مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    «نتنياهو» يمضي وحده| واشنطن تنأى بنفسها.. وبايدن يحجب القنابل الأمريكية عن إسرائيل    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    أحمد سليمان يكشف عن مفاجأة الزمالك أمام نهضة بركان    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    لطيفة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: بحبك ل آخر يوم في حياتي    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرامات الاولياء بين الانكار والتأييد
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 03 - 2010

أنوار في السماء‏..‏ وأولياء يطيرون في الهواء وربما شوهدوا يسيرون علي الماء‏..‏ أحاديث هنا وهناك عن بركة هذا الشيخ‏,‏ وطول يد ذاك الولي‏..‏ والقدرات الخارقة لهما أحياءا كانوا أو أموات علي علاج أعصي الأمراض وفعل الخوارق والأعاجيب‏.. كلامنا ليس من نسج الخيال ولا مادة لعمل درامي يترقبه المشاهدون في شهر رمضان‏,‏ لكنها حقيقة نعيشها وأفكار تنتشر بين أوساط مختلفة في مجتمعنا‏,‏ ربما يكون هناك من ينكرها ولا يعترف‏,‏ من الأساس‏,‏ بوجود شئ اسمه‏'‏ كرامات الأولياء‏.‏ أويعتبره دجلا وخرافة وأساطير‏,‏ إلا أن قطاعا أكبر يؤمن بوجودها وأهميتها ويبالغ في تقديسها إلي حد تخويف الآخرين وتهديد كل من تسول له نفسه المساس أو الاستهزاء بتلك الكرامات‏.‏ ولأن الوضع الحالي قد اختلط فيه الحابل بالنابل فسنحاول الوصول إلي حقيقة الأمر دون الهجوم أو التحيز لطرف علي حساب الآخر‏,‏ فكما أن إنكار ثوابت دينية وحقائق قرآنية يعد جريمة‏,‏ فليس أقل منه جرما الاعتقاد الخاطئ والتعصب لمفاهيم مغلوطة والتسبب في انحطاط المجتمع فكريا وثقافيا والعودة بنا إلي عصور الجهل والظلام‏..‏
‏(‏ غيبيات‏)..‏ بالنص فقط
كل من يدعي خرافة أو أكذوبة صار يطلق عليها‏'‏ غيبيات‏'‏ ليضفي شرعية علي فعلته‏,‏ لذا كان لابد من تحديد ما هو الغيب أولا‏,‏الدكتور محمد السيد الجليند أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر يوضح‏:‏ أن هناك في علم العقائد ما يسمي بعالم الشهادة وعالم الغيب‏,‏ فعالم الشهادة هو هذا العالم الحسي‏(‏ الكون وما فيه من سمائه إلي أرضه بما فيه من عالم الأفلاك والحيوان والنبات والانسان‏,‏ وعلي سبيل الإجمال كل ما يخضع للادراك الحسي يسمي عالم الشهادة‏).‏ ولا خلاف بين المفكرين في وجود هذا العالم لانه مدرك بالحواس وبالعقل أيضا‏,‏ لكن الخلاف بين المفكرين في الإيمان بعالم الغيب‏.‏ وكلمة الغيب كلمة مجملة لانها تطلق علي عالم الغيب الذي أخبرتنا به الكتب السماوية‏,‏ ويندرج تحتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجنة ونار وعالم البرزخ‏,‏ كما يشمل ما يسمي بعالم الجن وأطلق عليه هذا الاسم لانه مستور عن الحواس أيضا‏,‏ والخلاف في هذه الغيبيات يدور بين عقل مؤمن وآخر ملحد‏,‏ فالعقل المؤمن هو الذي يؤمن بكل ما أخبرت به الرسل عن الغيبيات بالنص الصحيح متنا وسندا‏,‏ ويعتبر الإيمان بها ركن أساسي في تحقيق معني الإيمان‏.‏ لكن هناك مشكلات تزاحم هذه الأصول الإيمانية تندرج تحت ما يسمي بالشعوذات والخرافات والدعاوي التي يتبناها بعض المنحرفين ويطلقون عليها غيبيات وهي في حقيقتها لم ينزل بها وحي ولم يخبر بها رسول فضلا عن رفض العقول لها جملة وتفصيلا‏,‏ وهذه النوعية من الغيبيات المكذوبة لم يخل منها عصر أو زمان‏,‏ بل وجدت علي مر العصور وظهر من يتبناها ويدعو إليها‏,‏ إما من منطلق حسن الظن بمدعيها كأن يكون ذا سمعة طيبة أو وجاهة إجتماعية أو منصب ديني رفيع‏,‏ فيخبر الناس بما يدعيه كذبا أنه رآه أو سمع به‏,‏ ويندرج تحت هذا كثير من الخرافات التي نسمعها الآن وقبل الآن‏.‏ الخوارق أنواع
الأولياء وما لهم من كرامات من الموضوعات التي لم تأخذ حقها بإنصاف‏,‏ مما أعطي الفرصة للأدعياء أن يقولوا ويفعلوا ما يشاءون باسمها‏,‏ الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية‏-‏ جامعة الأزهر يبين لنا أن‏:‏ الأولياء جمع ولي‏,‏ والولي مشتق من الولاء وهو القرب‏,‏ فولي الله من والاه بالموافقة له فيما يحب ويرضي‏,‏ ويتقرب إليه بما أمر به من طاعاته‏,‏ وكل من عظم إيمانه وطاعته عظمت عند الله ولايته‏.‏ وقد ذكر الله تعالي أقسام أهل ولايته ممن اصطفاهم لوراثة كتابه في قوله تعالي‏:‏ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله‏..‏ وذكر النبي صلي الله عليه وسلم درجات الولاية في قوله صلي الله عليه وسلم‏:(‏ يقول الله تعالي‏:‏ من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب‏,‏ وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه‏,‏ وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه‏,‏ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‏,‏ وبصره الذي يبصر به‏,‏ ويده التي يبطش بها‏,‏ ورجله التي يمشي بها‏,‏ وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه‏).‏ أما الكرامة فهي أمر خارق للعادة يجريه الله علي يد عبد صالح رفعة لشأنه وبينا لصلاحه‏.‏ وهناك أنواع أخري من الخوارق‏,‏ منها المعجزة‏,‏ وهي أمر خارق للعادة يظهر علي يد النبي تأييدا لدعوته‏,‏ ويعجز الخلق عن الاتيان بمثلها‏.‏ والكرامة لا تشترط في الولي‏,‏ فقد يكون العبد وليا وليس له كرامات‏,‏ كما لايجوز ان يقف الولي أمام الناس ويقول‏:‏ أنا ولي ودليل صدق ولايتي أنني أسمع أو أري كذا‏,‏ لان الأصل في الكرامة الستر والخفاء بخلاف المعجزة‏.‏ ومن الخوارق أيضا الإعانة‏,‏ وهي أمر خارق للعادة يظهره الله علي يد أحد الناس تخليصا له من كربة‏,‏ فقد يكون رجل مسلم أو غير مسلم في كرب شديد ويستغيث بالله فيخلصه‏,‏ فلا يصح أن يقال أن هذه كرامة أو معجزة‏,‏ لان حال الشخص ينبئ عما يقوم به‏,‏ وعلي هذا دعاوي كثير من العوام الذين يعتقدون أنهم من أهل القرب لله‏,‏ وهذا كله لا دليل يثبته بل قد يقع علي يد الكافر‏,‏ وهناك أيضا ما يعرف بالاستدراج‏,‏ وهو أمر خارق للعادة يظهره الله علي يد كافر معلن عن كفره استدراجا له واختبارا للناس ولا يدل أبدا علي صلاحه‏,‏ وهو في أعلي صوره ما يحدث علي يد المسيح الدجال‏,‏ وفي أدناها مايحدث علي يد السحرة‏.‏ لذا فما نراه قد يدخل فيه كثير من الكذب والغش‏,‏ لان الناس لا يفرقون بين السحر والمعجزة والكرامة والمعونة والاستدراج والشعوذة‏.‏
رؤية الأموات‏!!‏
ويؤكد الدكتور مصطفي مراد أن الكرامات في الأصل تظهر علي يد الأولياء في حياتهم أما بعد موتهم لاسيما إذا كان بفترات طويلة أو بصورة معينة أو بنظام خاص فهذا لادليل يثبته‏,‏ ولا مانع أن يرزق الله العبد الصالح بكرامة تكون بعد موته بقليل‏,‏ كما ورد أن بعض الصالحين تكلموا بعد موتهم أو نظر في وجوههم فرؤي النور‏,‏ لكن أن يغيب آلاف الأعوام ثم تظهر له كرامات فهذا ليس عليه دليل حقيقي من النقل أو العقل‏,‏ بل العقل الصحيح والنقل الصريح يكذب هذا‏,‏وقد كان أولي بهذا الأنبياء‏,‏ فلماذا لم يحدث هذا لنبي أو رسول ليرد علي الملحدين ويؤكد دعوة التوحيد‏.‏ ويرد علي من يقولون بأنهم يرون النبي في اليقظة بأنهم ربما فهموا خطأ حديث‏(‏ من رآني في المنام رآني في اليقظة‏)‏ والمقصود به رؤية الآخرة وليس الدنيا‏,‏ إذ لو كان هذا ثابتا لكان أولي به الصحابة والسلف الصالح‏,‏ فقد وقعت أحداث جسام وكانوا في حاجة لأن يظهر لهم النبي صلي الله عليه وسلم ليحل لهم هذه المشكلات ولكن هذا لم يحدث‏.‏
طلبها ليس ممنوعا
هل هناك ضرورة لوجود كرامات في عصرنا الحالي‏,‏ وهل طلبها يعد من التعدي في الدعاء ؟ الدكتور عمر عبد العزيز الأستاذ بكلية الدعوة إلاسلامية بجامعة الأزهر يجيب بأنه‏:‏ ينبغي أن نعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الانسان‏,‏ فإذا احتاج إليها ضعيف الإيمان أتاه الله منها ما يقوي إيمانه‏,‏ ويسد حاجته‏,‏ ويكون من هو أكمل ولاية لله مستغنيا عن ذلك‏,‏ لعلو درجته وغناه عنها وليس لنقص ولايته‏,‏ ولهذا كانت هذه الأمور في عصور التابعين أكثر منها في عصر الصحابة‏,‏ هذا بخلاف من يجريها الله علي يديه لهداية الخلق ولحاجتهم فهو أعظم درجة‏.‏ ويوضح أن هذه الكرامات التي يظهرها الله علي يد بعض أوليائه تنقص من درجة من يظهرها الله علي يديه‏,‏ لأنها بمثابة تعجل الجزاء علي الإيمان والتقوي في الدنيا‏,‏ لذا كان بعض الأولياء يتوبون منها إلي الله ويستغفرون لأجلها‏.‏ كما يؤكد أنه يجوز أن يسأل المسلم ربه أن يكرمه بما يكرم به أولياءه من أمور خارقة للعادة‏,‏ وذلك لأنه لم يسأل ممنوعا‏,‏ ولم يطلب مستحيلا‏.‏ وحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار‏,‏ فدعا كل منهم بعمله الصالح أن يفرج الله عنهم الصخرة ففرجت عنهم‏,‏ هو من سؤال الله الكرامة الحقيقية‏.‏
وقد تحققت مجموعة من الكرامات للصالحين بعد سؤالهم الله عز وجل ودعائهم بها‏,‏ مثل دعاء العلاء بن الحضرمي‏:‏ يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا‏.‏ ودعائه بمثله حتي مشي جيشه علي النهر‏.‏ وغير ذلك من الأدلة علي جواز سؤال الله خوارق العادات علي وجه الكرامة‏.‏
بدون تفاخر ولامنافسة
وينبه الدكتور عمر عبدالعزيز إلي أنه ينبغي أن تكون نية الداعي بالكرامة خالصة لوجه الله تعالي‏,‏ لا يريد بها مفاخرة ولا مكاثرة ولا منافسة‏,‏ وإنما يريد أقرب المنازل إلي الله‏,‏ وأحب المراتب إليه‏,‏ فيسأل الله تعالي ما يجوز له منها‏,‏ وهي الكرامة‏,‏ أما المعجزة فلا تجوز إلا للأنبياء‏.‏ وأن تقوم الحاجة الداعية لهذا السؤال‏,‏ كمن يسأل الله الولد علي كبر سنه‏,‏ أو يسأله المطر والقطر علي قحط السماء وجفاف الأرض‏,‏ وأما سؤال الخوارق التي لا تفيد المرء في دينه ولا دنياه فهذه لا يجوز الدعاء بها‏.‏ كما يشير إلي أن كرامات الأولياء لاتدل علي عصمتهم كالأنبياء‏,‏ فالولي قد يخطئ في بعض أعماله أوعباداته أو توجيهاته‏,‏ لانه لم يرسل ويصطفي من الله لهذا الغرض وإنما هو مجتهد فيه‏,‏ لذا فمن الخطأ أن ترتفع درجة الثقة في أي شخص اشتهر بشئ من الكرامات إلي حد عدم مناقشة أفكاره وأعماله واجتهاداته‏.‏
ألاعيب الشيطان
لابد وأن يكون هناك سبيل لمعرفة أن الخوارق التي يمكن أن نراها هي من كرامات للصالحين وليست حيلا من الشيطان وأعوانه‏,‏ الدكتور طه عبد الجواد أستاذ الفلسفة الاسلامية بجامعة الأزهر يقول‏:‏ إن كرامات الأولياء لابد وأن يكون سببها الإيمان والتقوي‏,‏ وقد كان من أقوال عمر رضي الله عنه‏:(‏ اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون‏,‏ فإنه تتجلي لهم أمور صادقة‏),‏ يقصد الأمور التي يكشفها الله عزوجل لهم‏,‏ فلأولياء الله مخاطبات ومكاشفات‏,‏ وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول‏:(‏ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله‏).‏
أما ما كان بسبب الكفر والعصيان فهي من خوارق الشيطان‏,‏ وإنما تحدث عندما يشرك بالله ويعصي مثل الاستغاثة أو دعاء الموتي‏,‏ أو أكل المحرمات كالدم والميتة أو سماع مزامير الشيطان والرقص عليها‏,‏ ومثل هذه الخوارق تنقص عند سماع القرآن الكريم‏,‏ ومن هؤلاء من إذا حضر سماع المكاء والتصدية‏(‏ التصفير والتصفيق بصورة معينة‏)‏ تتنزل عليه الشيطان حتي تحمله في الهواء وتخرجه من تلك الدار‏,‏ فإذا حضر رجل من أولياء الله تعالي طرد شيطانه فيسقط‏,‏ وقد تناول القرآن الكريم ذلك في قوله تعالي‏:(‏ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين‏).‏ وقد حدث لكثير من المسلمين أن يأتيهم الشيطان عند الموت فيأمرهم بأن يوصوا بمخالفات شرعية صريحة كعدم الاغتسال ويبشرهم بأنهم من أهل الجنة‏,‏ ثم يأتي بعد موته لأهله علي صورته‏,‏ ويقضي عنه الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت‏.‏
في الرخاء تختفي الخدع
رغم أنه لا أنبياء يعيشون بيننا‏,‏ ولا أظن أن هناك أولياء كذلك وإذا وجدوا فلا ذكر أو علامة تميزهم في هذا العصر‏,‏ ومع هذا يكثر الحديث عن كرامات بين الحين والآخر في الموالد وخلافه‏,‏ فلماذا زادت كرماتنا ولسنا بخير العصور لا إيمانا ولا حتي أخلاقا ؟ الشيخ فرحات المنجي من علماء الأزهر يقول‏:‏ إن الله سبحانه وتعالي قد احتفظ لنفسه بخمسة أشياء بينها في قوله‏:(‏ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير‏)(‏ لقمان‏:34).‏ وقال أيضا‏:(‏ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو‏..)‏ وقال لنبيه‏:(‏ إنك ميت وإنهم ميتون‏),‏ ومن هذه النصوص نعلم أن الميت لن يعود وأن علم الغيب له وحده‏,‏ ومن ادعي غير ذلك كمن يقول إن الخضر عليه السلام حي ويأتيه أو أنه رأي أحد الصالحين عيانا في مكان ما‏,‏ غير المكان الذي يعيش فيه‏,‏ أو أنه رأي رجلا ميتا يشهد له بالصلاة في مسجد معين أو يتجول في منطقة ما‏,‏ فكل هذا دجل واستخفاف بعقول البسطاء‏.‏ ويشير إلي أن هذه الأمور تكون موجهة بالدرجة الأولي لصرف أنظار الناس عن قضايا أخري اقتصادية واجتماعية وغيرها‏,‏ وبين هذه الأقوال والأفعال تشابه مع ما يقوم به الساحر الذي يوهم من يقفون حوله بشئ ما مستخدما خفة يده‏,‏ وهو في نهاية الأمر يستخف بعقولهم ويقوم بتغييبها‏.‏
وينبه الشيخ فرحات المنجي إلي إن هذه الأمور تكثر حينما تزداد الأزمات‏,‏ وما أكثرها في عصرنا‏,‏ أما في وقت الرخاء الذي لم نره بعد تختفي كل هذه الأشياء‏,‏ لهذا كثر في عصرنا من يلجأ إلي هذه الأمور بدعوي أنها من الكرامات‏,‏ وهي في الحقيقة تعبر عن حالة الفشل التي يعانيها هو ومن حوله في ايجاد حلول واقعية لمشكلاتهم‏.‏
ويؤكد أن الانسان يجب أن يؤمن تماما بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏,‏ وأن كل شئ مقدر وبأمر الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن الله لا يحتاج إلي سبب ليرزق إنسان أو ليسلب آخر‏,‏ فإذا كان الإيمان قويا اعتقد أن كل شئ مقدر بأمره وأن العالم كله تحت سيطرته والكون كله ملك له‏,‏ ولن يسمح لأحد أن يعبث في ملكه إطلاقا‏.‏ وأن هذه القصص التي تروج بين الناس معظمها صناعة بشرية هدفها الأساسي تضليل المجتمع‏.‏
كل الأتقياء‏..‏ أولياء
أكثر الناس تطرفا وغلوا في موضوع كرامات الأولياء هم مدعي التصوف ويقصون في شأن الصالحين روايات عجيبة يستخفون بها بعقول البسطاء من الناس‏,‏ الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الارشاد الديني يشير أولا إلي‏:‏ أن الولاية حق وثابتة بالقرآن والسنة‏,‏ وللأولياء كرامات‏,‏ تعد في ذات الوقت كرامات لنبينا صلي الله عليه وسلم‏,‏ إذ لايحدث لأي ولي كرامة إلا بصفاء عقيدته وحسن متابعته للنبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ فإذا كان للتابع كرامة فهي إذن أولي للمتبوع عليه الصلاة والسلام‏.‏ غير أن جهال الصوفية يعتبرون الولاية بالجنس أو النسب وليس بالصفات المؤهلة لذلك‏,‏ وأهل السنة يفقهون قول الله تعالي‏:(‏ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏),‏ وصفاتهم‏:(‏ الذين آمنوا وكانوا يتقون‏..),‏ فكل مؤمن تقي هو ولي لله‏,‏ ولا يصح أن يتخذ واسطة يتوصل بها إلي الله ولا يدعي من دون الله ولا يستغاث به‏,‏ ولكن بعض هؤلاء الصوفية علي العكس من ذلك‏,‏ ومنهم من يدعي أن خاتم الأولياء وهي فكرة غير صحيحة أفضل من خاتم الأنبياء من جهة العلم بالله‏,‏ وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله من جهته‏.‏
ويقول إن شيوخ الصوفية فرقوا بين التصوف المحمود والمذموم‏,‏ فالمتصوف ينبغي أن يكون رجلا تقيا متبعا للسنة‏,‏ ومن أقوالهم المشهورة‏:(‏ إذا رأيتم الرجل يمشي علي الماء أو يطير في الهواء فلا تلتفتوا إليه‏,‏ فإن الشيطان يطير من المشرق إلي المغرب ويمشي علي الماء‏,‏ ولكن انظروا في اتباعه الكتاب والسنة‏,‏ فإن الشيطان لايقدر علي ذلك أبدا‏),‏ ومثل هذه الأقوال لو طبقناها اليوم علي الصوفية لخرج منهم الكثيرون عن هذا المعني‏,‏ وخاصة ونحن نري ونسمع كيف يقوم الشيطان وأعوانه من الجن بالتلبيس عليهم‏,‏ فهو يظهر لهم عند القبور في صورة صاحب القبر‏,‏ فيظن الجهال أن المقبور أوالنبي أو الصالح هو الذي خرج ليعانقهم أو يصافحهم‏,‏ وربما يعطيهم بعض ما يسألون عند القبر من نقود أو طعام‏,‏ أما المؤمن الفقيه فيعلم أنه شيطان‏.‏
كما أن كثيرا من العباد يري الكعبة تطوف به‏,‏ ولهذا تسمع من بعض الصوفية من يقول‏:‏ أنتم تذهبون للكعبة والكعبة تأتي إلينا‏,‏ أو يري عرشا عظيما وعليه صورة عظيمة ويري أشخاصا تصعد وتنزل فيظنها الملائكة ويظن أن تلك الصورة هي الله تعالي‏,‏ ويكون ذلك شيطانا‏,‏ فالله جل وعلا وإن جاز أن يري مناما علي هيئة نور لاجسم‏,‏ إلا إنه يقينا لا يري في الدنيا كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:(‏ تعلموا أنه لا يري أحد منكم ربه عز وجل حتي يموت‏)‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.