث كارثة كبري وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة عن المتسبب في الحريق فان الفاعل الحقيقي هو الجهل بقيمة تاريخ مصر ولا يكفي ابدا ان المبني عليه لوحة مكتوب عليها المجمع العلمي المصري. علي مدار الينوات الطويلة لم نر برنامجا واحدا ولا تحقيقا صحفيا عن هذا المجمع وما يضمه من كنوز وآثار . وينتقد محمد طه موظف الطريقة التي نتبعها للمحافظة علي كنوز واثار غاية في الاهمية مما يجعلها عرضة للسرقة والحرق كما حدث سابقا في عدة مواقع. واضاف هل باقي المنشات التي بها مكتبات قيمة مؤمنة الان ضد الحرائق لا اتصور هذا وتاريخ مصر الطويل من الحرائق المجهولة معروف لنا جميعا. الدكتور عبد الحليم نور الدين الامين العام السابق للمجلس الاعلي للاثار واستاذ علم المصريات بجامعة القاهرة ابدي امتعاضه الشديد للطريقة التي تدار بها اثار وكنوز مصر موضحا انه لا يوجد اي منهج عملي لحفظ وصيانة هذه الكنوز. واي حريق كفيل بالقضاء علي قطعة غالية من تاريخ مصر. واضاف رغم ماتحتويه مصر من كنوز في كافة المجالات الا ان الثقافة الاثرية لدي المصريين ضعيفة جدا وهو تناقض غريب لا اجد مبررا له كما ان المسئولين لا يقومون بالدور المطلوب للتوعية بقيمة هذه الكنوز والاثار. وقال يجب أن يكون هناك خريطة واضحة لكل المواقع الاثرية في مصر ولابد من حراسة بشرية تشارك فيها بنسب محدودة القوات المسلحة وشرطة الآثار ومسئولي الأمن في المجلس الأعلي للآثار وإمدادهم بأسلحة نارية بسيطة مع امداد بعض رجال الأمن بسلاح الي لاستخدامه عند الضرورة.و تحصين المخازن القديمة بحوائط واقية وأبواب مصفحة وتدريب وتوعية بعض الحراس الذين هم بحاجة إلي ذلك.وجرد المخازن وتصوير القطع وتسجيلها بأسلوب علمي وتصنيف المناطق الأثرية حسب حجم تعرضها للسرقة. من جهته ابدي ابراهيم المعلم الرئيس السابق لاتحاد الناشرين العرب اسفه مما حدث واصفا المجمع العلمي بانه كان مكانا مهملا ولا حراسة عليه ولا توجد به أنظمة معالجة حريق متطورة. والاهم لم تكن هناك توعية بقيمته ومكانته. وقال التوعية بقيمة كنوزنا الثقافية والادبية والتراثية امر مهم جدا لان من يعلم قيمة الشئ ويدركها تمام الإدراك لا يمكن ان يقدم علي حرقه او تدميره.