جانب من المشغولات الفخارية الجديدة صناعة الفخار عمرها آلاف السنين، عرفها المصريون القدماء، لكنها كغيرها من الصناعات المصرية القديمة، تضاءل وجودها بشكل كبير حتي أوشكت علي الانقراض، بالرغم من أنها تأوي آلافا من العاملين بها الذين لايعرفون حرفة غير (الطين) وصناعته. الفواخرية توقفوا عن العمل إجباريا منذ عام 2005 إلي الآن لا عمل ولا مأوي ولا سبيل للرزق، ثماني سنوات من البطالة وتشريد مئات العمال كانت سببا في تردي مهنة الفخار، وهروب الحرفيين منها بعد إغلاق ورشهم واستبدالها بأحلام تبددت يوما بعد آخر، وهم يرون صنعتهم الوحيدة التي يتقوتون منها تموت أمامهم .. هؤلاء هم عمال الفواخير بمنطقة (بطن البقرة) الذين كان من المفترض أن يتسلموا وحدات خاصة بهم لعمل الفخار بصورة أكثر سلامة وبشكل صديق للبيئة، وبدلا من أن تهتم الدولة بصناعة الفخار التي تعتبر مصر أحد أهم البلدان الرائدة فيها فتقيم له المعارض ويتفاخر الصانع المحترف بصنعته التي جعلته يتواري في الظلام خوفا من الإزالة. بداية الحكاية الحاج محمد أبو شالة صاحب فاخورة بمصر القديمة يروي ل (آخر ساعة) أبعاد إغلاق محالهم.. بدأ الموضوع منذ ظهور مشكلة السحابة السوداء سنة 2002 عندما حددت نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة وقتذاك مناطق بعينها والتي تسببت في التلوث وقد أغلق المحافظ وقتها عبدالرحيم شحاتة المنطقة كلها بالشمع الأحمر لمدة عام ونحن بلا عمل. يتابع: عندما تولي عبد العظيم وزير محافظ القاهرة السابق جاءت منحة اليونسكو 28 مليون جنيه للفخار وتنمية المهن اليدوية وقد طلب منا أن نسلم الأراضي المقام عليها الفواخير مقابل خطابات تعطينا الحق في الحصول علي وحدات جديدة، ولكن غلطتنا أننا أخذنا هذه الجوابات بدون ميعاد الاستلام، وقد سلم 90٪ منا الأرض مقابل 10٪ لم يسلموا الأرض وهم الذين يعملون حتي الآن. ويلتقط منه طرف الحديث عم إبراهيم الذي يعمل بالمهنة منذ أكثر من 50 عاما ليقول: علي الرغم من اكتمال 80٪ من المشروع إلا أنه لم يتم تسليم أي وحدة منذ 8 سنوات، حيث يصل عدد الوحدات إلي 157 وحدة مطالبا بسرعة البدء في التسليم، حيث يتطلب تسليم الوحدة بناء فرن يستغرق 4 شهور بعدها يمكن لنا أن نعاود العمل من جديد. وأوضح طه المصري عامل، إن أصحاب الفواخير قدموا تظلمات للمحافظة والحي دون جدوي مؤكدا أن كل ما يريده أصحاب الفواخير هي سرعة استلام الوحدات وتطوير الصناعة واستخدام أفران الغاز بدلا من الحرق الذي يلوث البيئة. الفنان يتحدث ناصر أبو الهدي، (53 عاما) يعمل بمهنة الفخار منذ أن كان في السابعة من عمره ورث المهنة أبا عن جد ويعمل بها معظم أفراد عائلته، الفخار حياته والطين متعته وتشقق يديه من كثرة العجن هو ملاذه في الدنيا، بالرغم من أن المهنة باتت لا تريده إلا أن روحه تتعلق بالطبلية والدولاب والأباليك. تحدث لنا أبو الهدي وفتح صندوق الذكريات ليحدثنا عن تلك الحرفة التي تجلب لمصر ملايين الدولارات سنويا، أكد أنه مر بجميع مراحل الصناعة من العجن للحرق للنقش، مشيرا إلي أنه يعمل حاليا في نقاشة وتفريغ الفخار بأشكال هندسية ومزخرفة مختلفة. دخلنا مع الفواخري. إلي مكان عمله الذي تسلمه منذ عدة أشهر فهو مكان أشبه ب (الأتيليه) ولكنه مهمل بشكل كبير فلا يوجد به فرن لحرق منتجاته ولا كهرباء ولم تصل إليه المرافق إلي الآن وحينما طالبوا الحكومة بتسليم الوحدات كاملة قالوا: ( لا علاقة لنا بالأفران وانتوا اللي لازم تشتروها بالرغم من أن سعر الفرن الواحد يتخطي ال 25 ألف جنيه دون مراعاة منهم لتوقفنا عن العمل لمدة لاتقل عن ال 7 سنوات). وقال: (أعمل في الفخار منذ أن كان اهتمام الناس به يقتصر علي القلل والأزيار للشرب والأواني وحتي بدأنا نطور منه ليتماشي مع البيوت العصرية وصنعنا منه أدوات للزينة والإضاءة ولكن للأسف لم يعد شعبنا يقدر قيمة الفخار ويدرك مدي أهميته.. وأصبح تعاملنا الكلي مع القري والمنتجات السياحية والفنادق. واستطرد : طوال الفترات الماضية كنا نعمل بلا نقابة تحمي حقوقنا وترعانا وتنمينا، كان وجود نقابة لنا يشترط موافقة أمنية ولكن بعد الثورة استطعنا أن نلتحق باتحاد نقابات المهن المصرية وانضممنا في شهر نوفمبر الماضي.. فنحن عدد لايستهان به وله حقوق.. فلدينا 351 منشأ للفخار يضم كل منشأ 10 أفراد هذا يعني حوالي 1600 أسرة.. لا أحد يهتم بهم أو يسأل عنهم.. والإهمال هو ما جعلنا نتفرق وجعل العديد منا يترك عمله بحثا عن عمل آخر أيضا باليومية. وقال أحمد إسماعيل حرفي: من الآن لن نستهين ولن نجعل المهنة تموت بل سنحييها من أول وجديد ولابد أن نجعل 25 يناير مثلا لنا، وإذا كنا قد صمتنا عن حقوقنا قبل الثورة فالآن لن نسكت أبدا وسنظهر في الصورة. وتابع قائلا: نحن عمال اليومية نعتبر ركيزة أساسية للبلد والفخار لايقل أهمية عن البناء فهي أول مهنة امتهنها الإنسان في التاريخ.. لذلك أحزن كثيرا عندما آرانا نحن المصريين لانقدر مهنتنا وتضيع منها هويتنا.. فلابد أن تكون الحرف اليدوية التي نمتاز بها (كالزجاج، الأرابيسك، النحاس والفخار) هي خط الدفاع عن هويتنا المصرية التي بدأنا نفقدها بسبب عوامل دخيلة. وتابع: لا يوجد الآن بيت لا يلحق به التطور ولا يوجد به كمبيوتر وأتمني اليوم الذي يكون الفخار فيه في كل بيت مصري إذا كان زينة أو غيرها فاقتناء الفخار ارتقاء بالذوق العام.. فنحن لا نملك تكنولوجيا لننافس بها الغرب فلابد أن ننافس بما ندركه ونعلمه وهم الآن بدأوا في تقديرهم للفخار.. وبدأ الغرب والعرب يأخذون عمالة مصرية.. لماذا لانستفيد من أولاد بلدنا.. وتدخل عملة صعبة من خلال منتج نقي وفني وجميل وتكلفة إنتاجه ليست بالضخمة.