بايدن يؤكد للرئيس السيسى تقديره لجهود مصر للتوصل لوقف إطلاق النار فى غزة    الأهلى يهزم الزمالك 27 - 21 ويحسم لقب محترفى اليد    عيار 21 بالمصنعية بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 24 مايو 2024 للبيع والشراء    مصر تُرحِب بقرار "العدل الدولية" فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل    الصين تحذر: رئيسة تايوان تدفع باتجاه الحرب    تزامنا مع كلمة ل نصر الله.. حزب الله يستهدف موقعا إسرائيليا بصاروخين ثقيلين    "بولتيكو": إجراءات روسيا ضد إستونيا تدق جرس الإنذار في دول البلطيق    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    الأهلي يبدأ مرانه الختامي لمواجهة الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا غدا    «تجاوز وعدم أدب».. بيان ناري لرابطة النقاد الرياضيين ردًا على تصريحات محمد الشناوي ضد الصحافة المصرية    الدبلومات الفنية 2024.. "تعليم القاهرة": تجهيز أعمال الكنترول وتعقيم اللجان    المخرج أشرف فايق: توقعت فوز الفيلم المصري "رفعت عيني للسما" بذهبية مهرجان كان    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات وآراء
نشر في عقيدتي يوم 22 - 11 - 2011

منهج الحوار والبيان في سيرة خير الأنام " صلي الله عليه وسلم "
بقلم الدكتور :
محمد المختار المهدي
الرئيس العام للجمعية الشرعية وعضو مجمع البحوث الإسلامية
الأمة اليوم في أمس الحاجة إلي التأسي بقائدها الأمين. وأسوتها الحكيم حتي تستوحي من سيرته العطرة ما يكشف غمتها ويقوي عزيمتها للنهوض بدعوتها وتبوؤ مكانتها التي رفعها الله إليها حين خاطبها بقوله: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةي أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" "آل عمران:110" وقد كثر في هذه الأيام حديث الشرق والغرب عن قضية الحوار بين الحضارات. في مقابل الدعوة الخبيثة التي أطلقها بعض أبالسة الغرب بضرورة القضاء علي الإسلام.. وبعد أن ظهرت الإساءات المتكررة لرسول الإسلام صلي الله عليه وسلم.. وبعد أن أعلن كبيرهم أن ¢تنصير العالم قضية حياة أو موت¢. وبعد أن أعلنوها حربا صليبية جديدة. وبعد أن نشروا فيلم ¢الفتنة¢ عن القرآن الفاشي.. وقف الدعاة إلي الله حائرين: هل يصلح الحوار مع هؤلاء وهم الأقوياء ونحن الضعفاء؟ وهل نعامل العامة منهم معاملة القيادات التي بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر؟ هل وصل الإسلام واضحا بينا إلي العامة الذين يصدق عليهم وصف القرآن بأنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون؟ وهل قام المسلمون بواجب البيان لهؤلاء وهم جزء من أمة الدعوة العالمية لمحمد عليه الصلاة والسلام؟
إن القرآن الكريم يمنع الأمة إذا كانت ضعيفة أن تطلب من أعدائها السلام حتي لا يفرضوا عليها الاستسلام. وذلك قوله تعالي: "لا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَي السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" "محمد:35" - وأذكر هنا أيضاً- أننا- كمسلمين- يجب أن ننطلق من الثوابت التالية:
1- الإسلام دين الفطرة وكل مولود يولد علي الفطرة. ولكن البيئة الاجتماعية ممثلة في الأبوين والأسرة والمدرسة والثقافة السائدة في المجتمع تضع عليها غواشي وحجبا تحتاج إلي من يزيلها بلطف وحكمة لتلتقي هذه الفطرة بشريعة الفطرة.. لهذا كانت مهمة سيد الدعاة أن يزيح هذه الغشاوة.. ولأنها كثيفة تستمد كثافتها من التقاليد والعصبيات والعادات المتحكمة» كان لابد لذلك من جهد فريد وصبر شديد وطاقة روحية لا تستسلم ولا تلين. ولأن سيدنا محمدا قد أعد منذ صغره لتلك المهمة» حُبِّب إليه التحنث في غار حراء إلي أن أذن الله للأرض أن تستنير بالوحي الخالد. أنزل عليه في هذا الغار أول قبسات هذا النور وتبعه الأمر بالتزود من الطاقة الروحية بقيام الليل "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً" "المزمل1.:5".
2- كانت وسيلة المصطفي صلي الله عليه وسلم لجلاء هذه الفطرة وتثبيت عناصر الإيمان التي هي وسيلة التغيير الحقيقي.. هي البيان. وساعده علي ذلك أنه قد أوتي جوامع الكلم وفصاحة اللسان وجرأة الجنان وخشية الرحمن.. ومن هنا سُمّي في القران "بالبينة" تارة في قوله تعالي: "لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّي تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ رَسُولى مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبى قَيِّمَةى وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ" "البينة 1:4" وتارة بالذكرفي قوله: "فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتي لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ" "الطلاق:1:11".
وقد حدد القرآن الكريم في تكليفه لنبيه صلي الله عليه وسلم أن يكون البلاغ مبينا. بكل ما تقتضيه الإبانة من وسائل فقال: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَي رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" "المائدة:92" بل إنه وصف الذين شاقوا رسول الله وصدوا عن سبيله - فاستحقوا العقاب الشديد- بأنهم فعلوا ذلك بعد ما تبين لهم الهدي علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَي لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ" "محمد:32".
إنهم أولئك الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا.. وقد أكد القرآن هذا الشرط في المرتدين مما يعتبر دليلا علي ضرورة استتابة المرتد حين قال: "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَي أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَي الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَي لَهُمْ" "محمد:25" وقد كان هذا البيان مقصودا أساسيا لكل الرسل فقد قال الله عز وجل: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولي إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" "إبراهيم:4".
3- كان رسولنا صلي الله عليه وسلم قمة في التزام الأخلاق والقيم التي يدعو إليها فهو الصادق الأمين الذي لم يجرِّبوا عليه كذبا قط. وهو الذي استنطقهم بذلك حين جمعهم أول مرة ليبلغهم أنه رسول الله إليهم وأنه نذير لهم بين يدي عذاب شديد فلم يستطيعوا أن يأخذوا عليه مطعنا في أي جانب من جوانب حياته. فكل جوانبه كانت كمالات لم تتح لأحد سواه. وبذلك كانت أحواله وأخلاقه بيانا عمليا يعضد ما يقول.
4- أشعرهم بالمسئولية تجاه هذا الكتاب الذي نزل مباركا وهدي للعالمين بلسان عربي مبين. حتي لا يحتجوا بأن الكتاب الذي نزل علي اليهود والنصاري ليس بعربي ولذلك لم يفهموه ولو نزل بلسانهم لكانوا أفضل منهم فقال لهم رب العزة: "وَهَذَا كِتَابى أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكى فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَي طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَي مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةى مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًي وَرَحْمَةى" "الأنعام:155:157".
5- تميز المصطفي صلي الله عليه وسلم بالحرص الشديد علي هداية قومه. لدرجة جعلت القرآن كثيرا ما يخاطبه بأن يهوّن علي نفسه حتي لا يهلكها فيقول له: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعى نَفْسَكَ عَلَي آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" "الكهف:6".
6- استخدم رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيلة التودد إلي المدعوين» فنراه يقول لقريش: ¢لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم¢» ¢جئتكم بكلمة تدين لكم بها العرب والعجم: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله¢.. أما اليهود والنصاري فيناديهم "ياأهل الكتاب" حثاً لهم علي إظهار ما في كتابهم من البشارة بالنبي صلي الله عليه وسلم وبما فيه من دعوة إلي الصدق مع الله وبما فيه من هدي ونور ويدعوهم إلي أن يقيموا التوراة والإنجيل .. "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَي شَيْءي حَتَّي تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ" "المائدة:68" ويذكرهم بأنهم لو فعلوا ذلك لسعدوا في الدنيا والآخرة "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ"{ "المائدة:66"
كما يذكرهم بأنهم من أبناء نوح الذي نجاه الله في السفينة ومن معه وما كان معه إلا المؤمنون الشاكرون وكان هو خير الشاكرين فلماذا لم تسيروا علي نهج هذا الرسول الشاكر قال تعالي: "ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحي إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً" "الإسراء:3".
وتارة أخري يذكرهم بجدهم إبراهيم وأبيهم إسرائيل "يعقوب" وهما يوصيان نسلهما بأن يكونوا من المسلمين كما أخبر عن ذلك رب العزة: "وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" "البقرة:133".
وكما أخبر عن يعقوب حين حضرته الوفاة يوصيهم بالإسلام كما قال سبحانه: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" "البقرة:133".
7- التزم النبي صلي الله عليه وسلم في حواره مع المشركين وأهل الكتاب باستخدام الأدلة والبراهين العقلية التي لا خلاف حولها.
فمع عبّاد الأصنام يركز علي عجزها عن النفع والضر وعلي أنهم هم الذين صنعوها وسموها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان. وأنهم أفضل منهم فلديهم عقل وسمع وبصر وأيد وأرجل وهم لا يعقلون ولا يسمعون ولا يبطشون: "أَلَهُمْ أَرْجُلى يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدي يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنى يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانى يَسْمَعُونَ بِهَا" "الأعراف: 195"
ومع أهل الكتاب الذين يؤمنون بالتثليث فيقول: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةى إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا" "الأنبياء:122".
8- كان حوار المصطفي صلي الله عليه وسلم مع مخالفيه حين يدعوهم إلي الحق حوارا يطرح القضية مجردة ومعرُضة للأخذ والرد فيقول: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَي هُدًي أَوْ فِي ضَلالي مُبِيني" "سبأ:24" علي الرغم من أنه واثق أنه علي الحق ولكنه يحثهم علي البحث العقلي المتوازن لتستبين الحقيقة التي يوصل إليها الحوار. ثم إنه يعترف بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وأن منهم أمة مقتصدة. وأنهم "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةى قَائِمَةى يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْري فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمى بِالْمُتَّقِينَ" "آل عمران:113:115".
9- وحين أصر نصاري نجران علي موقفهم بعد الحوار والبيان تحداهم بالمباهلة وهم يعلمون أنه ما وقف أحد أمام نبي يباهله إلا هلك قال لهم: "تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ" "آل عمران:61" وكان ذلك بعد الحوار الذي ورد تفصيله في سورة آل عمران فامتنعوا عن المباهلة وقدموا بهذا دليلا علي أنهم يعلمون أنه نبي يخافون من الهلاك لو باهلوه.
10- لم يلجأ النبي صلي الله عليه وسلم إلي الحرب إلا دفاعا عن الإسلام وردا للعدوان بل إنه كان يتخذ أسلوب الوقاية من الحرب بعرقلة مسارها» كما حدث في غزوة بدر الكبري حين علم أن قريشا قد نذرت هذه العير التي كان يقودها أبو سفيان للقضاء علي محمد صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام. فخرج يطلب هذه العير منعا من تمويل تلك الحرب العدوانية وعوضا عما فاته وأصحابه من أموال في مكة.. وكذلك حين انتزع الراية من سعد بن عبادة يوم الفتح بعد أن بلغه أنه قال: اليوم يوم الملحمة اليوم أذل الله قريشا ¢فرد النبي صلي الله عليه وسلم قال: اليوم يوم المرحمة. اليوم أعز الله قريشا.
صلوات الله عليك سيدي رسول الله يا من جعلك الله رحمة للعالمين.
مواجهة الشدائد
بقلم الدكتور:محمد الشحات الجندي
الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية
من سمات النفس الواثقة المطمئنة. المستجمعة لصفات العظمة. قدرتها علي مواجهة الشدائد. والتحلي برباطة الجأش وقوة التحمل. والصبر عند المصيبة. وصلابة العزيمة.
وقد أوتي الرسول من هذه الخصال ما اكتملت به شخصيته. وتجلت لديه شجاعة المؤمن. وقوة النفس. ورجاجة العقل. والقدرة علي حسن التصرف في أحلك الظروف. وكان مظهر قوته علي المواجهة أنه كان يفر إلي الله. ويئوب إلي ملاذه. ويرجو رحمة ربه. حيث لا ملجأ منه إلا إليه.
إذ يروي أنه لما نالت قريش منه من الأذي. وأنزلت به من المحن. وقاطعوه وحاصروه. وضاعف أهل الطائف الاساءة إليه. حتي أنهكه التعب والجراح. آوي إلي ظل شجرة. رفع رأسه يدعو بهذا الدعاء: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي. وقلة حيلتي. وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين. وأنت ربي. إلي من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري. إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي. ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك".
وكان يتبع طلب العون والتأييد الإلهي بالعمل الجاد الواعي الذي يكفل تجاوز المحنة والشدة وبلوغ الهدف فلم يركن إلي الاستسلام أو اليأس. ولم يتكاسل أو يتخاذل في أي موقف أو مصيبة أصابته. وإنما ملأ فؤاده علي الدوام بيقين العمل للتغلب علي الصعاب.
يتجلي ذلك في أنه لما وقع له ما وقع في الطائف. عزم علي العودة إلي مكة الكارهة له ولدينه. فقال له زيد بن حارثة متعجباً: كيف تعود يا رسول الله إلي مكة وهم أخرجوك؟ فأجابه في ثقة واطمئنان قائلاً: "يا زيد إن الله جاعل لما تري فرجاً ومخرجاً. وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه".
ولم يكن قوله خلوا عن العمل من أجل الغاية النبيلة التي كلف بها من ربه. وإنما كان يقرن القول بالعزيمة التي لا تلين. ويأخذ بالأسباب والتهيؤ لمواجهة كل الاحتمالات. والتأهب لكل النوازل وتعبيد الطريق لنشر دعوته. ونصرة رسالته. والتمكين للدين وأصحابه من كل طريق تيسر له. أو استدل عليه لا ينفك عن التدبير والتخطيط. لنصرة الإسلام والمسلمين.
لاقي الرسول من المعاناة والعذاب الكثير في سبيل الدعوة وإبلاغ الدين. فلم يضعف أو يتراجع. بل زاده ذلك إصراراً وعزيمة علي الانتصار للحق والعدل. من ذلك ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال: بينما النبي صلي الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً. فأقبل أبوبكر حتي أخذ بمنكبه. ودفعه عن النبي. وقال: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله".
وكان مسلكه إزاء ذلك الصبر علي الأذي. وتهوين ما يلقي من الصعاب والأذي. يضرب المثل لأصحابه. ولا يفتأ من شد أزرهم وتقوية إرادتهم. يروي البخاري عن خباب بن الأرت أنه قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة. وقد لقينا من المشركين شدة. فقلت يا رسول الله: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر الوجه. فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه عن ذلك عن دينه. وليتمن الله هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء إلي حضرموت لا يخاف إلا الله".
إنه لا ينطق بذلك إلا رسول ملأ الايمان قلبه وعقله وجوارحه. وملك عليه كل كيانه. فصار بلا حدود يجعل الأمل حقيقة تتجسد علي أرض الواقع. في دنيا الناس.
تحرير المفاهيم ضرورة للإصلاح
بقلم الدكتور: سيد نافع
باحث في الاعجاز العلمي
دولة مدنية دولة علمانية دولة ليبرالية دولة دينية مصطلحات تشابكت واختلطت علي الناس وهذا من تبعات مرحلة التردي الفكري والتخبط الإعلامي في المرحلة الماضية. الآن نريد تحرير المفاهيم من هذا الخلط لنعرف أي طريق سنسلك وأي هوية نريد. لو سألت دعاة العلمانية لا تجد مفهوماً واضحاً ومحدداً لكن كل المفاهيم تصب في عزل الدين عن السياسة لأن كما يقولون السياسة قذارة والدين طهارة فكيف يجتمع الاثنان وهذا قول حق يراد به باطل فلماذا لا يكون السياسي أمين وطاهر وصادق وعفيف ويغلب الصالح العام علي الخاص؟. فماذا كانت العلمانية تدعو إلي فصل الدين عن الدولة وقصر الدين علي العبادات. فكيف تكون المعاملات؟. كيف وإبراهيم الخليل يقول "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
أما مفهوم العلمانية وهو الأخذ بالعلم لتحقيق التقدم والرفاهية وأن تكون الدولة قائمة علي أسس علمية فنحن معه وهذا ما ينص عليه الدين فرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه". واتقان العمل هو بالعلم. فالدين يحض علي العلم والأخذ بكافة الطرق والمنهج التجريبية ويدعو إلي التأمل في الكون والنفس لاستخلاص العبر والقوانين التي تقوم علي الحرية والدين الإسلامي هو من حرر الناس من عبادة الدنيا إلي عبادة رب الكون. لكن وضع فواصل بين الحرية والفوضي وجعل الحرية في إطار الأخلاق. فلا يجب أن تضر بحريتك الآخرين "فلا ضرر ولا ضرار".
فالدين ليس ضد العلم ولا ضد الحرية لكن ينحي عن الحياة ويقصر علي علاقة العبادات الدولة الدينية هي التي يسود فيها الأخلاق ويزيد الحب والتعاون والألفة بين أفرادها وتحض علي التكافل والمساواة والعدالة وتحفظ الحقوق.
أن الدولة الدينية الإسلامية ليست نقيضا ولا عكس الدولة العلمانية والتي تأخذ بالعلم طريقاً للتقدم والرقي فالغرب الآن في أمس الحاجة لاستقرار الاخلاق في مجتمعاتهم ولا طريق لهم إلا باتباع الدين الحق.
وعكس الدولة المدنية والدولة العلمانية التي تأخذ بطريق العلم هي الدولة البدائية المتخلفة ولا يجوز أن يكون النقيض هو الدولة الدينية وخاصة الإسلامية فهناك دول دينية كإسرائيل ولا يعترض أحد علي كونها دولة يهودية.
أما مفهوم الدولة الدينية والتي تطبق العقوبة الإلهية المنصوص عليها في الدستور السماوي فهذه العقوبات نصت عليها التوراة أيضاً وهي الطريق الوحيد لاصلاح مجتمعي حقيقي ينعم بالأمن والأمان والاستقرار لأنها تقضي علي الجريمة قبل وقوعها بالعقوبة الرادعة "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" أي العقول المستنيرة. أما الخوف من تطبيق العقوبة بسبب التلفيق فلهذا حل وهو عقوبة الملفق وليس ايقاف الحد والعقوبة تكون بالمثل.
يثرب مكان أرحب للدعوة
بقلم : عبدالحليم محمد
لابد لليل ان ينجلي. ولابد للقيد ان ينكسر: وما كان لمحمد صلي الله عليه وسلم بعد أن أقام بمكة يدعو ربه قرابة ثلاثة عشر عاماً. يشاركه ضعفاء المسلمين. وبسطاؤهم في مساندة الدعوة ما استطاعوا رغم ما يعانونه من تعذيب وإيلام. بلغ حد الاستشهاد في سبيل الله. وعلي الجانب الآخر. فالمشركون من كفار قريش يزدادون عنتا وغلظة وعدوانا علي قوم ليس لهم من ذنب إلا أنهم يقولون ربنا الله. مما يغيظ الذين يعبون الاصنام وما يضر الإنسان ولا ينفعه!!
لم يكتف المشركون بإيذاء أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم. والتنكيل بهم. خاصة بعد ان طرق مسامعهم مبايعة الأنصار من يثرب له علي الذود عنه حتي الموت. فاجتمع رؤساؤهم. وقادتهم في برلمان الكفر "دار الندوة" وهي دار قصي بن كلاب التي يكانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها. وأهم الأمور ما يصنعون بمحمد صلي الله عليه وسلم حين خافوا. ان ينتشر أمره أكثر وأكثر بعد ان وجدت الدعوة طريقها معبدا إلي يثرب مما ألح علي الكفار ان يسرعوا إلي عقد مؤامرة الندوة التي يحسمون فيها الأمر الذي لما أرّقهم. وأقض مضاجعهم!!
جهز الكفار جدول أعمال المؤتمر الذي ينصب علي التعرف في أمر محمد صلي الله عليه وسلم. وكان أول أعماله خاصة بإقامته بينهم. فقال قائلهم: نخرجه من أرضنا كي نستريح منه فرفض حكماؤهم هذا الرأي معللين ذلك بأنهم إذا أخرجوا محمداً من مكة اجتمعت حوله الجموع لما يرونه من عذوبة منطقه. وحلاوة ألفاظه.. وهنا بطل هذا الرأي وصوت عليه أعضاء البرلمان بالرفض. مما دعاهم إلي التفكير في ثاني جدول أعمال المؤامرة!!
برز متآمر آخر قائلاً: نوثقه ونحبسه حتي يدركه ما أدرك الشعراء قبله من الموت. إلا أن هذا الرأي لم يلبث أن رفض كسابقه معللين ذلك قائلين: إن الخبر لن يدوم سراً حتي يبلغ أنصاره. ونحن أدري الناس بمن دخل في دينه. حيث يفضلونه علي الآباء والأبناء. فإذا سمعوا ذلك جاءوا لتخليصه. وربما جر هذا من الحرب علينا ما نحن في غني عنه.. واستمر الجدل حتي كان آخر جدول الأعمال الذي أقره رءوس الكفر حين قال طاغيتهم: نقتله بيد جميع القبائل بأن نأخذ من كل منها شاباً جلدا قوياً يجتمعون أمام داره. فإذا خرج ضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل. فلا يقدر بنو عبد مناف علي حرب قريش كلها فيرضون بالدية!!
هكذا مكر الكفار بمحمد صلي الله عليه وسلم يقول تعالي في سورة الأنفال "ويمكرون. ويمكر الله. والله خير الماكرين" وأعلم الله نبيه بما دبره الأعداء في سرهم وأمره باللحاق بدار هجرته حيث ينشر الاسلام ويكون فيها لرسول الله العزة والمنعة وهذا من الحكمة بمكان عظيم. فلو انتشر الإسلام بمكة لقال المبغضون ان قريشاً أرادت ملك العرب. فعمدوا بالنبوة إلي محمد. ولكنهم كانوا أعداء وآذوه أشد الأذي حتي اختار الله له مفارقتهم والبعد عنهم!!
أعلم الله نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم بما بيتت قريش لقتله مخافة الهجرة. فكان لابد من انجازها بسرعة حتي تكون فتحاً مبيناً علي ان ما أحاط به نفسه من كتمان لم يجعل لأحد إلي سره سبيلا حتي أبوبكر الذي أعد راحلتين منذ أستأذن النبي في الهجرة فاستمهله. وانه لينتظر أمر ربه. إذ أوحي إليه ان يهاجر. وهنا أسرع إلي بيت أبي بكر وأخبره بإذن الله في الهجرة وطلب إليه صحبته. ففرح بذلك كثيراً وأجابه إلي طلبه.. وهنا تبدأ قصة رجل من أجل ما عرف تاريخ المغامرة في سبيل الحق والعقيدة والايمان قوة وروعة!!
بدأ كل من سيشارك في مغامرة الهجرة إلي يثرب دوره في اتقان وحكمة فأبوبكر أعد الراحلتين ودفعهما إلي عبدالله بن أريقط يرعاهما لميعادها الذي حل. ولما اعتزم محمد وصحبه مغادرة مكة. وهما يعرفان ان قريشاً ستتبعهما لا محالة فسلكا طرقاً غير مألوفة وسفراً غير مألوف أيضاً.. أما قريش فقد جهزت شبانها لقتل محمد في داره مخافة ان يفر.. وأسر محمد صلي الله عليه وسلم إلي علي بن أبي طالب ان ينام في فراشه للتمويه وان يرد الودائع لأصحابها في مكة.. وجاء وقت تنفيذ المؤامرة وشبان قريش ينظرون من فرجة إلي مكان نوم النبي صلي الله عليه وسلم فيروا عليا فتطمئن نفوسهم.. وفي ثلث الليل الأخير خرج محمد في غفلة منهم إلي دار أبي بكر. وخرجا من خوخة في ظهرها. وانطلقا جنوباً إلي غار ثور باتجاه اليمن مما لا يخطر علي بال قريش. ولا يعلم بمكانهما إلا عبدالله بن أبي بكر وأختاه عائشة وأسماء ومولاهم عامر بن فهرة الذين كانوا يهيئون سبل العيش في الهجرة والله وراء القصد. وهو المستعان.. وإلي لقاء مع الهجرة
الأهداف التنموية .. والعمل التطوعي
بقلم: شيماء عبدالعظيم
المركز الإعلامي بالشرقية
اختلف علماء الاجتماع في تحديد مفهوم الأهداف التنموية إلي مذاهب وآراء بسبب طبيعة الإطار العام لهذا المفهوم. وإن كان الجميع يلتقي عند حتمية الإعداد البشري والمادي والتشريعي والأخلاقي للمجتمع. بحيث يتحقق له شكل من أشكال التقدم بأسلوب علمي صحيح.
ومن خلال النظر في هذا المفهوم نجد أن الإنسان هو العنصر الأساسي في تحقيق الأهداف التنموية. وأن أي تقدم تنموي يحتاج إلي العمل التطوعي المتبادل بين أفراد المجتمع دون انتظار لمقابل. فهو العمل الذي يقف عند تبادل المنافع أو تحقيق المصالح. ولكنه التطوع الصادق الذي يسعي لتحقيق معاني الأخوة الانسانية مع تحقيق العون الانمائي الشامل.
يحكي الرحالة ابن بطوطة عن حادثة يُظهر فيها مدي أهمية العمل التطوعي في تحقيق الأهداف. رغم بساطة هذا العمل. فيقول: مررت يوماً ببعض أزقة دمشق فرأيت مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني وهم يسمونه الصحن. فتكسرت واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم أجمع شقفها وأحملها معك لصاحب الأواني. فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ما اشتري به مثل ذلك الصحن.
ويعلق ابن بطوطة علي تلك الحادثة بقوله: وهذا من أحسن الأعمال. فإن سيد الغلام لابد له ان يضربه علي كسر الصحن أو ينهره. وهو أيضاً ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك. جزي الله من تسامت به همته في الخير إلي مثل ذلك".
ولقد حرص الإسلام علي إعطاء أهمية خاصة للعمل التطوعي سعياً منه إلي تحقيق الأهداف التنموية المختلفة. حيث أعطاه أولوية متقدمة ضمن نصوصه التشريعية. ومن ذلك علي سبيل المثال:
* دعم التنمية الاقتصادية: حيث أولت الشريعة الإسلامية لهذا النوع اهتماماً دقيقاً. حيث جعلته جوهراً للتنمية. ونجد ذلك واضحاً في قوله: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك" "سورة القصص/77".
وفي قوله: "وأحسن كما أحسن الله إليك" يقول ابن العربي: فيه أقوال كثيرة. جماعها استعمل نعم الله في طاعته. وقال مالك: معناها تعيش وتأكل وتشرب غير مضيق عليك في رأي. قال القاضي: أري مالكاً أراد الرد علي من يري من المغالين في العبادة التقشف والتقصف والبأساء. فإن النبي "صلي الله عليه وسلم" كان يأكل الحلوي. ويشرب العسل. ويستعمل الشواء. ويشرب الماء البارد. ولهذا قال الحسن: أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه. ويقدم ما سوي ذلك لآخرته. وأبدع ما فيه عندي قول قتادة: ولا تنس الحلال. فهو نصيبك من الدنيا. وياما أحسن هذا؟".
ويقول الله تعالي: "فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري. وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري" "سورة الليل/ الآيات 5-10".
فحقيقة العطاء هي المناولة. وهي في اللغة والاستعمال عبارة عن كل نفع أو ضر يصل من الغير إلي الغير. ولكن من اتقي في عطائه يسر الله له أمره.
ولقد فقه المسلمون الأوائل هذه المعاني والتزموا بها. وأن موقف عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" من وقفه الذي حبسه علي منفعة المسلمين لأوضح شاهد علي تأصيل معني العمل التطوعي في التنمية الاقتصادية.
أخرج البخاري في صحيحه أن عمر "رضي الله عنه" تصدق بمال له علي عهد رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وكان يقال له ثمغ. وكان نخلاً - فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به. فقال النبي "صلي الله عليه وسلم": تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره. فتصدق به عمر. فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القري. ولا جناح علي من وليه ان يأكل منه بالمعروف. أو يوكل صديقه غير متمول به وهذا أول وقف في التشريع الإسلامي. وهو من خصائص الشريعة الإسلامية. ولم تكن الجاهلية تعرفه. وقد كان له أثر كبير فيما بعد في دعم التنمية الاقتصادية علي مر العصور الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.