يد تعمل، ويد تحمل السلاح، كان هذا شعار سنوات ما بعد هزيمة 67 عندما استيقظ المجتمع المصري علي الكارثة المدوية، وأدرك بعد أن استوعب الصدمة أن عليه، أن يستعيد توازنه، ولايكتفي بالانغماس في الأحزان، ولكن عليه أن يزيل أسبابها، الجيش المصري يسعي بكل قوة وإصرار ليوقع بالعدو عدة ضربات متتالية فيما سمي "بحرب الاستنزاف"، والجبهة الداخلية تساندة، وكل يعمل في مجاله بحالة من الثبات والإصرار علي إعادة بناء المجتمع، اقتصاديا ونفسيا، فالاكتفاء بالبكاء علي اللبن المسكوب لم يكن أبدا، ليوصلنا إلي أكتوبر، والنصر الذي أعاد للمصري كبرياءه. الذين عاشوا تلك المرحلة بكل مرارتها يؤكدون ، أننا نعيش الآن أجواء قريبة، بتلك التي قصمت ظهر المجتمع المصري، بعد هزيمة يونية!!!! عامان انقضيا علي ثوره يناير، والمجتمع يترنح من كثرة الضربات المتلاحقة، فمن كنا نظنهم رفقاء الميدان، يشاركوننا أهداف الثورة وحلمها "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، خرجوا من كهوفهم السحيقة، ليقفزوا علي الثورة، ويسحبونا جميعا، إلي عصور الجاهلية، موزعين العداء والكراهية علي الجميع، بدون تمييز، أو مبررات منطقية! هل نحتاج إحصاءات وقرائن، كي نثبت أن الشلل قد أصاب مفاصل الدولة، وكاد الإنتاج أن يتوقف في معظم المجالات هل نحتاج قرائن كي نثبت أن اليأس قد أصاب الجميع بالشلل أو كاد! ولكن رغم ذلك فالحياة تسير، بتراخ وبطء ولكنها تسير، ومعظم أفراد الشعب قد عادوا إلي الشعار القديم يد ينتج ويد ترفع السلاح، مع تعديل بسيط يد تحاول أن تنتج رغم قسوة الظروف، ويد ترفع اللافتات التي تناهض حكم الاستبداد، وجيوش الظلام! عندما تقلب قنوات التليفزيون، سوف تجد عددا لابأس به من نجوم الفن، قد أصبحوا ضيوفا علي البرامج السياسية، وأنهم يشاركون في معظم الوقفات الاحتجاجية، والمظاهرات السلمية، التي لايمر أسبوع بدون اندلاعها، ومع ذلك فهؤلاء النجوم وغيرهم، يعملون منذ شهور طويلة في المسلسلات التليفزيونية، أو الأفلام السينمائية، فالحياة تسير رغم كل شيء، ويراهن البعض علي أن جيوش الظلام سوف تعود إلي كهوفها بعد أن تتلقي ضربة موجعة ورفض شعبي كامل، وثورة سلمية تعيد لوجه مصر ابتسامتها بإذن الله. تتزامن أجواء الشحن الثوري، مع أجواء الاستعدادات السنوية لاستقبال شهر رمضان، والمدهش أن الناس تتحرك في اتجاهين بنفس الحماس والإخلاص والحيوية، يحشدون ليوم الخلاص، الذي بدأ مع 30 يونية، ولن ينتهي قبل اكتمال النصر علي جيوش الظلام، وفي نفس الوقت يستعدون لاستقبال الشهر الكريم، بكل تجلياته من استعدادات غذائية، وطقوس سنوية يأبي الشعب المصري أن يتنازل عنها في رمضان، وكأن الجميع يراهن علي الانتهاء من القضاء علي حكم الاستبداد والفساد قبل أن يتفرغ للصيام ومتابعة مسلسلات رمضان!! نعم الشعب المصري له طبيعة خاصة، في أحلك الظروف لايتنازل مطلقا عن متعته السنوية البسيطة! كان البعض يعتقد، أن الظروف المرتبكة التي نعيشها منذ عامين، سوف تقلص عدد الأعمال الدرامية التي تقدم في رمضان، والبعض الآخر بالغ في تشاؤمه في أن الإنتاج التليفزيوني سوف يتوقف هذا العام، ولكن الغريب أن عدد المسلسلات التي بدأ الإعلان عنها منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع قد تجاوز الأربعين مسلسلا! ربما يكون العدد أقل فعلا مما يتم إنتاجه في كل عام، ولكن دعونا نعترف أنه كان نوعا من السفه الشديد أن ننتج سنويا أكثر من ستين مسلسلا، تتسابق علي العرض في شهر واحد فقط! وفرق العدد يأتي هذا العام من توقف شركات الإنتاج التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون عن تقديم مسلسلات لهذا العام، نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وزارة الإعلام منذ عدة أعوام، زاد عليها سوء الإدارة، وارتباكها! ولكن شركات الإنتاج الخاص، لايمكن بحال أن توقف ماكينة الإنتاج التي ترتبط بماكينة أكبر وأكثر شراسة وهي ماكينة العرض، فزيادة القنوات الفضائية وتنافسها علي جلب الإعلان، يحتم وجود مواد ترفيهية جديدة، ومثيرة، لمواطني العالم العربي لمتابعة ما تقدمه شاشات التليفزيون، وبعد انقضاء موسم برامج المسابقات واكتشاف المواهب الغنائية، التي شغلت الناس طوال ثلاثة أشهر، كانت حصيلتها مئات الملايين من الدراهم والدنانير، كان الاستعداد لاستقبال موسم المسلسلات، التي تضخ فيها الشركات والقنوات الفضائية، ميزانيات تفوق ميزانيات بعض الدول! تتسابق كل قناة علي شراء مجموعة من المسلسلات تضمن حصار مشاهديها، وضمان ألا يتحركوا من أمام شاشتها، والاختيار غالبا ما يكون بناء علي اسم النجم أو النجوم المشاركين في العمل، فلايزال اسم النجم هو عنوان الجودة، رغم بعض الاستثناءات والمفاجآت التي تحدث من آن لآخر! كما هي العادة والمتوقع، يحقق عادل إمام ومسلسله العراف، أكبر نسبة تسويق، ولأول مرة في تاريخه الفني يقدم مسلسلين في عامين متتاليين، العام الماضي قدم فرقة ناجي عطا، بعد غياب طال لأكثر من 18 سنة، وكان حريصا في إطلالته أن يجمع عددا كبيرا من النجوم الشباب، وبعد أن أطمئن علي أن القنوات التليفزيونية مازالت ترحب باسمه وتعتبره الورقة الأكثر ضمانا، قدم هذا العام مسلسل العراف ، ويشاركه بطولته حسين فهمي مع عدد من النجوم الشباب أيضا، وكالعادة تقدم يسرا مسلسلا اجتماعيا، فهي حريصة منذ قرابة العشر سنوات علي التواجد الرمضاني، ومسلسلها نكدب لو قلنا ما بنحبش، تم تسويقه إلي عدد لابأس به من المحطات، فرغم تواضع مسلسلاتها في الأعوام السابقة، إلا أن اسمها لايزال عاملا للجذب، المسلسل من تأليف تامر حبيب ويشاركها البطولة مصطفي فهمي، وبعض الوجوه التي تلازمها في معظم أعمالها! ليلي علوي ملكة المفاجآت شاركت العام الماضي في واحد من أهم مسلسلات رمضان وهو نابليون والمحروسة للمخرج شوقي الماجري، تعود هذا العام للمسلسلات الاجتماعية وتقدم من تأليف وإخراج خالد الحجر مسلسل فرح ليلي، ورغم دخولها السباق الرمضاني في وقت متأخر نسبيا، إلا أن مسلسلها لم يعان من التسويق، مثل مسلسل إلهام شاهين، حكمة الجوافة وهو مسلسل كوميدي اجتماعي من تأليف وإخراج مدحت السباعي، ولكنه صعب أن يقف في منافسه مع مسلسل الكبير لأحمد مكي في موسمه الثالث، ولكن في هذا المجال الكوميديا يدخل الساحة ثلاثي لا يستهان به، وهو شيكو وأحمد فهمي وهشام في مسلسل الرجل العناب، وأعتقد أنه المسلسل الكوميدي الذي سوف يشهد أكبر نسبة من متابعة جمهور الشباب لأنه يقدم كوميديا وأفكارا طازجة تعجب جمهور هذا الجيل! ومن المسلسلات التي ينتظرها الجمهور بشغف بدون ذكر اسماء للسيناريست وحيد حامد، الذي قدم من أربعة أعوام مسلسل الجماعة ورغم نجاحه إلا أنه توقف عن تقديم الجزء الثاني نظرا لأن الجماعة قفزت إلي سدة الحكم ، ولابد أن نتوقع أن المسلسل لن يخلو من نقد لاذع للظروف السياسية والاجتماعية التي طفحت علي وجه المجتمع المصري بعد ثورة يناير المسلسل من بطولة روبي وحورية فرغلي وأحمد الفيشاوي! من الأعمال التي يمكن الرهان عليها الزوجة الثانية، المأخوذ عن الفيلم الشهير الذي يحمل نفس الاسم وتم تقديمه في الستينيات من القرن الفائت، وكان من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة كل من سعاد حسني وشكري سرحان وصلاح منصور وسناء جميل، عن قصة لرشدي صالح، ولكن المسلسل التليفزيوني سعي بذكاء للخروج من المقارنة، بتغيير بعض الأحداث وطبيعة الشخصيات، وأعتقد أنه سوف ينال قدرا من الثناء وهو من بطولة عمرو واكد، وعلا غانم وعمرو عبد الجليل وآيتن عامر، ومن المسلسلات التي سوف ينتظرها الجمهور بشغف الداعية الذي يمثل الإطلالة الأولي لهاني سلامة من خلال دراما تليفزيونية تقدم نموذجا للداعية العصري، الأنيق الذي يخفي وجها يخالف مايقدمه لجمهوره من تقوي ونقاء، وميزة المسلسل أنه يأخذ من نماذج واقعية طفحت علي السطح في السنوات القليلة الماضية! أما محمود حميدة الذي كان يرفض بإلحاح العمل في الدراما التليفزيونية فقد اضطر بعد أن كادت السينما أن تقفل أبوابها، للاتجاه للتليفزيون من خلال مسلسل ميراث الريح، واعتقد أن اختيارات محمود حميدة تحميه من احتمالات الفشل فلم يعرف عنه إلا اختيار العمل الأفضل! وتكاد تكون غادة عبد الرازق هي الوجه النسائي الأفضل حظا في مجال التسويق، وخاصة بعد نجاحها في مسلسل العام الماضي "مع سبق الإصرار " وهي تعود هذا العام مع نفس المخرج محمد سامي ومسلسل حكاية حياة، والغريب أن أخبار الخلافات بين نجمة المسلسل ومخرجه قد فاقت أخبار العمل نفسه، ما يؤكد أن الأمور بينهما وصلت إلي طريق مسدود، يحتم الاستعانة بمخرج آخر لتكملة المسلسل الذي تم بيعه لعدد كبير من القنوات الفضائية، فلازال للنجم الكلمة الأولي والسطوة والسلطان، ولكن في حالة غادة فقد يكون هذا التصرف إعلانا لبداية النهاية! أما أمير كرارة الذي حقق نجاحا ملحوظا في عامين متتاليين من خلال مسلسل المواطن إكس، ثم طرف ثالث الذي تم تقديمه العام الماضي، فهو يدخل عالم البطولات المطلقة من خلال مسلسل تحت الأرض للمخرج السوري حاتم علي، وهو من المسلسلات التي تراهن علي استقطاب نسبة كبيرة من المشاهدين ويناقش قضايا الساعة، هذا بعض من أهم ملامح سباق الدراما التليفزيونية الذي سوف ينطلق بعد أسبوع من الآن.