محافظ الغربية يتابع حملات النظافة والتجميل ورفع الإشغالات استعدادا لشم النسيم    تعاون جديد بين جهاز تنمية المشروعات ومحافظة الشرقية لمواجهة الهجرة غير الشرعية    سلامة الغذاء: تكثيف الحملات على الأسواق ومصانع الأغذية خلال احتفالات شم النسيم    أستاذ اقتصاد: تعديل فيتش نظرها للاقتصاد المصري مؤشر إيجابي    إذاعة جيش الاحتلال: حالة الجندي المصاب في طولكرم حرجة    موعد مباراة ميلان وجنوى اليوم في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يُهنئ منتخب مصر للجمباز الفني بالتتويج ببطولة أفريقيا    مصرع طفل غرقا في مياه النيل بأطفيح    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    بايرن ميونخ يؤجل احتفالات ريال مدريد بلقب الليجا رقم 36    شوبير عبر برنامجه الإذاعي : أحمد عبد القادر يغيب عن الأهلي فى مباراتى الترجى التونسى بنهائى أفريقيا    البيض يتراجع 29 جنيهًا، وهذه أسعار الدواجن اليوم الأحد 5 مايو 2024    همت سلامة: الرئيس السيسي لا يفرق بين مسلم ومسيحي ويتحدث دائماً عن كوننا مصريين    حسن الرداد ضيف لميس الحديدي في "كلمة أخيرة" الثلاثاء المقبل    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الإثنين 6-5-2024، السرطان والأسد والعذراء    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    البحر الأحمر تستعد لأعياد شم النسيم بتجهيز الشواطئ العامة وارتفاع نسبة الإشغال في الفنادق إلى 90%    إدرايا.. تأجيل محاكمة 22 متهما بقضية الهيكل الإدارى للإخوان لجلسة 6 يوليو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    حسام عاشور: رفضت الانضمام للزمالك.. ورمضان صبحي "نفسه يرجع" الأهلي    ورش عمل مكثفة لمديريات الإسكان حول تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء    العثور على جثة عامل ملقاة في مصرف مياه بالقناطر الخيرية.. أمن القليوبية يكشف التفاصيل    أخبار الأهلي: شوبير يكشف عن تحديد أول الراحلين عن الأهلي في الصيف    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    وزيرة الهجرة تشارك في قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية    رئيس جامعة بنها: تلقينا 3149 شكوى وفحص 99.43% منها    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    تبدأ من 5 جنيهات.. أرخص 10 أماكن «فسح وخروج» في شم النسيم 2024    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    حالة الطرق اليوم، سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسول..
أساليب مبتكرة منها الفن وأحيانا
نشر في آخر ساعة يوم 29 - 05 - 2013


النقر على الزجاج حرفة!
الفرق بين أحمد زكي والمتسول الذكي أن الأول مارس التسول في السينما والثاني امتهن التمثيل في الواقع، بينما يجمع بين الشخصيتين موهبة كبيرة تجعل الناس تصدق كليهما، فتصفق للنجم وتعطف علي الشحاذ.
وأنصح الذين ينظرون إلي المتسول بحقد، و"يبصون له في اللقمة" أن يراعوا ضمائرهم، ويفهمون أن "الشغلانة" تحتاج إلي مجهود ضخم، وأنها ليست مجرد مد كف يلقي فيه أصحاب القلوب الرحيمة جنيهات تحقق لصاحبها الثراء السريع في وقت ضيق.
وطريقة "»الشحاتة« تختلف من مكان لآخر، فالمتسول في ميدان روكسي هو شخص نظيف ومهندم، تخرج الكلمات من فمه هادئة ومرتبة وخالية من الإلحاح، علي عكس متسول السيدة زينب الذي يزعق بصوت جهوري يزلزل من يسمعه ويزحف خلفك ويعترض طريقك، فضلا عن ملابسه المتسخة ووجود عاهة علي الأقل في جسده تقنع البسطاء بأهمية مساعدته.
عقلية المتسول أيضا تتفاوت من محترف و "فاهم الفولة" إلي هاو صغير يبذل الكثير من الجهد ويحصل علي القليل من المال.
أغرب حالة تسول شاهدتها كانت في قطار الصعيد، واستطاع صاحبها أن يحصل من كل راكب علي مبلغ من المال، ولم يترك مسافرا واحدا دون أن يأخذ منه، ولم يستطع (حتي) البخلاء منهم منع أنفسهم من المنح.
كان صاحبنا المتسول سمينا بشكل لافت، وقد وضع علي شعر رأسه كمية هائلة من التراب والرماد، ودهن وجهه بما يشبه الزفت، وعفّر ملابسه برائحة كريهة نفاذة، وتحت تهديد القذارة، كان يقترب من كل راكب وهو يميل عليه بوجهه ليمنحه قبلة!، وحتي نتجنب غرامه لم يكن أمامنا إلا الإسراع بوضع أيدينا في جيوبنا لنعطيه حتي نتخلص منه!
نفس القطار الذي كان يحمل متسولا تفوح منه العفونة، كانت تسير فيه – بين المقاعد- صبية جميلة تعطر ملابسها البسيطة وتسدد إلي عيون الرجال نظرة قاتلة، تضع كفها البض بدلال علي مناكب الشباب وكبار السن الذين تتهدل شواربهم من رؤية وجهها الصبوح، تقرّب شفتيها الورديتين الصغيرتين وتهمس في الأذن: لله.. فتخرج تنهيدة حارة من صاحب الإحسان ويعطيها القليل من المال تقديرا لجمالها الآخاذ!
وإذا كنت ممن يستقلون مترو الأنفاق يوميا وخاصة خط حلوان – المرج، فإنك ستشاهد نفس وجوه المتسولين، يضاف إليهم بعد مدة وجه آخر تألفه من كثرة التعود. تحتل المنقبات العدد الأكبر من جملة الشحاذين، يوزعن أوراقا صغيرة علي الركاب، يعرضن فيها حالاتهن بالتفصيل، نوع مرض الزوج أو الابن، ومصاريف العلاج، وثمن أجرة الشقة، الصمت هو سيد الموقف، العيون التي تظهر علي استحياء من نافذة النقاب تثير الفضول، بينما يصبح الإحساس هو الحكم علي صدق أو كذب المتسولة.
أما الطرق الكلاسيكية في الشحاذة فلازالت تؤتي أكلها وتجد من ينصفها ويقدرها، فالاستجداء وعرض المشكلة بصوت مرتفع مع استمرار البكاء والنحيب، والقسم بأغلظ الأيمان علي كل عبارة تخرج من الفم، وسح الدموع، كل هذه الأمور ما زالت تجد طريقها بسهولة إلي قلوب من يمصمصون شفاههم ويقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله يارب، ويستخرجون ما في جيوبهم.
الملاحظ أن أصحاب هذه الطريقة من التسول يختارون وجوها بعينها للتأثير عليها، وفي الغالب يصطفون البنات الصغيرات في السن، فيقفوا أمامهن ويستجدون عطفهن وفي النهاية لا يخيب ظنهم.
أصحاب العيون الكفيفة لا يحتاجون إلي مجهود كبير في عملهم ليحققوا غايتهم، فقط مجرد كلمات تراثية مثل " عاجز نظر ياخوانا"، وإذا كان البعض يصر علي الظهور بنفس الشكل القديم باصطحاب طفل أو امرأة ليقوده، فالتطور جعل الكثير منهم لا يحتاج إلي هذا الأمر، بعد أن وجدوا في التخلي عن المساعد فرصة لإدرار مزيد من الشفقة وهم يتخبطون في المقاعد. تزخر مهنة التسول بعمالقة هذا الفن من الرجال، إلا أن مزاحمة المرأة في الفترة الأخيرة حققت نجاحا لا يمكن أن ننكره. عربات السيدات تمتلئ بالأمثلة، والمرأة تفهم المرأة وتزيد في أنها تفهم أيضا طبيعة الرجل، وتستخدم في التسول وسيلتين أولاهما علب المناديل والحلوي الرخيصة وتفرقهما علي الجالسين، وتعود لتلملمهما من جديد وهي تجمع الحصيلة، وثانيتهما وجود طفل علي كتفها لا يبالي ما تفعله حاملته إلا أنه يؤدي الدور المطلوب في إقناع الموجودين بأنه في حاجة إلي رعاية صحية وغذائية وأنه مجرد عينة من صغار يجلسون في البيت في انتظار عودة الأم بالطعام!
وقبل أن نترك الصغار لابد أن نشيد بمواهبهم وتفوقهم في مهنة تحتاج من حين لآخر لابتكارات جديدة، فالصغير الذي تراه يستذكر دروسه بتركيز بجوار بضاعته من علب المناديل، لا يقل في مستوي الأداء عن طفلة تحمل حقيبتها المدرسية خلف ظهرها وهي توزع الحلوي، بينما الأشقياء الذين يتقافزون في إشارات المرور ليمسحوا الزجاج يعرضون أنفسهم للعديد من الأخطار.
وتظهر القصة كأداة صالحة لإقناع الناس علي مختلف أعمارهم فالسيدة التي تجلس في الميدان وهي تبكي علي "البيض المكسور" داخل السلة يحوم حولها الزبائن ولا يدخر أصحاب الشهامة وسعا للتخفيف عن مصيبتها في حين يشعرون بأن المرأة استغفلتهم وهم يجدونها في اليوم التالي في نفس المكان وتسرد عين القصة.
وتختلف تفاصيل القصة عند صبي يجلس متكورا وينتحب في حرقة، فإذا سألته عن السبب حكي لك عن ضياع نقوده ورعبه من أمه أو زوجة أبيه التي تنتظره بالعصا في يدها حين يعود.
الأناقة أيضا دخلت المهنة، لتصادف شبانا يرتدون ثيابا غاليا، ويصففون شعورهم، ويستأذنونك في نصف جنيه لاستكمال ثمن أجرة المواصلات.
ولا يخلو الأمر بالاستعانة بالفنون المختلفة، فالمرأة التي تأكل النار لتثير فضول المثقفين علي مقهي "زهرة البستان" أمهر من لاعبي السيرك، كما أن فنان الربابة الذي يجوب الشوارع في القري وهو يعزف ببراعة ويغني بصوت عذب لا يقل بهاء عن أمثاله ممن يظهرون علي الفضائيات. عمر المتسول له التأثير الأكبر علي العواطف فالرجل أو السيدة العجوز وهي تفترش الأرض بقلة حيلتها، ونحافتها الواضحة، والخطوط الغائرة علي وجهها تمنح الناظر إليها انطباعا قويا بأنها تستحق فيكبش ويهب. الأوراق الرسمية المختومة بشعار النسر أيضا توحي بالصدق لمن يطالعها، فإذا أضاف المتسول بعض الإكسسوارات المطلوبة مثل كيس البول وتنقل به بين الحضور فإنه يحظي بالمراد.
وتبدو بائعة الفول السوداني أقرب للحقيقة وهي تختار المثقفين بالتحديد فتضع علي طاولاتهم في المقاهي المختلفة قبضة فول دون أن تنطق حرفا، ومع التجربة يتسرب الإدمان إلي الجالسين فيتناولونه برضا، وينتظرون صاحبته إذا غابت عنهم بشغف.
ولا تخلو المهنة من جهلاء وأدعياء يقتحمونها بين حين وآخر، ولكن الفشل عادة ما يجعلهم لا يستكملون المشوار ومن هؤلاء من تصادفه يقف أمامك بكل عنجهية فيقول لك: لله.. بينما لا يظهر علي ملامحه أو ملابسه ما يجعلك تثق في حاجته، فتنصرف عنه وأنت تشعر بالقرف لافتقاره للموهبة. تتعدد الطرق والمخيلة المصرية تأتي كل يوم بجديد من أجل أن تلين القلوب القاسية وتكشف عن عطفها وتعطي بسخاء وكرم وبر.
لكن التسول في أحيان نادرة يتخذ مسارات مختلفة، فالشحاذ لا يتجه إلي البشر ليعطوه مما أعطاهم الله ولكنهم يتجهون مباشرة إلي الله ليمنحهم ما لا يستطيع البشر منحه. في الصعيد تتسول الأم من الله عمرا طويلا لوليدها..فعلتها الجدات من قبل، ونجحن، وورثت الحفيدات العادة فسرن علي نفس الطريق.. ولم يخيب الله ظن إحداهن.. فلم يثبت بعد أن امرأة شحذت برضيعها وعرضت نفسها لذل السؤال وحرمها الله منه.
الحكاية مكررة، فالمرأة التي لا يعيش لها ذكر، وكلما أنجبت ولدا يتخطفه الموت تجد نصائح الأصدقاء المقربات في انتظارها إذا وضعت مولودا جديدا بأن تتخلي عن كرامتها، وترتدي الثوب الأسود المهلهل وتضع قفة علي رأسها وتتجول في سبعة بلاد مختلفة تتسول من الناس الخبز والنقود وتدعو الله أن يمنح وليدها حياة ممتدة.
ومن أجل غلاوة " الضني" تتحمل الأم ذل السؤال، وتجوب القري المختلفة وهي ما تزال في مرحلة النفاس، تنظر إلي حياة ابنها وتتغاضي عن موتها.
تقاسي مرارة الشوك المدبب الذي يخترق قدمها الحافية، وتمسح الدماء التي تسيل والدموع المنهمرة.
لا شيء يقف في طريقها، ولا أحد باستطاعته أن يعيق تصميمها علي المضي فيما تسعي إليه، تتجنب أن يعاملها الناس كسيدة كريمة وتطلب منهم أن ينهروها ويغلقوا في وجهها الأبواب أو يتفضلوا عليها بالقليل من الماء والخبز.
قد تستغرق أياما أو أسابيع فيما تفعل، وتطلق علي الطفل اسم شحات حتي لا تطوله الأعين، وقد تلبسه ملابس النساء فتخفيه عن سهام الحقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.