محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تقدير كبير ل«قائد المسيرة».. سياسيون يتحدثون عن مدينة السيسي بسيناء    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    الإسكان تُعلن تفاصيل تنفيذ 3068 شقة في مشروع "صواري" في بالإسكندرية    برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الدمار في غزة هو الأسوأ منذ عام 1945    الاعتراف بفلسطين.. دعم عربي وفيتو أمريكي    «كيربي»: روسيا تخرق قرارات الأمم المتحدة بشحن النفط إلى كوريا الشمالية    بعد سقوط توتنهام.. ليفربول يعود إلى دوري أبطال أوروبا في الموسم المقبل    صن داونز يهزم كايزر تشيفز بخماسية ويتوج بالدوري الجنوب إفريقي    القبض على نصاب بزعم التوظيف بمقابل مادي    «كان» يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية في افتتاح دورته ال77    الفنان أحمد السقا يكشف عن الشخصية التي يريد تقديمها قبل وفاته    نعيم صبري: نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة    إجابة غير متوقعة.. زاهي حواس يكشف حقيقة تدمير الفراعنة لآثارهم    توقعات برج الأسد في مايو 2024: «تُفتح له الأبواب أمام مشاريع جديدة مُربحة»    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    في يومها العالمي.. سبب الاحتفال بسمك التونة وفوائد تناولها    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل سائقَين وإصابة 3 موظفين في السودان    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولي على قرية أوشيريتين    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بيان عاجل من الأهلي بشأن أزمة الشحات والشيبي.. «خطوة قبل التصعيد»    أسعار النفط تستقر وسط ارتفاع المخزونات وهدوء التوترات الجيوسياسية    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    جهود لضبط متهم بقتل زوجته في شبرا الخيمة    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لشاب ينقب عن الآثار بأسيوط    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    مستشار المفتي: تصدّينا لمحاولات هدم المرجعية واستعدنا ثقة المستفتين حول العالم (صور)    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولى العلمى الثانى للطب الطبيعى والتأهيلى وعلاج الروماتيزم    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخلاق المصريين .. آين ذهبت ؟!
نشر في آخر ساعة يوم 16 - 04 - 2013

فوضي أخلاقية تجتاح الشارع المصري وتصل أصداؤها إلي كل بيت. للأسف هذا هو حال الكثير من المصريين الذين فهموا الحرية التي منحتها لهم ثورة يناير بطريقة خاطئة، فمن مشاهد التحرش التي لاتغيب من الشارع إلي استهداف الجنائز ومهاجمة دور العبادة، إلي غياب الكلمة الطيبة والنقد المحترم علي شاشات التليفزيون وتحول الأمر إلي شتائم وسباب بألفاظ خادشة، كل هذا أدي إلي حالة انفلات علي ألسنة المصريين في تعاملاتهم اليومية وفي اختلافاتهم معا أثناء مناقشاتهم علي مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبقي التساؤل: أين ذهبت أخلاق المصريين وتدينهم الفطري المعهود؟ وكيف السبيل إلي استعادة القيم المصرية الأصيلة؟ الملف التالي يحاول الإجابة عن كل هذه التساؤلات.
المسجد والكنيسة ضحايا الانهيار الأخلاقي في مصر
د.عزة كريم: عمليات مدبرة ومنظمة لإيذاء مشاعر المصريين
ريحاب محمد
الانفلات الأخلاقي بعد ثورة يناير 2011 أضحي ظاهرة خطيرة ومؤسفة طالت كل شيء.. حتي دور العبادة سواء مساجد أو كنائس لم تسلم من هذا العبث فالاعتداء علي هذه الأماكن المقدسة أثناء المظاهرات بات ظاهرة مرعبة ولكنها جديدة علي مجتمعنا الذي يتسم بطبيعته بالتدين.. فمن المساجد التي تم الاعتداء عليها ومحاصرتها مسجد قادوس بالمحلة ومسجد الإيمان بشارع قناة السويس ومسجد مستورة ومسجد الحمد وبلال بن رباح بالمقطم والقائد إبراهيم بالإسكندرية وعمر بن عبد العزيز المجاور للاتحادية، وكذلك الكنائس مثل كنيسة العذراء بإمبابة والكاتدرائية ومار مينا بإمبابة والمعمدانية بالخصوص.
والهدف استفزاز مشاعر الشعب لإثارة الفتنة الطائفية للإيقاع بهذا الوطن.. مما دعا الكثير من المعنيين بهذا الشأن إلي التحذير من تكرار مثل هذه الأمور واتخاذ إجراءات رادعة لذلك.. آخر ساعة ناقشت القضية.
شن عدد من العلماء والدعاة وممثلون لوزارة الأوقاف، هجوما شديدا علي البلطجية والمخربين الذين حاصروا وانتهكوا بيوت الله، بمنطقة المقطم وبمدينة المحلة، والإسكندرية وباقي المدن الأخري واعتدائهم علي المصلين.
وقال الدكتور محمد عبده مستشار وزير الأوقاف إن هذه الممارسات غريبة علي المجتمع المصري، وما شهدناه من اعتداء يوم جديد في تاريخ البلطجية الذين لا يرقبون في مؤمن "إلا ولا ذمة" في منحدر شديد للغاية.
وقال: يجب أن تتوحد الجهود لمحاربة من دخل المسجد وسرق أمواله ومزق المصحف لأن هذه قضية قرآنية أوضحها الله في كتابه "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَي فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلوها الا خائفين.
وطالب بيان الدعوة السلفية المشترك مع حزب "النور" كلاًّ من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بتقديم بلاغات رسمية للنائب العام بشأن حصار المساجد الذي تم من قبل أفراد مجهولي الهوية خلال التظاهرات، ودعا جميع المواطنين إلي الإدلاء بأوصاف مَن ارتكبوا هذا الجرم.
يؤكد الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف السابق أن هذا الانفلات نتج عن الجهل وعدم معرفة قدر هذه الأماكن لأنها بنيت للعبادة وفي نفس الوقت لأداء الخدمات الاجتماعية العامة علاوة علي أنها شبكة اتصال بين الجماهير تؤصل الحب والمودة والتعاون وفي الأيام الأخيرة فإن المظاهرات التي لا ضابط لها تقوم بالاعتداء علي المساكن الخاصة والممتلكات وبالتالي هانت الأماكن المقدسة في نظر هؤلاء ولكن الله تعالي توعد بالخزي والعار من يتعدي عليها يقول الله تعالي (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) .. كما أنه يتساوي مع المساجد الكنائس ودور عبادة اليهود والتي أشار الحق سبحانه وتعالي إليها في الآية (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) إن الأماكن المقدسة لها قيمة في نظر أي إنسان مهما كان دينه أو عقيدته أو هويته وانتماؤه فلابد لنا أن نحترم المساجد والكنائس والبيع وأن نحترم عقائد الناس ولانتطاول عليهم لأن الله تعالي نهانا عن ذلك بقوله تعالي (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) وعلي المسلم أن يتسم بالأدب والخلق العالي كذلك المسيحي لأنه يتبع نبيا هو عيسي رسول السلام وكان شعاره (المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبين الناس المحبة) وكذلك اليهود اتبعوا سيدنا موسي وعندهم التوراه تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر ولكنهم تركوها وراء أظهرهم طمعا في الدنيا .
ويواصل الشيخ الرفاعي: نحن عندما نتحدث عن العقائد الإلهية فإننا نقول للناس جميعا: الدين للديان جل جلاله أمرنا أن نتعايش علي الأرض بسلام لأن الإنسان صنعه الله فمن قتله فهو ملعون والقتل المعنوي أكبر من القتل المادي فلا نخيف أحدا ولانزعج أحدا خاصة العباد والنساك في المساجد أو الكنائس لأن الأدب فضلوه علي العلم وعندما نتساءل ما الذي جري للمسلمين والمسيحيين أو اليهود؟ ولماذا ظهر العنف وضعف الدين والانحلال الخلقي؟ الإجابة: الجهل والبعد عن الدين والتعامل مع المخدرات وفي نفس الوقت الإعلام المشبوه الذي يصور الرذيلة علي أنها فضيلة ولكي نحارب هذه المشكلة فلابد أن تتعاون كل المؤسسات وهي الأزهر –الكنيسة الإعلام الأوقاف - وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة أيضا لأن العقل السليم في الجسم السليم.
ويختتم قائلا: عندما أري أي مشكلة ينسبونها إلي الفتنة الطائفية ويحضنون بعضهم ويقبلون بعضهم أقول هذا شعار المنافقين لأننا نريد أن نعمل عملا جادا وهو إقامة حوار بين الشباب المسلم والمسيحي ولو عندنا يهود لطالبنا بهم أيضا أن يحضروا ونقول لكل شاب اكتب مايعن لك بصراحة وقدمه للجنة المختصة ثم تعقد ندوات كما كنا في الماضي جمعية الشبان المسلمين وجمعية الشبان المسيحيين كنا نحضر هنا ندوات وعندهم ندوات ونتناقش ولكن شخصيات سقيمة العقل ألغت هذه الندوات ولكن لصالح من؟ ولكن نقول للطرفين نريد أن نبني وطنا قويا بناه المسلم والمسيحي يوم أن خطب القسيس في الجامع الأزهر وخطب الشيخ في الكنيسة لأن ربك لو شاء لوحد الأديان ولكن اختلافها رحمة ونتذكر أن رسولنا الكريم أجاز لنصاري نجران أن يصلوا صلاتهم في مسجده الشريف عندما كانوا ضيوفا عنده وهذا يدل علي سماحة الإسلام وتعاونه مع الأديان وسعيه في بناء المجتمع.
وتري الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث أن ما يتم من اعتداءات الآن هو عمليات مدبرة ومنظمة ومتعمدة لإيذاء مشاعر الشعب لأن أكثر الأشياء التي تثيره الاعتداء علي أماكن العبادات سواء جامع أو كنيسة ولذلك يجب أن نتأكد أنها عمليات مقصودة ومدبرة لأنه لا الثوار ولا الإخوان ولا المسيحيون ولا أي فئة من فئات الشعب المصري تقوم بذلك ولكن البلطجية المدربون المأجورين وأطفال الشوارع يسعون لايقاع الشغب داخل البلد وذلك من أجل النظام القديم وكذلك المعارضة المغرضة من أجل مصالحها والبلطجية المدربون موجودون من أيام الحزب الوطني وهناك مخطط كبير لكسر نفسية الشعب واستفزاز المصريين والدليل الحرائق التي تشتعل في كل الأماكن وكذلك رمي الطوب والحجارة والمولوتوف فهم مدربون علي صنع كل ذلك ووجدوا الأحوال مازالت تسير إلي الانفلات فرأوا ان أسوأ شيء يؤثر في الشعب دور العبادة من أجل إثارة الفتنة الطائفية لتظل مصر في حالة أمنية غير مستقرة مما يؤدي لعدم استقرار الحالة الاقتصادية ويضعف البلد ويصبح هشا وكذلك الإعلام فبعض الفضائيات الحرة مغرضة ومأجورة وغير محايدة.
والحل هو إغلاق الإعلام المعارض – علي حد قولها أو حتي وقفه لمدة معينة فلو حتي لستة أشهر وأن نعطي وعيا للناس حتي يميزوا الأمور وكذلك يتم إبعاد هؤلاء المأجورين عن الساحة الإعلامية بأي شكل من الأشكال وكذلك يجب عندما تحدث فتن طائفية أن يعرف الشعب أنها مدبرة.
أما الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية فيري أن هذه الظاهرة ليست وليدة الأيام الماضية فقط ولكنها قديمة حدثت أيام مبارك .. فبالتالي ليست بجديدة فهذا الاعتداء يعد رقم 18 أو 19مع ظهور التفكير المتطرف في المجتمع نتيجة البطالة وتردي الأوضاع في الأحياء الفقيرة والشعبية فالشاب الجالس في البيت إما أن يفكر في الزواج وبالطبع لا يستطيع في ظل هذه الظروف فيضطر إلي تفريغ طاقته ووقته في التفكير في أشياء أخري فيذهب للمسجد المجاور لمنزله فيجد من يدعي أنه شيخ وهو لا ينتمي لا للأوقاف ولا للأزهر وممكن أن يكون عاملا أو سباكا ولكن قابله في الطريق وقال عن نفسه شيخ أو متدين فيصدقه الشاب دون أن يعرف هويته فيعطيه الفتوي المفسدة التي توجهه للطريق الخاطئ وعلي أساسها يسير يدمر ويخرب تحت مظلة الجهاد في سبيل الله .. والحل هو التخلص من كل هذا المناخ السلبي وتعديل الأوضاع الحالية من بطالة .. وتوفير خدمات في المجتمع .. ومراعاة العشوائيات وبالطبع كل ذلك لن يأتي في يوم وليلة وكذلك تعديل مناهج التعليم التي تحض علي الكراهية في معظم الأحيان.
الجنازات في مرمي النيران
خالد المسلماني
الموت لم يعد له حرمة في مصر، جنازات تخرج من المساجد والكنائس تجد نفسها في مرمي قنابل الغاز وطلقات الرصاص، لافرق إذا كان المتوفي مسلما أم مسيحيا ولكن الأهم هو ما يردده مشيعوه، لتتلخص الجنازات في نعوش ترفع وقنابل تقصف وطلقات تدوي وهتافات تتردد، مثلما شيع الضحايا أحداث سجن بورسعيد بقنابل الغاز إلي مثواهم الأخير، وتكرر المشهد أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
ففي الوقت الذي شيع فيه عشرات الآلاف من أهالي بورسعيد ، جثامين ضحايا الاشتباكات الدامية التي راح ضحيتها العشرات، عقب جلسة النطق بالحكم في قضية مجزرة بورسعيد.
ليتكرر الأمر مجددا وتتفجر الاشتباكات في محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بعد تشييع جثامين أربعة مسيحيين قتلوا في مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية ليتكرر المشهد تماما.
فيقول د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: نحن في مرحلة انتقالية يحاول كل فصيل أن يستغل الظروف التي تمر بها البلاد لصالحه والهجوم علي الجنازات وراءه أهداف سياسية والغرض منه شق صف هذا الوطن لذا يجب علي الشعب أن يفوت عليهم هذه الفرصة.
وتابع لا أفضل أن تكون الجنازات ذات طابع شعبي حتي لا تستخدم في أغراض سياسية واحتجاجية فالموت له جلال وحرمة يجب احترامها، من الأفضل أن تقتصر المظاهر السياسية والاحتجاجية علي السرادقات فقط أو أن تقام الجنازات بدون جمهور وأن تقصر علي المراسم الدينية.
وأشار إلي أن الشعب مازال يتمتع بأخلاقه السمحة الوسطية رغم أنف المغرضين من خارج مصر الذين يسعون لإشعال فتنة في البلاد عن طريق المرتزقة، فالبنية الأساسية الأخلاقية في المناطق الشعبية والريفية مازالت سليمة فالتسامح مازال هو الصفة الأساسية لهذا الشعب لا بسبب عجزه ولكنه علي يقين بأن الله سيعوضه، إما في الدنيا أو الآخرة بعكس من يظن أن من ضاع حقه في الدنيا لن يعود أبدا، والدليل علي هذا الاتصال الذي جاءني من أحد أصدقائي بدول الخليج حيث قال لي السمة التي تميز المصريين هي التسامح فبرغم كل الأحداث التي تقع في مصر وتعود الحياة إلي طبيعتها مجددا.
وقال إن الفتنة الطائفية في مصر أكذوبة فرغم كل ما كان يقال إن الكنائس بها ترسانة من الأسلحة غير صحيح ففي كل المحن التي تعرض لها الأقباط منذ قيام الثورة لم نرهم يستخدمون السلاح ولم ينظموا حتي مليونية علي الرغم من أن أعدادهم تقدر بالملايين.
أما ناصر أمين رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء فقال إن هذا المشهد دليل علي الانفلات الأمني الذي تعيشه الدولة، فنحن نعيش في حالة من عدم احترام القانون والأعراف الإنسانية الحكومة هي المسئولة عن هذه الأحداث لأن هناك مؤسسات تابعة للدولة هي التي تقف وراء هذه الأحداث، مضيفا أن علي الدولة أن تحاسب المسئولين عن هذه المممارسات فورا.. ذكر ناصر أن الهجوم علي الجنازات من المشاهد المتكررة فهي تتم دائما بنفس الطريقة فعندما يقوم المشيعون الغاضبون بالخروج من المسجد أو الكنيسة تضرب الجنازة بالغاز والرصاص ، مما يثبت أن هذه الأحداث ليست عابرة فإن لم نكشف من يقوم بها ستتكرر دائما.
في حين تري د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع أن الهجوم علي الجنازات ظاهرة متكررة لم تكن معروفة في تاريخ مصر من قبل فلا يوجد شعب في العالم يحترم حرمة الموت مثل المصريين ،فلن تجد حضارة كان لديها كتاب للموتي إلا الحضارة المصرية القديمة، فالمصري بطبعه يقدس الموت ويحترمه، معني ذلك أن هذه الظاهرة ظهرت مؤخرا وهذا دليل علي أن هناك دخيلا علي القيم والأخلاق المصرية، واختراقا للثوابت الأصيلة للمجتمع. فهناك نسبة كبيرة من أطفال الشوارع الذين لم يهتم بهم أحد فأصبحوا قنابل موقوتة موجودة في كل شوارع مصر، مازال هناك الكثير من السجناء الهاربين من السجون منذ ثورة يناير، بالإضافة إلي البلطجية المأجورين الذين يأتون علي الأخضر واليابس علاوة علي الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع ككل.. وأشارت خضر إلي أن أخلاق المصريين مازالت كما هي لا تتغير أو تتأثر ولكن ما نعيشه الآن ليس لتغير أخلاق المصريين ولكن لدخول عوامل داخلية علي المجتمع إذا لم نواجهها ستشهد مصر كارثة كبيرة سنعاني منها لسنوات.
أما الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فيقول أري أن الهجوم علي الجنازات فتنة تستهدف النيل من استقرار البلد، فلابد من محاسبة المسئولين عنها أيا كان وتقليم أظافرهم، فهؤلاء يجب أن يطبق عليهم حد الحرابة أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف لأنهم يقومون بترويع أمن المواطنين والوطن ، نحن نعلم أن بيوت الله مصونة وفقا للكتاب والسنة لا يرضي الله أن تنتهك حرمة هذه البيوت.
وتابع: لم يثبت أن الفاتحين لمصر قد هدموا معبدا أو دمروا كنيسة وكان هذا وفقا للوصايا التي صدرت لهم بألا يهدموا كنيسة أوبيتا أو يقطعوا شجرة، لذا فعلي العقلاء من الطرفين المسلم والمسيحي أن يتعاملوا بروية مع هذه الأحداث ولا يعطوا الفرصة لمن يريد استغلالها لإحداث فتنة طائفية .
وأضاف لايجوز بأي حال استخدام الجنازات لتحقيق مكاسب سياسية والاستقواء بالداخل أو الخارج، لأن النار إذا شبت ستحرق الجميع ولن تبقي ولا تذر، لايجوز أن نوظفها لأغراض طائفية لن تضر إلا بهذا البلد.
دراسة حديثة: 60٪ من الفتيات تعرضن للتحرش الجنسي
أحمد جمال
من الظواهر التي انتشرت وزادت في الفترة الأخيرة وأصبحت تهدد أمن كل فتاة تنزل إلي الشارع فالتحرش لم يعد مقتصرا فقط علي أوقات الليل المتأخرة بل أصبح يمارس بشكل علني في وضح النهار كما أن المتحرش أصبح لايفرق بين ماترتديه الفتاة فأصبحت الفتيات المنتقبات يتعرضن للتحرش أيضاً.
هذا ما أوضحه أحدث تقرير لمعهد التخطيط القومي حول التحرش الجنسي حيث تعرضت 60٪ من النساء للتحرش عن طريق اللمس.
وكشف التقرير عن أن99.3٪ من العينة التي شملت شبابا من الجنسين في عمر(10 إلي 35 سنة) تعرضن للتحرش بشكل عام منهن 88٪ تعرضن للتصفير والمعاكسات الكلامية و75٪ للنظرات الفاحصة السيئة لجسد المرأة و70٪ لمعاكسات تليفونية و63٪ لكلام له معني جنسي و62٪ من التتبع.
وأشار التقرير الذي شمل عينة من 7 محافظات هي القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والغربية والدقهلية وأسيوط وقنا حتي يمكن تمثيل كل أقاليم الجمهورية إلي أن60٪ من العينة أكدن أنهن تعرضن للتحرش الجنسي عن طريق لمس جزء من جسدهن وأن أهم الأماكن التي يحدث بها التحرش هي الشارع والأماكن المزدحمة بنسبة94٪ والمواصلات العامة95٪ والأسواق 42٪ والشواطئ 22٪ بينما انخفضت النسبة بالمؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات إلي14٪ أما أماكن العمل فلم تتعد النسبة6٪ من المبحوثات.
وأوضحت الدكتورة عزة الغندري مديرة معهد التخطيط القومي أن المسح الميداني الذي أجراه المركز الديموجرافي أحد مراكز معهد التخطيط استهدف معرفة الظاهرة وأسبابها وهل زادت معدلاتها بعد ثورة 25 يناير أم لا وكذلك مقترحات مواجهتها وعلاجها من الخبراء وعلماء الدين، حيث يشير التقرير إلي أن الإناث تعرضن للتحرش بغض النظر عن ملبسهن أو مكياجهن أو طريقة كلامهن أو مشيتهن حيث ذكرن أن المحجبات بل والمنتقبات تعرضن للتحرش، وكانت الطالبات أكثر الفئات في ذلك بنسبة91٪ تليهن العاملات66٪ ثم ربات البيوت47٪ ثم السائحات30٪.
وبحسب الدراسة فإن المبحوثات أكدن أن التحرش يحدث في كل الأوقات وليس في الساعات المتأخرة من الليل فقط كما كان معتقدا مما تسبب في الشعور بعدم الأمان الذي يصل إلي95٪ من المبحوثات بالنسبة للمواصلات العامة وإلي91٪ منهن بالنسبة للشارع.
أما عن الأسباب من وجهة نظر المبحوثات فأفاد أكثر من90٪ أن ذلك يرجع لانتشار البرامج الأجنبية الإباحية ومشاهدة الأفلام الجنسية والسينمائية المثيرة وتصفح المواقع الإباحية علي الإنترنت وضعف الوازع الديني لدي الشباب بالإضافة لوجود وقت فراغ كبير بسبب البطالة المنتشرة بين الشباب.
وأكدت جميع المبحوثات تقريبا أكثر من 95٪ أنه لابد من وجود قوانين بها عقوبات رادعة علي التحرش ولابد من القضاء علي الانفلات الأمني الحالي وتفعيل القوانين الموجودة وضرورة وجود ضابطة شرطة وباحثة اجتماعية بأقسام الشرطة للتعامل مع حالات التحرش الجنسي بصفة خاصة وتشديد الرقابة علي المواد الإعلامية والقنوات الفضائية وكذا علي الإنترنت.
ومن جانبها أرجعت الدكتورة ثريا عبد الجواد أستاذ علم الاجتماع جامعة المنوفية،انتشار التحرش الجنسي إلي تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسي في المجتمع. وقالت: إن "التحرش لا يرتبط فقط بالمناطق الفقيرة، بل إن بعض الأماكن الراقية يحدث فيها ذلك، ودللت علي ذلك بمنطقة مصر الجديدة التي حدثت فيها واقعة تحرش جنسي مؤخرًا"، وأضافت: إن فكرة الزواج انتابها خلل اجتماعي حيث أصبحت تعتمد بشكل كبير علي المصلحة، ولهذا يصيب الأزواج الملل عقب الزواج، فلم يعد هناك صفات القدرة علي الكفاح والتحمل التي كانت سائدة في الماضي وتعطي الفرد الإحساس بالمسئولية والانتماء للمنزل.
وقالت أستاذ علم الاجتماع إن قيم الحصول علي كل شيء دون مجهود أضحت سائدة في المجتمع مشيرة إلي أن "خوف الفتيات من عدم القدرة علي الزواج دفعهن إلي الخوض في علاقات عاطفية في فترة مبكرة، وأصبح هذا يتم بعلم الأهل، كما انتشرت ظاهرة الخيانة الزوجية أيضًا بشكل ملحوظ".
وأوضحت أن الثقافة المصرية تغيرت "انظروا إلي أولادنا اليوم، لا يوجد شيء يملأ حياتهم باستثناء التلفزيون والإنترنت، والآن لدينا مشكلة الزواج المتأخر، وعندما تجمع كل هذه العوامل في سلة واحدة تكون النتيجة مشاكل اجتماعية مثل التحرش".
وقالت إن هناك ارتباطا وثيقا بين زيادة حالات التحرش بسوء الأوضاع الاقتصادية مرجعة أسبابه إلي البطالة التي يعاني منها 20٪ من المجتمع المصري، والتي تؤدي إلي العجز في إشباع الاحتياجات الاقتصادية.
وأشارت إلي أنه يتم إنفاق 18 مليار جنيه علي المخدرات، التي تساهم في تغييب الوعي وتساعد علي انتشار التحرش.
وأكدت أنه عقب ثورة يناير أصبح هناك حملات تحرش مدارة بشكل منظم ضد الفتيات والنساء المصريات، أبرزها ما حدث للمتظاهرات في ميدان التحرير من تحرش واعتداءات ، ففي البداية استهدفت هذه الحملات إبعاد النساء عن ميدان التحرير والآن تستهدف إبعادهن عن الحياة العامة بأكملها.
وأوضحت أن موضوع التحرش ليس حديثا حيث إنها ليست ظاهرة جديدة لكن الجديد هي الظواهر الاجتماعية الكثيرة التي طرأت علي المجتمع مشيرة إنه يوجد تجاوز في حق الأسرة وأن هناك قوانين كثيرة ضد التحرش ولكن لا تري النور مضيفة أن المشكلة ليست في القوانين بينما في الظواهر التي ظهرت في المجتمع من تدني الأخلاق.
بعد أن ضاعت روح الميدان:
حملات شبابية لإعادة الانضباط الأخلاقي
علا نافع
»إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا« بيت للشاعر الراحل أحمد شوقي يعتبره الكثيرون توصيفا دقيقا لما آل إليه حال شعبنا الأصيل ووضع بلاده المزري الذي جعله يقترب من حافة الهاوية، فسر الضعف الذي حل بنا يكمن في اختفاء شيم الأخلاق وحلت محلها أخري كانت بعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا الودودة المترابطة فزادت نسب التحرش الجنسي بصورة يندي لها الجبين خجلا بخلاف حوادث السرقة والاعتداءات اللفظية والبدنية فتشعر وكأن بلد الأمن والأمان التي كرمها الله بقرآنه أصبحت غابة موحشة مقفرة تحتضن بين جنباتها حيوانات مفترسة يأكل أقواها أضعفها دون شفقة أو رحمة ويورثونها إلي أبنائهم وأحفادهم بعد ذلك.
اللافت للانتباه أن ثورة الشباب قد فتحت الباب علي مصراعيه أمام الجميع ليمارسوا حقوقهم السياسية في جو يتسم بالحرية والنزاهة غير المسبوقة إلا أن الكثيرين أحال الحرية إلي فوضي غير مأمونة العواقب وتحولت الخلافات السياسية بين الأحزاب بعضها البعض إلي وصلات ردح يتفنن كل منهما في سب الآخر واتهامه بأبشع الصفات.
ولم تكن الأحزاب وحدها من أساءت استخدام الحرية بل إن طباع الشعب المصري تغيرت فقد زادت المشاحنات والخلافات بين الناس واختفي مفهوم التسامح كليا وجزئيا من قواميس حياتهم كأنها صفات شاذة غير محمودة كما غلبت صفتا النفاق والرياء وتفوقت علي قريناتها طمعا في تحقيق المناصب العليا أو أملا في إحراز غنيمة لم يكن يتوقعها وتوارثت الأجيال المتعاقبة تلك المفاهيم ورسخت في وجدانها حتي بتنا نحتاج الي مئات الأطنان من حبوب الأخلاق علها تمحو كل خلق ذميم استشري بداخلنا....
من منا لا يتذكر فيلم "أرض النفاق" للعبقري فؤاد المهندس الذي جاب الأرض شرقها وغربها بحثا عن "حبوب الأخلاق"وبخاصة"حبوب النفاق"..
الغريب أن تلك الفكرة قد طبقت مؤخرا علي أرض الواقع وبعد مرور أكثر من نصف قرن علي خروج الفيلم إلي النور طورت إحدي المؤسسات الاجتماعية تلك الفكرة وقامت بتنظيم كورسات لتعليم أطفالها الأخلاق بطريقة حديثة وغير تقليدية لتزرع بداخلهم حب الخير والابتعاد كل البعد عن كل خلق مكروه ولم يقتصر تطبيق تلك الفكرة علي الأطفال فقط بل أيضا علي أولياء أمورهم الذين تم تنظيم كورسات خاصة بهم علي أيدي أكثر من 25خبيرا متخصصا..
ولم تكن فكرة تعليم الأخلاق هي المبادرة الوحيدة التي ظهرت لحث الشعب علي تغيير سلوكه بل إن هناك كثير من الحملات الشبابية التي قررت القضاء علي سلبيات المجتمع وتنظيم حملات تجوب مترو الأنفاق والمواصلات العامة فقد أطلق فريق"توعية إنسان"حملة اجتماعية بعنوان"مش وأنا مالي"لحث الشباب علي انعاش العادات الأصيلة ونبذ كل مايسيء إلي صورة المصريين..
الفريق يتكون من أكثر من عشرة شباب قرروا توعية الشباب لمواجهة سلبيات المجتمع كالتحرش الجنسي ورمي القمامة بالشارع وتعطيل حركة المترو وقطع الطريق وعدم ترك تلك السلبيات من منطلق "وأنا مالي".
وقد نجحت الحملة في تغيير بعض العادات السلبية بمحطات مترو السيدة زينب والجيزة وأقبل الكثير من المتطوعين للانضمام لفعاليات تلك الحملة..
يقول محمود بيومي صاحب الفكرة: ضرب الشعب المصري أروع الأخلاق عند نشوب ثورة يناير وبعد نجاح الثورة سادت حالة من العنف والفوضي جميع أركان المجتمع وغلبت المصالح الشخصية علي المصالح العامة وذهبت أخلاق الميدان هباء تلك الأخلاق التي بهرت العالم أجمع وكانت ملهمة للكثير من الثورات بعدها..
ويتفق معه رامي سند25سنة: وأحد أعضاء الفريق فيقول: تشهد المواصلات العامة العديد من التجاوزات الأخلاقية كل يوم دون أن يحرك الكثير من الركاب ساكنا متبنين شعار"طنش.. تحفظ كرامتك"وهو الشعار المسئول عن إهدار الأخلاق الحسنة بمجتمعنا وتوارثته الأجيال المتعاقبة متناسين دعوة كل الأديان السماوية لنشر الأخلاق الحسنة بين ربوع المجتمع بغض النظر عن الإساءات التي يتعرض لها الداعي للخير ومن المعروف أن ثورة يناير لم تكن ثورة لإسقاط النظام البائد الذي استفحل ظلمه ونال من جميع المصريين بل كانت تهدف إلي نشر القيم الحسنة وإسقاط الأخلاق السيئة فأصبحت ثورة أخلاقية هي الأخري..
ولم تكن تلك الحملة الشبابية وحدها التي ظهرت لنبذ الأخلاق السيئة بمجتمعنا بل ظهرت أيضا حملة"خلقي ثروتي"والتي أطلقها مجموعة من شباب منطقة التجمع الخامس وقرروا اتخاذ المقاهي والكافيهات نقطة انطلاق حملتهم الأخلاقية.
تقول آية صهيب إحدي عضوات الحملة: أصبح مجتمعنا المصري يفتقد لأبسط معاني الأخلاق فأصبح الصغير لايحترم ولا يوقر الكبير وزادت حالات تعدي الطلاب علي المدرسين وعقوق الوالدين وغيرها من الحالات التي يندي لها الجبين خجلا ناهيك عن عدم احترام إشارات المرور والتعدي علي رجال المرور بطريقة سافرة فأصبح المواطن لا يأمن علي نفسه بعد أن كانت مصر بلد الأمن والأمان وموطن أخلاق ولاد البلد.. وإذا كانت تلك هي المبادرات الشبابية التي اتخذت من الشارع مقرا لها ومن الشباب والكبار فئتهم المستهدفة فقد نظمت مؤسسة"أخلاقنا"برنامجا لتعليم الأطفال الذين لاتتعدي أعمارهم الستة عشر ربيعا كورسات لتعليم الأخلاق.
"آخرساعة"قررت زيارة مؤسسة"أخلاقنا" والتعرف عن قرب علي كورسات"أخلاق للبيع"وكيفية تعميم تلك الفكرة لتنتشر بين ربوع المحروسة علها تنجح ولو بنسبة ضئيلة في القضاء علي الأخلاق الذميمة التي طالت مجتمعنا.. بمجرد أن تطأ قدمك أرض "فيلا الأخلاق"كما أطلق عليها أصحاب فكرة تفاجأ بعشرات الأطفال الذين لا تتعدي أعمارهم العشرة أعوام يملأون جنبات حديقة الفيلا..
تقول إيمان صبري مديرة المؤسسة وصاحبة الفكرة: مما لاشك فيه أن أخلاق المصريين أصابها الذبول والهزال وهذا من شأنه تقويض الأخلاق الحسنة التي تربينا عليها طيلة عمرنا وأصبح الأطفال هم أكثر الفئات تأثرا بذلك التغير العقيم فقررنا تنظيم كورس تعليم الأخلاق للأطفال من سن 4 سنوات إلي 16ذلك من خلال التعليم التفاعلي عن طريق بعض الألعاب المحببة إلي قلوب الأطفال ومهارات الرسم المختلفة التي من شأنها غرس قيم الأمانة والثقة بالنفس بداخل الطفل وكيفية بناء علاقات اجتماعية ناجحة.
وتضيف إيمان: أما كورسات الكبار فتعتمد في الأساس علي المناقشة والتحليل الفعال وكيفية التعامل مع أطفالهم الذين يختلفون في سماتهم ومميزاتهم الشخصية.
»الألفاظ الخادشة« تخدش حياء المصريين
أحمد جمال
مانراه ونسمعه من ألفاظ خارجة وكلمات خادشة للحياء سواء في المظاهرات والفضائيات وعلي مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر يجعلنا نقف أمام هذا الانحدار الأخلاقي والثقافي في المجتمع المصري المعروف بخفة ظله وأدبه وأخلاقه حيث أصبحت النخبة المثقفة أيضا تستخدم ألفاظا خارجة وأمام الجميع دون حرج أو استحياء.
وهناك العديد من الظواهر التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد أننا بالفعل أصبحنا في زمن "المسخ"، فأحداث العنف التي شهدتها محافظة الإسكندرية يوم الجمعة الماضية بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه كان سببها توجيه أحد الشباب التابع للتيار المدني السباب إلي مؤيدي الرئيس وعلي أثر ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين.
وخلال الأسبوع الماضي أيضا نشب اشتباك بالأيدي بين متظاهرين أمام دار القضاء العالي بسبب ترديد أحدهم لهتافات بها ألفاظ خارجة ضد وزارة الداخلية وعندما رفض أحد المتظاهرين ذلك وقعت مشادة بين الطرفين تطورت لاشتباكات خفيفة بالأيدي، وتمكن بقية المتظاهرين من تهدئة الأجواء.
وحتي المظاهرات التي نظمها شباب التيار الإسلامي وتحديدا التي تمت مؤخرا أمام مدينة الإنتاج الإعلامي لم تخل من توجيه بعض الألفاظ الخارجة للإعلاميين أثناء دخولهم المدينة وهو ماحدث مع الإعلامي محمود سعد وعمرو أديب ولميس الحديدي.
إلا أن الإعلاميين أنفسهم لم يراعوا تواصلهم المباشر عبر الشاشات مع الأسر المصرية واستخدموا الكثير من الألفاظ الخارجة في برامجهم وهو ماجعل هيئة الاستثمار المسئولة عن تنظيم شئون المنطقة الحرة تحذر عددا من القنوات الفضائية من الإغلاق وهو ما أكده عبد المنعم الألفي، نائب رئيس هيئة الاستثمار لشؤون المناطق الحرة.
وقال الألفي في تصريحات تليفزيونية إن هيئة الاستثمار أنذرت قناة )سي بي سي (التي تطلقها شركة )المستقبل( للقنوات الفضائية، بسبب شكاوي عدد كبير من المواطنين من مضمون برنامج )البرنامج (للإعلامي باسم يوسف.
وأضاف: إن الإنذار تضمن التحذير من مخالفات أجراها برنامج (البرنامج) وهو ليس تهديدا بالغلق إنما إنذار من وجود ألفاظ خارجة تخدش حياء الأسر والأهالي، ولا تليق بعادات وتقاليد المجتمع المصري.
وأكد أن هناك أكثر من شكوي تلقتها هيئة الاستثمار والمنطقة الحرة الإعلامية من مواطنين دون أن يحدد عددها، مستبعدا وجود شخصيات عامة من ضمن الشاكين من البرنامج
وأشار إلي أن الإنذار يحث القناة علي مراعاة القواعد والمبادئ المتفق عليها، والمتعلقة بالآداب العامة، وهو عبارة عن إجراء روتيني، وفقا لشكاوي مدعمة بالمستندات.
لكن الألفي أكد أن الإنذار هو إنذار واحد، لا يعقبه أي إنذارات أخري لاتخاذ قرار علي أرض الواقع، خاصة إذا لم تستجب القناة مع استمرارها في المخالفات.
وأضاف أن "التقييم يتم من خلال مجلس إدارة المنطقة الحرة الإعلامية، وإذا جاءت شكاوي أخري مدعمة بالمستندات والسيديهات ستكون هناك ردود فعل وقرار حاسم للأمر قد يصل إلي الغلق حال عدم التزام القناة بالآداب المتفق عليها والمعايير".
أما علي الفيس بوك وتويتر فحدث ولا حرج فالألفاظ الخادشة أصبحت تستخدم وكأنها كلام عادي والغريب أنها تخرج من شخصيات عامة وبعض الصحفيين والمثقفين فمن الممكن أن يكون هناك حوار بين شخصيتين عامتين يحتوي علي عدد كبير من الشتائم والألفاظ الخارجة.
وهو ماجعل عددا كبيرا من السياسيين ينتقد مايحدث علي الفضاء الإلكتروني فالشاعر عبد الرحمن يوسف عبر عن استيائه من الآنسات والسيدات اللاتي يشتمن بألفاظ خارجة علنًا علي موقع تويتر وأعتبر مايحدث خارجا عن التقاليد المصرية الأصلية.
"إحنا في زمن المسخ" هذا ما أكدته الدكتورة نادية إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس مشيرة إلي أنه وبالرغم من أن زكي بك كان يترنح سكرانا من كثرة ما شرب، وهو يردد هذه الكلمة المؤلمة في رواية "عمارة يعقوبيان" إلا أنه وصف زماننا من 1954 إلي 2013 بوصفه الحقيقي.. وقالت إن المصريين مسخوا أرض بلادهم الخضراء، فأصبحت مسخا متعدد الألوان دون أدني لمحة من فن أو ذوق في الشكل أو التصميم أو الألوان أو راحة لعيون الناظرين.
وأضافت أننا مسخنا زراعتنا أيضا ، بعد أن كانت بلادنا تطعم العالم حبوبا وقمحا وتكسو العالم كتانا وقطنا أصبحنا نأكل القمح المستورد ويلبس أهلنا الملابس المستوردة وبارت الأرض وفشِل الزرع واعتمدنا في زراعتنا علي (خبرة) اليهود التي قصمت ظهرها واعتمدنا في غذائنا علي القرض لا علي الأرض.
كما مسخنا أخلاقنا وقيم حياتنا فانقلب الصدق خيبة والإخلاص في العمل أصبح هبلاً والتنطع أصبح نصاحة وذكاء وانعدمت لدينا الرغبة في العمل، وحلت مكانها الفهلوة واقتناص الفرص والسمسرة والعمولات. كما مسخ المصريون قواعد دينهم الذي اقتصر علي المظاهر الشكلية والقشور الخارجية وأهملنا قيمه وأسس عقيدته إلي درجة أن نسي الكثير منا يوم القيامة فانتشر سب الدين وسب الأحياء والأموات وأصبح ما نمارسه من الدين بضع شعائر يمارسها الأفراد ولا تؤثر علي تصرفاتهم وسلوكياتهم.
وأوضحت أنه بعد أن مر علينا أكثر من عامين علي الثورة، يحاول بعضنا هذه الأيام تقييم نتائجها، وهنا كانت الصدمة، فلا الثورة آتت ثمارها، ولا حتي رأينا أو شعرنا بأي آثار لأي إصلاح في هيكل الدولة، فالمسوخ أحاطت بنا من كل جانب، وتشابكت أذرعها وقرونها وذيولها وفلولها، لتخلق حولنا مسخا رهيبا.
كلمة علي
كل لسان..
»أزمة أخلاق...حضرتك«
حسن حافظ
»أزمة أخلاق حضرتك« .. هكذا قال لي حمادة، سائق الميكروباص، في تعليق سريع منه علي بعض مخالفات سائقي الأتوبيسات، لم يكن في إمكاني أن أعلق، بعد شعوري بالدوار من السرعة الجنونية ل"حمادة"، الذي يتعامل مع راكبيه بمنطق إضافة خدمة زيارة الملاهي لخدمة التوصيل، فضلا عن خرقه كل قواعد المرور أمامه بعد أن دخل في سباق مع زميل له، لكن الأهم بعد أن حمدت الله علي وصولي إلي محل عملي، اكتشافي أن معظمنا أصبح يصدر أزمة الأخلاق التي نعاني منها جميعا إلي الأطراف الأخري، فالجميع وضع مفهوما جديدا للأخلاق بأنها تبدأ عند الآخرين، تخصهم وحدهم، وكل منا اكتفي بالتنظير لواقع انهيار الأخلاق.
الجميع يتحدث في طول البلاد وعرضها عن أزمة الأخلاق بشكل أساسي، مع زيادة مساحة العنف اللفظي والبدني في المجتمع، فمن أحداث عنف بين رجال الشرطة والمتظاهرين، إلي عنف المتظاهرين مع بعضهم، مرورا بأحداث القصاص الشعبي الذي كشف عن الجانب السادي في الشخصية المصرية المعاصرة، ناهيك عن الصراخ؛ الذي لا مانع في استخدام أسلحة السباب خلاله، علي الفضائيات بين ممثلي التيارات المدنية والإسلامية، وليس انتهاء بانعدام احترام الكبير واختفاء الرحمة بالصغير، في ظل انهيار كامل لمنظومة الأخلاق المجتمعية التي نعاني منها منذ سنوات، مع تغلب قيم المجتمع الاستهلاكي وارتفاع أسهم الفردية علي حساب مفهوم الكل في واحد الذي ميز الشعب المصري لقرون عديدة.
ما يحدث في الشارع من خرق يومي للقانون يشاهده الجميع في استهجان، لكن من يستهجن الفعل يفعله بعد قليل، هذه هي القاعدة التي نقع فيها جميعا دون الشعور بأيّ تناقض، فتجد صديقك عندما يشاهد شخصا ما في التليفزيون يسب، يقول: »شوف ابن.. بيشتم إزاي«، يردد الشتيمة بلا أيّ إحساس بالتناقض أو الذنب، معظم سائقي السيارات يعتقدون أنهم من وضعوا قواعد المرور في العالم لذلك فلا ضرر من خرق بعض القوانين، والسير عكس الاتجاه وكسر الإشارة أمور عادية، فالشوارع زحمة و"لا أحد يحترم القانون" هكذا قال حمادة سائق الميكروباص، الذي كشف لي بصراحة لا يحسد عليها في ظل الأوضاع التي نمر بها أنه لا يملك رخصة قيادة لأنه ببساطة لا يملك بطاقة شخصية فهو "هربان من الجيش"، يقصد أنه لم يتم فترة تجنيده.
حمادة المتصالح مع خرقه اليومي للقانون، وسبابه اللفظي الذي يهدم أعرق المنظومات الأخلاقية، بدا معبرا عن قطاع عريض من الشعب الذي نحيا في تضاعيفه، يلخص المأساة اليومية ويكشف عن اهتراء المنظومة الأخلاقية التي ندعيها كمسوح الرهبان، التي يرتديها شيطان يدعي الفضيلة، ف"حمادة" حالة تلخص مجتمعا بأكلمه.
ذكّرني حمادة سائق الميكروباص بحمادة آخر، حمادة صابر بطل واقعة التعري، كذب علي الجميع تراجع في أقواله أكثر من مرة، لكنه لخص حال بلد وشعب مذبذب، كل شيء يرقص في هذا البلد ولا يعرف الثبات، كلاهما يكشف جانبا من أزمة المجتمع الأخلاقية، الصدام بين أخلاق الريف والمدينة كان حادا، لم ينتصر فيه أحد، والنتيجة كائن مشوه، مدينة بأخلاق ريف، لو شئت الدقة ريف بأخلاق مدينة، باختصار عشوائيات مكانية احتضنت عشوائيات أخلاقية، تحتمي بمجتمع يدعي التدين الذي أصبح مظهرا لا سلوكا.
عندما تشاهد القنوات المحسوبة علي التيار الديني، تكتشف أن الأديان لم تعد تدعو إلي الرحمة والموعظة الحسنة؛ هكذا يقدمونه، فالجميع يسب ويقذف بأقذع الألفاظ، التكفير أصبح كالعلكة علي كل لسان، الفضائيات المسيحية ليست استثناء، بل هي دليل علي الوحدة الوطنية المتحققة في البلاد، علي الفضائيات وحدها، تشارك أخواتها الإسلامية في حفلة اللاأخلاق، أما القنوات المحسوبة علي التيارات المدنية؛ دعاة الديموقراطية، فلا حديث إلا عن الإقصاء المزود بباقة منتقاة من سباب المثقفين، فالكل مدان والجميع متهم في قتل الأخلاق وتشييع جنازتها ودفنها، وكأننا دخلنا جميعا "أرض النفاق" التي أبدعها يوما الروائي يوسف السباعي.
ظاهرة "أزمة أخلاق حضرتك"، يري فيها الأستاذ الدكتور علي ليلة، أستاذ النظرية الاجتماعية بجامعة عين شمس، نتيجة طبيعية لانهيار البنية الثقافية والأخلاقية للمجتمع ككل، نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها مصر في العقود الأخيرة، فالشعب غير جلده من الفكر القومي إلي الاشتراكي ثم الليبرالي إلي الليبرالي الجديد وانتهاء بفكر الإسلام السياسي، وكأن الشعب يغير جلده كل عشر سنوات، وهو ما أدي إلي خلق مجتمع مشوه أخلاقيا، فانتشرت ثقافة الفساد وقيم الانتهازية والوساطة وتعددت حالات التحرش والاغتصاب والانفلات اللفظي، فضلا عن تعرض المجتمع لغزو ثقافي نتيجة لثورة التكنولوجيا، فتحول المجتمع إلي مستقبل لعادات غريبة عن قيمنا »المتوارثة«.. وتابع ليلة ل »آخر ساعة«: هناك بعدان أساسيان يتحكمان في منظومة الأخلاق، أولهما الضمير الداخلي الذي ينشأ من خلال التربية، لكن لأن الأسرة المصرية تعرضت للانهيار والدليل علي ذلك ارتفاع معدل الطلاق، فيما سقطت المدرسة تحت وطأة الدروس الخصوصية، بينما العامل الثاني يتمثل في المنظومة القانونية التي تفرض منظومة الأخلاق بالقوة، وللأسف هناك استخفاف بالقانون في الشارع، نتيجة ضعف جهاز الشرطة".
وأكد أستاذ النظرية الاجتماعية أن الأمل معقود بوجود منظومة قانونية قوية تفرض هيبتها علي الشارع وتفرض المنظومة الأخلاقية بالقوة، حتي ينصلح حال مؤسسات تربية المجتمع المتمثلة في الأسرة والمدرسة.
أصابع الاتهام تشير إلي الثوار:
اختفاء الكبير
عبدالصبور بدر
اختفي وجود الكبير، لم يعد أحد يشاهده منذ قيام ثورة يناير، تغيب عن المشهد فاهتزت الصورة، وتعملق الصغار ليصيبوا البلاد بفوضي أخلاقية (قد يكون) من المستحيل ترويضها، انفجرت البذاءة، وامتدت ألسنة الصبية بألفاظ نابية تشبه كرابيج تجلد المارة في الشوارع، والجالسين في المقاهي، والواقفين في الباصات، والذاهبين إلي أعمالهم في المترو، والعائدين منه في الميكروباص، وامتدت الأيدي لتتحرش وتسرق وتتشاجر وتتلف الجمال والحضارة والممتلكات العامة.
اختفي وجود الكبير الذي كانت إشارة منه تنهي معركة كبيرة، حين يأمر المتخاصمين بالصلح ويفرض سيطرته علي الوضع، وكان الاحتكام إليه ضرورة؛ فهو من يمنع الأذي، ويلجأ إليه الضعيف، ويتجنبه الأقوياء، كلمته مسموعة، وطاعته واجبة، وعصيانه يجلب العار والعقوبة.
وكان الغريب إذا تعرض للظلم يستطيع العثور عليه، ليأتي له بحقوقه كاملة، عدم معرفة اسمه لايعني أي مشكلة، ذلك لأنه يحمل الكثير من الأسماء، فهو شخص متعدد، توجد منه نسخة في كل مكان، ويظهر في الحال إذا تعقدت الأمور، خبرته تمكنه من الحل.. واحترامه يضمن بسط نفوذه، وهيبته تمنع من يتجرأ علي مخالفته.
يتهم سمير أبو المجد – مدير مدرسة- الثوار بقتل الكبير، يقول إنهم فعلوا ذلك حتي يضمنوا نجاح ثورتهم، وجوده كان سيعيقهم من الحركة، ويمنعهم من أداء مهمتهم، وبعد سقوط مبارك وعصابته شعروا بالحنين والحاجة إليه لاستكمال المشوار والسير خلفه في طريق يحتاج إلي حكيم مثله لمعرفة دروبه، وحين أرادوا بعثه من جديد فشلوا، لأنهم تناحروا فيما بينهم، بينما استعادة الكبير كانت تتطلب اتفاقهم حول كلمة واحدة تفرقت فيما بينهم ولم يعد لها وجود.
ويتذكر محمد عبد الجواد – إمام مسجد – أيام كان الكبير له من الهيبة ما يفوق الشرطة وهي في كامل جبروتها، يحكي عن قريته الصغيرة في الصعيد التي لم يكن فيها أحد يلجأ إلي نقطة الشرطة في وقت كان الكبير يفتح "مندرته" لاستقبال أطراف النزاع، ويحل أعتي المشكلات ببساطة، بما فيها مشكلة الثأر دون أن يتمرد أحد عليه أو يتطاول علي مقامه.
وخلف عربية الفول يحدثنا عم عبده - وهو يقدم لزبائنه ما يطلبونه– عن افتقاد الشارع والحارة للكبير الذي كان له من الوقار ما يجعله في أعين الجميع، ومن الإرادة ما يستطيع أن يفرض شروطه علي الكل، ويسألني: " دلوقتي فين الكبير.. بص حواليك كده.. كله عامل فيها كبير.. ومفيش حد بيحترم حد ولا حد عايز يسمع كلمة حق.. كله بيتصرف من دماغه.. وإذا حبيت تنصح عيل صغير بيعمل حاجة غلط وتقول له عيب.. يهب فيك زي وابور الجاز.. وعلي إيه خليك في حالك أحسن.. مفيش غيره ربنا هو الكبير وقادر يبعت لنا الحل من عنده"
ويلفت أحمد العزب محاسب إلي أن التجمعات الإلكترونية بقدر ما ساهمت في بناء الثورة بقدر ما هدمت أخلاقها ويضرب مثالا ب " فيس بوك" و"تويتر" وما يفيض به كل منهما من شتائم وعبارات نابية تخرج من شباب المفترض أنهم علي درجة عالية من الوعي، والثقافة، ويجب أن يكونوا قدوة لغيرهم لأنهم قاموا بثورة كانت النموذج علي طهارة اللسان والسلمية، ويتساءل: كيف لا تخجل فتاة من كتابات كلمات مكشوفة وتتفاخر بأنها تجيد الشتم، وكيف لشاب متعلم أن يضمن في كلامه كل ما هو خارج عن الحياء.
ويوضح الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس أنه في ظل الانفلات الأمني، والإعلامي، والسلوكي، أدي ذلك إلي انفلات أخلاقي خاصة في ظل وجود نخبة في المجتمع تقدم نموذجا من التخوين والتكفير والاتهام، مما يساعد علي عدم احترام هذه النخبة، واحترام آرائها، وأفكارها.
ويضيف: لم يعد هناك احترام لثقافة الاختلاف، أو آداب الحوار، وعدم احترام القوي المعارضة لنظام الحكم السائد.
ولأن الثورة قام بها الشباب، فقد منحوا لأنفسهم حقا زائفا، بأنهم قادرون علي أن يفعلوا ما يشاءون، ويقولون ما يريدون، دون ضوابط لهذا أو ذاك، مع عدم مراعاة احترام التاريخ والخبرة والعلم.. من هنا أصبح لدينا للأسف نوع من السيولة الأخلاقية وما ينتج عنها هو ما نشاهده في الشارع المصري من بلطجة وتثبيت، وتحرش، واغتصاب، وعدم احترام المرور، بل وصل الأمر إلي عدم احترام الدولة، وإذا كان ذلك يجوز في الفترة الانتقالية فهل يجوز أن يصيب ذلك الدعاة علي منابر المساجد والقساوسة في الكنائس.
ويلقي الدكتور يحيي بالمسئولية علي من يتولون التشريع، والأحزاب، ويأسف لما وصل إليه الخطاب الثقافي العام، وما آل إليه الإعلام، ومن يتحدثون باسم الدين. ويقول: أصابهم ما أصاب السلوك من انفلات أخلاقي وبنظرة موضوعية بتحليل مضمون هذه الأشكال من التواصل الثقافي والإعلامي، نكتشف ضياع الخطوط الفاصلة بين حق النقد وبين الإهانة والتجريح.بل وصل الأمر إلي إساءة مفهوم الحرية الذي جاءت به الثورة.
ويشترط أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس إذا أردنا أن نستعيد الأخلاق، أن نصنع لأنفسنا ولمجتمعنا قدوة قادرة علي أن تكون النموذج، والمثل للخلق القويم، والسلوك الصحيح، وأن يسود العدل مع سيادة القانون فبدونهما لن نعثر علي طريق للأخلاق التي ننشدها، ففي غياب العدل لا توجد أخلاق للمجتمع.
أسأله كيف نصنع هذا النموذج فيجيب: النماذج لا تصنع! بقدر ما نلزمها بالقواعد الأخلاقية والسلوكية والأعراف العامة التي يجب أن تسود في المجتمع، وهذه النماذج يسيطر عليها أو يتمثلها الآن فئة باغية، طاغية، تدعي التدين الزائف، والأخلاق المتلونة، طالما أنها تخدم مصالحها، فإذا عارضها معارض أو نقدها ناقد، فالنتيجة سيل من الاتهامات والتجريح، وللأسف باسم الدين!
ومن هنا يجب أن نحسّن من الخطاب السياسي العام، والخطاب الثقافي العام، والخطابين الإعلامي والديني، حتي تكون هذه النماذج موجودة لنستطيع بعدها أن نعثر علي الأخلاق.
ويري الدكتور يحيي أن مفهوم الكبير هو مفهوم استبدادي يتضمن نوعا من الطغيان، فالكبير لا يكون بالسن، أو المركز الاجتماعي والمهني، إنما الكبير هو من نكبر به ونكبر معه، بعلمه، وسلوكه، وإنجازاته، وليس بأقواله، واداعاءاته.
وينظر إلي كبراء هذا الزمان علي أنهم يقولون ما لا يفعلون، ويدعون قدرات لا يملكونها، وأخلاقا لا يتعاملون بها، ومن هنا يصبح نموذج الكبير نموذجا سيئا ومشوها.
ويختصر الدكتور أحمد عبد الله زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أسباب غياب الكبير في نقطتين رئيسيتين أولاهما أن ثورة يناير أفرزت طاقة مجتمعية شبابية، وقال إن هذه الطاقة غير مستثمرة، كما أنه لا توجد خطة لاستثمارها أو توظيفها.
ويشرح الأمر قائلا: كل الناس خرجت من كهوفها الحجرية، دون وجود خارطة لاستغلال هذه الطاقة فظهرت في اشكال منفرة علي هيئة شتائم، وصراخ، وتخبط، واحتكاكات هنا وهناك، وهي الآن منطلقة ولا تجد من يوجهها.
أما النقطة الثانية: فهي القيم التي كان بإمكانها تدوير الطاقة الإنسانية، ودورة القيم كانت مرتبطة بوجود الكبير الذي هو في عرفنا السائد الضبط من الخارج، بمعني أنك لو شاهدت علي سبيل المثال طفلا يخطئ تجد من يقول له: "العيب مش عليك العيب علي أهلك اللي معرفوش يربوك" وإذا صادفت امرأة تتعرض لرجل يقول الناس" الحق علي جوزها معرفش يشكمها".
وهكذا تمت البرمجة علي أن المشكلة تكمن في الضبط من الخارج، وبالتالي غياب البوصلة الداخلية لضبط السلوكيات بما يناسب الضبط الخارجي.
ويشير الدكتور أحمد زايد إلي أن الكبير هو صاحب الخبرة، والحكمة، والتجربة، فهو من يسمع، ويتبادل المشورة، ويعطي العلاج، بينما يرتبط في أذهان البعض بأنه الفرعون، المتسلط، الذي يأمر ويجد من يسارع لتنفيذ أوامره وهو الثوب الذي لبسه الزعيم جمال عبد الناصر ولم يفارقه.
ولأن شعبنا تعود علي عملية الضبط من الخارج، والاحتكام إلي الكبير فإن أي خطأ يصدر من الصغار يتهم الكبير بأنه المسئول عنه مسئولية مباشرة!
ويستشهد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة بعالم النفس الشهير فرويد الذي تحدث عن نظرية قتل الأب، بينما ما حدث في الثورة هو قتل معنوي لهذا الأب (أو الكبير) ولكن ما حدث في الحقيقة أنهم قتلوا الأب وظلوا صغارا.
وكأنه لابد من التسلط لإدارة الأمور وضبط الانفلات الأخلاقي، وما نحتاجه في الحقيقة هو ضبط النفس من الداخل، يمكننا أخذ الحقوق بدون صراخ أو تطاول، أو أن نتعرض للضرب بالعصا علي اعتبار أننا لم نعد أطفالا!
وهذا ما نبحث عنه بالفعل؛ توليد آلية ونظام مختلف عن التسلطية، وإلا ففي عدم الضبط من الداخل استعادة للتسلط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.