في ظل أكثر من ثلاثين عاما من الفساد والرشوة والواسطة والمحسوبية تحولت الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وغيرها إلي مرتع لأصحاب الأهواء الشخصية الذين لا يملكون من أدوات الإجادة في العمل والإحسان فيه سوي المدح والثناء علي رؤسائهم بالحق حينا وبالباطل أحيانا أولئك الذين عرفوا بين أقرانهم في العمل ب"ماسحي الجوخ" الأمر الذي مكنهم وأربابهم من تقلد المناصب القيادية والمراكز الأساسية فأطلقوا لأيديهم العنان في اتخاذ القرار وتوسعوا في استخدام سلطته بما يخدم مصالحهم ويدعم مواقفهم الطامعة في تحقيق أكثر المغانم والبعد عن أصغر المغارم. فضلا عن التعسف المتعمد والإقصاء المقصود لكل من يرون فيه علامة صلاح أو شارة تقوي فجزاء الشرفاء عدهم إما النقل إلي مناطق نائية أو الحرمان من مستحقاتهم المالية! وإن مثل هذا السلوك المشين يبغضه الدين ويحذر الشرع الحكيم من الوقوع فيه وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من استعمل رجلا علي عصابه "جماعة" وفيهم من هو أرضي لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين". فالأمانة تقضي أن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها وأداء لها فإذا ملنا عنه لغيره من أجل هوي أو رشوة أو قرابة فقد ارتكبنا خيانة فادحة. وإنه ليجدر بأهل الإصلاح في هذا البلد ونحن في مرحلة الانسلاخ من سلبيات العصر البائد وتراكمات الزمن الفاسد النظر بعين الاعتبار إلي كل القرارات الجائرة وإعادة صياغتها بصورة تمنح المجتهد وتمنع الكسول وتعطي كل ذي حق حقه. وبالضرورة إعادة هيكلة النظام الإداري بأكمله بحيث لا يقدم أصحاب الثقة والحظوة علي ذوي الكفاءة والخبرة فإن أخص خصائص الإصلاح الإداري عدم اسناد منصب أيا كان حجمه وقدرة إلا لمن هو حقيق به ولا تملأ وظيفة إلا بن كان لها أهل. فإن الولايات العامة من قبيل الأمانات التي يجب أن تودي إلي أهلها والأكفاء لها وهذا ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم مع أبي ذر رضي الله عنه ولندع الحديث يجري علي لسان أبي ذر نفسه إذ يقول: "قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده علي منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها". وبعد فالإصلاح الحقيقي الذي يرنو إليه السواد الأعظم من أفراد الشعب هو الإصلاح القائ علي أصول الدين والمؤسس علي قواعد الشرع الحنيف والتي منها "القوة" و"الأمانة" و"الحفظ" و"العلم". فالله يقول في حق سيدنا موسي عليه السلام علي لسان ابنه شعيب عليه السلام "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" ويقول علي لسان سيدنا يوسف عليه السلام وهو يخاطب عزيز مصر "اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم". فإن يوسف لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب بل بحفظه وعلمه أيضا وهذا هو مقصود الكفاءة والأهلية فيمن توافرت فيه هذه الشروط وأخواتها من التقوي والورع والعفة لعدالة فلابد أن تخرج من بين يديه قرارات عادلة غير ظالمة قرارات منصفة غير مجحفة. اللهم ولي علينا خيارنا.. ولا تولي علينا شرارنا.