خالد مشعل وإسماعيل هنية كل شيء تم فجأة وفي تكتم شديد.. المكتب السياسي لحركة حماس أجري انتخاباته سراً في القاهرة الأسبوع الماضي، بينما احتفظ خالد مشعل برئاسته، في مفاجأة لم تكن متوقعة، خاصة في ظل إعلانه السابق بشأن تخليه عن الموقع، وعدم خوض المنافسة عليه مجدداً.. فيما تبقي الإطاحة بعدد من قيادات حماس من عضوية المكتب، وعلي رأسهم وزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية المقالة محمود الزهار، إشارات مهمة جديرة بالبحث والتحليل، وسط أنباء عن تغيير تلك الانتخابات للتركيبة البنيوية لقيادات حركة المقاومة الإسلامية، التي تسيطر علي قطاع غزة منذ 5 سنوات ماضية، بضوء أخضر مصري قطري تركي. إلا أن مصادر فلسطينية مطلعة قطعت ل»آخر ساعة« بأن الأمر يرتبط بإيران بطريقة أو بأخري. الخروج اللافت للزهار من المكتب السياسي لحماس، صاحبه خروج قياديين بارزين آخرين بحجم عزت الرشق وسامي خاطر، بينما عاد محمد نزال مرة أخري لعضوية المكتب، في مقابل الظهور الأول لأربع قيادات جدد هم: روحي مشتهي ويحيي السنوار وماهر عبيد وصالح العاروري، فضلاً عن صعود رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنية، لموقع نائب رئيس المكتب، خلفاً لموسي أبو مرزوق. الحمساوية برروا عودة مشعل للمشهد مجدداً، وعدم امتناعه عن خوض انتخابات المكتب السياسي لحماس، كما سبق أن أكد قبلاً، بأن الوضع الدولي والإقليمي، وفي الداخل الفلسطيني، قد وصل لدرجة كبيرة من الخطورة، بحيث يصبح غيابه عن قيادة الحركة، قراراً غير صائب، خاصة أنه يملك خبرة طويلة، وتجتمع بين يديه الكثير من الملفات وربما الكروت الرابحة. وبينما أعلنت حركة حماس رسمياً، أنها جرت انتخابات رئيس وأعضاء المكتب السياسي في القاهرة، في أجواء وصفتها بالشورية والأخوية، ووسط مناخ ديمقراطي، لكن التسريبات تفيد بأن مقدمات الانتخابات لم تكن علي نفس القدر من الود، وأن الإطاحة بالزهار تحديداً، ربما جاءت نزولاً علي رغبة القاهرة، وربما أيضاً جماعة الإخوان المسلمين (الجماعة الأم لحماس) الطامحة في مساندة الدكتور محمد مرسي، علي أمل أن يحقق نجاحاً يحسب له في الملف الفلسطيني. لكن الزهار بدا واقفاً علي طرف نقيض من هذا الأمر، علي خلفية انتقاداته العلنية المستمرة لمشعل وفريقه، ورفضه التام لإتمام ملف المصالحة الفلسطينية مع حركة فتح، فضلاً عن سابق معارضته لاتفاقه الهدنة مع إسرائيل، الذي تم بواسطة مصرية. رغبة القاهرة تماهت علي ما يبدو مع سعي واضح من قبل قطر وتركيا، لتبييض وجه حماس دولياً، وشطبها من لائحة المنظمات الداعمة للإرهاب، عبر تحويل القيادة في الحركة إلي وجهة معتدلة، علي أن تتمتع في الوقت ذاته بصفات برجماتية وعملية، قد تتيح لها اتخاذ خطوات غير تقليدية، في ملفات حساسة، مثل المفاوضات مع إسرائيل علي سبيل المثال. وعلي وجاهة الفرضية السابقة، فإن الباحث والكاتب الفلسطيني، الدكتور سمير غطاس، يلفت النظر إلي أمر مغاير، وإن كان يرتبط أيضاً بمسألة دفع حماس في اتجاه طريق الاعتدال (حتي ولو ظاهرياً) للمشاركة في ترتيب المنطقة بما يحقق أكبر مكسب لإسرائيل، حيث يقول ل"آخر ساعة" بوضوح "الإطاحة بالزهار يرتبط بالأساس بصراع ومنافسة شرسة بين مشروعين داخل أروقة حماس في الفترة الماضية، مشروع يستند إلي تنسيق مع القاهرة والدوحة وأنقرة يقوده مشعل وهنية وفريقهما، ومشروع مضاد يرتبط بإيران ويقوده الزهار ووزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية المقالة، فتحي حماد، خليفة القيادي الحمساوي الذي اغتال علي يد الإسرائيليين سعيد صيام". ولمن لا يعرف فإن فتحي حماد، كان قد اتهم الشهر الماضي من قبل إسرائيل بالتخطيط لعمليات مقاومة ضدها، بينما كان قد قال قبل نحو أربعة شهور، في تصريحات مفاجئة غير متوقعة، أن حركة حماس تنوي تأسيس وزارة دفاع وجيش خاص بها في قطاع غزة، الأمر الذي أثار مخاوف فلسطينية وعربية، وربما دولية أيضاً، من ضرب ملف المصالحة وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، في مقتل، إذا ما تم تنفيذ كلامه. ناهيك عن تصريحات شديدة الخطورة، تسربت علي لسانه قبل أيام قليلة من انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر، العام الماضي، ولم ينفها حتي كتابة تلك السطور، بأنه عندما تدين دفة القيادة للإخوان في مصر، فإن موازين القوي في العالم ستتغير، وسيدين الحكم لهم (ربما يقصد حماس أو الإخوان بصفة عامة) في العالم العربي، بدعوي أن من أسماهم بالأجانب يريدونهم علي رأس السلطة في المنطقة. كما أنه انتقد مشعل واعتبر أنه يمثل نفسه، في إشارة منه لموافقة الأخير علي منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، فرصة التفاوض علي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، فيما وصلت صدماته مداها بالقول إن المصريين لا يعرفون مصلحتهم، ويعملون وفق رؤيتنا (يشير لحركة المقاومة الإسلامية)، وأنهم تحت حكم الإخوان، وعلي عكس ما كان أيام مبارك سيرتبطون بإيران. في هذا الشأن يقول غطاس "الخلاف بين الزهار وحماد من جانب، وقيادات حماس من جانب آخر، بدا علي أشده في الفترة الأخيرة، حتي أن الزهار سافر إلي لبنان وأعلن من هناك أنه لا تراجع عن الجهاد، ووجه الشكر لإيران، ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، باعتبارهما يرعيان المقاومة، في حين توجه حماد إلي إيران عبر مصر، ثم عاد بعدها ليتحدث عن ضرورة تأسيس وزارة للدفاع خاصة بحماس، سماها وزارة دفاع الخلافة الإسلامية". غطاس لفت كذلك، إلي أنه عند وصول خالد مشعل لأول مرة إلي غزة، بعد 49 عاماً من خروجه منها، لإحياء الذكري الخامسة والعشرين لتأسيس حماس، لم يتمكن فتحي حماد من كتم خلافه معه، حتي أنه غادر الاجتماع الذي عقده رئيس المكتب السياسي للحركة، مع قادتها، بعد أقل من ربع ساعة من بدايته". ما فسره بعض المراقبين ساعتها، بأن حماد وبالطبع الزهار وفريقهما، اعتبروا أن دخول خالد مشعل لغزة، يعني تغييراً ضمنياً في وجهة نظره التاريخية الرافضة للسلام مع إسرائيل، وموافقة غير مباشرة علي اتفاق أوسلو ومحادثات مدريد، التي طالما رفضتها حماس، انحيازاً لمبدأ المقاومة، وعلي ما يبدو أن الحركة قد قررت أخيراً دخول لعبة السياسية، وتحقيق أكبر مكسب ممكن في لعبة التسوية الضخمة التي توشك علي الإنجاز في المنطقة، والتي تتطلب بصورة أساسية إخراج إيران من المشهد برمته، بتقليم أظافرها في فلسطين (حماس) ولبنان (حزب الله)، والإجهاز علي حليفها الأكبر، نظام الأسد في سوريا.