نستكمل اليوم ما ذكره ابن تيمة في التصوف حيث ذكر أيضاً في "مجموع الفتاوي" الجزء الحادي عشر ص "320". بعد بحث عن الخارق قال ما نصه:- فتلخص أن الخارق "كشفا كان أم تأثيراً" ثلاثة أقسام: محمود في الدين. ومذموم في الدين. ومباح لا محمود ولا مذموم في الدين. فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة. وإن لم يكن فيه منفعة كان كسائر المباحات التي لا منفعة فيها كاللعب والعبث. قال أبو علي الجوزجاني "4": كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة. فإن نفسك منجبلة علي طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة. قال الشيخ السهروردي في عوارفه: وهذا الذي ذكره أًصل عظيم كبير في الباب وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب. وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن سلف الصالحين المتقدمين وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات. فأبداً نفوسهم لا تزال تتطلع إلي شيء من ذلك. ويحبون أن يرزقوا شيئاً من ذلك. ولعل أحدهم يبقي منكسر القلب متهماً لنفسه في صحة عمله حيث لم يكاشف بشيء من ذلك. ولو علموا سر ذلك لهان عليهم فيعلم أن الله يفتح علي بعض المجاهدين الصادقين من ذلك باباً. والحكمة فيه أن يزداد بما يري من خوارق العادات وآثار القدرة تفنناً. فيقوي عزمه علي هذا الزهد في الدنيا. والخروج من دواعي الهوي. وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب. ومن كوشف بصدق اليقين أغني بذلك عن رؤية خرق العادات. لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين. فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشيء من ذلك لازداد يقيناً. فلا تقضي الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به. وتقتضي الحكمة كشف ذلك لآخر لموضع حاجته. وكان هذا الثاني يكون أتم استعداداً وأهلية من الأول. فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة. فهي كل الكرامة. ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي ولا ينقص بذلك. وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة. فتعلم هذا. لأنه أصل كبير للطالبين والعلماء الزاهدين ومشايخ الصوفية. أذواق الصوفية من المصالح المرسلة: 6- وذكر أيضاً في "مجموع الفتاوي" الجزء الحادي عشر ص 338: "فالطريق العقلية والنقلية والكشفية والخبرية والنظرية: طريقة أهل الحديث وأهل الكلام وأهل التصوف. قد تجاذبها الناس نفياً وإثباتاً. فمن الناس من ينكر منها ما لا يعرفه. ومن الناس من يغلو فيما يعرفه. فيرفعه فوق قدره وينفي ما سواه. فالمتكلمة والمتفلسفة تعظم الطرق العقلية وكثير منها فاسد متناقض. وهم أكثر خلق الله تناقضاً واختلافاً. وكل فريق يرد علي الآخر فيما يدعيه قطعياً. وطائفة ممن تدعي السنة والحديث يحتجون فيها بأحاديث موضوعة وحكايات مصنوعة يعلم أنها كذب. وقد يحتجون بالضعيف في مقابلة القوي. وكثير من المتصوفة والفقراء يبني علي منامات وأذواق وخيالات يعتقدها كشفاً وهي خيالات غير مطابقة وأوهام غير صادقة "إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً" "النجم: 28".. فنقول: أما طرق الأحكام الشرعية التي نتكلم عليها في أصول الفقه فهي بإجماع المسلمين- "الكتاب" لم يختلف أحد من الأئمة في ذلك. كما خالف بعض أهل الضلال في الاستدلال علي بعض المسائل الاعتقادية. وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله