فوضي المدارس إلي أين؟ سؤال يبحث عن إجابة في ظظل تفشي ظواهر الإيذاء البدني والانتهاكات المستمرة للصرح التعليمي وهو ما يدعو للتوقف لرصد الأسباب التي أدت إلي هذا الانهيار وسرعة إيجاد حلول حاسمة حتي لا نسمع قريباً عن سقوط قتلي بين جدران المدارس. بداية فقد كشف تقرير المركز المصري لحقوق الإنسان عن وقوع حالات عنف من أولياء الأمور ضد المدرسين وزملاء الأبناء والتي بلغت 29 حالة اقتحام وتعد من أولياء الأمور ضد مدرسين أو مديرين أو نظار المدارس وضد زملاء أبنائهم. وبواقع 23 حالة ضد المدرسين 6 حالات ضد طلبة تراوحت أشكال العنف ما بين اقتحام المدرسة والتعدي بالضرب أو الاستعانة بالبلطجية والسنج والمطاوي والضرب بالحذاء أو الشبشب والضرب بالشوم والعصا والسب والقذف. واحتلت محافظة القليوبية المركز الأول بعدد 6 حالات ثم القاهرة 5 حالات و4 حالات في الإسماعيلية والفيوم. و3 في الشرقية. 2 في الجيزة والغربية وحالة في كل من حلوان والبحيرة وأسيوط. ومن واقع محاضر الشرطة لاتزال حالات العنف والضرب والاعتداء المتبادل بين أولياء الأمور والمدرسين قائمة بل وتزداد.. ومنها اعتداء طالب بالإعدادي علي مدرسة لأنه رفض ذهابه إلي دورة المياه أثناء الحصة وأيد الأب موقف نجله فاعتدي علي الناظر وفي منيا القمح اعتدت والدة تلميذ بالابتدائي بالكلمات والركل علي مدرس لرفضه دخولها إلي المدرسة للانتقام من طفل ضرب ابنها وأصيب المدرس بكدمات وسحجات. وفي المحلة الكبري اقتحم عدد من البلطجية مدرسة هدي شعراوي وهددوا المدرسين بالسنج والسيوف وانهالوا بالضرب علي أحد المدرسين لحساب ولي أمر تلميذ بعد أن سحبوه من الفصل إلي الفناء وسط صرخات التلاميذ الذين أصيبوا بالذعر وأصيب المدرس بإصابات بالغة. وشهدت مدرسة منشية البكري الابتدائية بالمحلة الكبري اعتداء ولي أمر تلميذ ب "البوكس" علي مديرة المدرسة فأصابها بكدمة بالفك ونزع خمارها علي حد قولها. وآخر هذه الحوادث وقبل العيد مباشرة شهدت مدرسة ملحقة المعلمات الابتدائية بدمنهور مشاجرة بالأيدي بين ولي أمر وزوجته ومدرس داخل الفصل الدراسي مما أحدث فزعاً للتلاميذ أصيب اثنان منهم بجروح والسبب معاتبة المدرس لولي الأمر لقيام نجله بإثارة الشغب داخل الفصل. الثواب والعقاب يرجع دكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة انتشار هذا السلوك المعيب في المجتمع إلي عدم وجود منظومة سليمة في الثواب والعقاب. كما أن التسيب أدي إلي انتشار الفوضي والبلطجة خاصة في ظل هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها مصر. إضافة إلي تفريغ المدارس بفعل فاعل من دورها التعليمي والتربوي فظهر هناك الكثير من المدرسين مستغلين الظروف وتحت وطأة تدني المستوي المادي لهم ونشروا الدروس الخصوصية بلا هوادة وهو ما أثقل كاهل أولياء الأمور نتيجة الأعباء المالية الضخمة وضيق الموارد المادية. وأدي إلي شحن الأجواء ضد المدرسين. ويري أن الحل يكمن في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب وعودة المدرسة إلي قيمها العلمية والتربوية ولكي يتحقق هذا لابد من إعطاء المدرس حقه فالدول المتقدمة بدأت بالمنظومة التعليمية بداية من أمريكا إلي ماليزيا فمثلاً عندما تشعر أمريكا أن مستواها التعليمي أصبح أقل من اليابان تقول أن الأمة في خطر أي أن أمريكا بهذا تفقد تفوقها. لهذا إذا أرادت أمه أن تتقدم فعليها بالاهتمام بالمنظومة التعليمية. الهيبة والاحترام من جانبها تشير دكتورة سوسن الغزالي أستاذ الطب السلوكي ورئيس قسم طب المجتمع والبيئة سابقاً بكلية طب عين شمس إلي تدني قيم الاحترام في المجتمع والتدين أصبح كلياً وغياب التوجيه الديني الصحيح. وفقد المعلم هيبته واحترامه أمام تلاميذه. وتركيز وسائل الإعلام علي كل ما هو "سفيه تافه" غياب احترام الاختلاف المتمثل في مقولة "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" غياب الدور الحقيقي لمجالس الآباء كما أن كثيرا من أفراد الشعب لا يتحلي بالتوازن الانفعالي وهذه القضية نموذج لغياب هذا التوازن إحساس الأسرة المصرية بعدم السعادة وشعور الغالبية بالقهر تحت وطأة البطالة وتدني العائد المادي وارتفاع الأسعار في كافة مناحي الحياة جعل الكثيرين خاصة في المناطق العشوائية ينتهجون سلوك الفوضي وإحداث بلبلة في المجتمع وسيادة مبدأ "خذ حقك بدراعك". وتري د.سوسن أنه بالرجوع إلي نظرية التعليم الاجتماعي التي تؤكد تقليد البناء للآباء فقد تجني الأم المعتدية علي ابنها لأنه يقلدها ويشب علي العنف وأخذ حقه بيده وعدم الرجوع لسلطة المختصة ويمكن أن يتحول إلي بلطجي ومدمن ينشر أذاه بين الناس فقدان هذا الجيل للقيم التي تربينا عليها لكي نصل لهدفنا وهي "الصمت والصبر". من ناحية أخري فإن هذا الطالب يعاني مشاعر متناقضة تتمثل في الانتقام من المدرس واهتزاز صورة أمه أمامه لأنها تسببت في الإساءة إليه بتصرفاتها فيصاب الابن باضطرابات نفسية لشعوره أنه ملفوظ من زملائه. تؤكد الغزالي علي ضرورة احترام لغة الحوار والعودة للانضباط والقدوة الحسنة وإجراء دراسات موسعة من جانب الخبراء للوقوف علي أسباب المشكلة وإيجاد حلول جذرية لها وتطبق مبدأ الثواب والعقاب ولابد وأن يكون هناك هيبة مقترنة باحترام لكل من هو كبير.. ورحمة بكل من هو صغير. وتأهيل المدرسين علي طرق مجاورة الشباب والمراهقين من خلال دورات تدريبية مكثفة. وأن يكون التدين نابعاً من القلب وأن نطبق المباديء الإسلامية في المعاملات تنظيم دورات تهتم بإدارة الصراع وإدارة الغضب والتأسي برسول الله الذي علمنا الصبر والحكمة والاهتمام بالرياضة التي هي جزء هام من ترويض النفس. والاهتمام بالإعلام لأنه يؤثر بشكل كبير علي قاعدة عريضة من الشعب. يري دكتور محمد أنور محروس أستاذ علم الاجتماع بآداب حلوان أن الأحداث الجارية هي نتيجة طبيعية لقرارات خاطئة من الوزير المسئول الذي أصدر علناً في كافة وسائل الإعلام قراراً بمنع تعرض المدرس للتحقيق بأي شكل من الأشكال وإلا تعرض للتحقيق وهو ما شجع بعض أولياء الأمور في المناطق الشعبية العشوائية علي اتباع أسلوب البلطجة في التعامل مع المعلمين. يضيف أن القرارات التحذيرية جاءت لمعلمين دون أي رادع لأولياء الأمور لذلك تزايدت الفوضي واختط الحابل بالنابل في ظل عدم انتظام السلطة الحكومية. وهو ما يعود بالضرر علي الأبناء قبل أي شخص لأنه يؤدي إلي هدم الشخصية وتدعيم القيم السلبية ومنها عدم تقبل ثقافة التعليم أو الاحترام المتبادل أو قبول الاخر وتفرخ أنواعاً جديدة من البلطجة وما يصاحبها من عنف وسرقة وإدمان وهدم لكل القوانين خاصة في المجال التربوي. ويليها هدم المجتمع بالكامل في حين أن إعادة بناء الصرح التعليمي تستغرق فترة طويلة. ويطالب د.محروس بضروري إيجاد قوانين رادعة تجاه ولي الأمر الذي يستخدم أسلوب التعدي. وإعطاء القائمين علي العملية التعليمية الصلاحيات الكافية لتقويم التعليم بما يرونه صالحاً وضروري تفعيل دور المؤسسات الدينية في توعية أولياء الأمور بتجنب السلكيات الضارة بالأبناء والمجتمع. أخطر ظاهرة يقول دكتور جمال الدين حسين أستاذ العقيدة والتربية الإسلامية بجامعة الأزهر أن هذه الظاهرة تعد من أخطر الظواهر التي تهدد الكيان الاجتماعي بالانهيار ذلك لأن المعلم ينبغي أن ينال قدراً كبيراً من التقدير والاحترام ومما يؤكد ذلك حديث الرسول "إنما بعثت معلماً" وقوله "العلماء ورثة الأنبياء". كما أن القرآن الكريم يؤكد ذلك في قوله تعالي: "إنما يخشي الله من عباده العلماء" من هنا وجب علي الأبناء في شتي مراحل التعليم أن يقدروا دور المعلمين وأن يحترموا وأن يعلموا أن المعلم هو مُعد الأجيال فعلي يديه يتم تربية المهندس والطبيب والقاضي والضابط وغيرهم من سائر أبناء المجتمع. لكن من المؤسف كما يشير د.جمال الدين أن نجد كثيراً من الطلاب أصبحوا يستهينوا بمكانة المعلم ولعل ما يساعدهم علي ذلك تلك الصورة التي تصورها بعض وسائل الإعلام للمعلمين حيث تصورهم في صور سلبية لا تليق بمكانة المعلم ومن المعلوم أن وسائل الإعلام لها تأثير خطير وبخاصة علي الناشئة والشباب كما أن بعض المعلمين قد يكونون ضعاف الشخصية أو ضعاف في مستواهم المهني فلا يستطيعون تأدية واجبهم علي الوجه الأكمل. يقول د.جمال: إن الصحابة والتابعين كانوا يقدرون علمائهم ويضعونهم في مركز لا يقل عن مركز الأب فالمعلم هو الذي يمدنا بالغذاء الروحي والعقلي من هنا وجب علينا تقديره واحترامه حتي يستطيع أن يؤدي دوره علي الوجه الأكمل وحتي تختفي الصورة السلبية التي نراها في مجتمعنا هذه الأيام لذلك لابد وأن نحسن اختيار القائمين علي العملية التعليمية كما يجب علي وسائل الإعلام أن تغرس في نفوس الشباب والناشئة احترام المعلمين.