تبدو أحيانا الأشياء البديهية، في حاجه لإعادة النظر والمناقشة وكأننا لانخطو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، وكأن من يعملون بالصحافة الفنية لايدركون شيئا عن طبيعة ما يكتبون عنه، أو يناقشونه، في الآونة الأخيرة حاصرتني أسئلة من بعض محرري الصفحات الفنية، أهمها ما رأيك في اختيار أيتن عامر لتلعب دور سعاد حسني في فيلم الزوجة الثانية، وأجد نفسي مضطرة لشرح مالايحتاج للشرح، أن أيتن عامر لن تلعب دور سعاد حسني ولكنها سوف تؤدي دور فاطمة الزوجة الجميلة، التي قرر عمدة البلد المتسلط أن يطلقها من زوجها أبو العلا ويتزوج بها لأن امرأته عاقر!يعني دور فاطمة مش مكتوب باسم سعاد حسني، ولكنها لعبته في فيلم من إخراج صلاح أبو سيف وكانت رائعة، ومن حق أي مخرج آخر أن يقدم نفس قصة الزوجة الثانية التي كتبها رشدي صالح، بمعالجة مختلفة، وأن يختار طبعا ممثلين آخرين غير هؤلاء الذين لعبوا بطولة الفيلم، وإن المصادرة علي حق المخرج في الاختيار، أو التسرع بإصدار أحكام أن المسلسل لن يكون بقوه الفيلم أمر سابق لأوانه، ولايجوز مطلقا، لأنه من المفترض أن يحمل بعض الإضافات والاختلاف عما ظهر في الفيلم الذي تم إنتاجه من قرابة نصف قرن تقريبا! ويتحدث "محررو الصحافة الفنية" علي أن إعادة تقديم الروايات أو الأفلام الناجحة هو نوع من الإفلاس والاستسهال! وهو اتهام يعبر عن نوع من عدم المتابعة ولن أقول الجهالة! لأن حكاية إعادة تقديم الأفلام أو الروايات ذائعة الصيت، أمر يحدث دائما وبشكل منتظم في السينما العالمية، وفي عالم المسلسلات الأجنبية أيضا، ولو كان هؤلاء يتابعون حتي الأخبار الفنية، أو ما يعرض في دور السينما لأدركوا أن العام الماضي تم تقديم رواية البؤساء في فيلم سينمائي بعد أن تم تقديمها علي الأقل عشر مرات سابقة في أفلام ومسلسلات وعلي خشبة المسرح أيضا، ونفس الحكاية حدثت مع رواية أنا كارنينا، هذا بالنسبة للأفلام المأخوذة عن روايات ولكن إعادة تصوير الأفلام الناجحة مرة أخري أو "الريماك " بفريق عمل جديد، هو أمر يحدث كثيرا في سينما العالم المتقدم دون أن يلاحقه الاتهام بالاستسهال أو استغلال النجاح أو الإفلاس، لأن كل عمل فني ينال نفس الجهد حتي لو كان عن حكاية معروفة وسبق طرحها، لأن السيناريو الجديد لابد له من تفاصيل مختلفة تتفق مع رؤية العصر، أو رؤية كاتب السيناريو والمخرج إذا كانا قد قررا الاحتفاظ بعنصري الزمان والمكان للفيلم الأول! وتابعت مؤخرا أحداث فيلم" توقعات عظيمة " GREAT EXPECTATION" المأخوذ عن روايه لتشارلز ديكينز، وسوف تندهش إذا علمت أنها المرة الرابعة والثلاثون التي تتعامل فيها السينما العالمية مع نفس الرواية وتقدمها في أفلام سينمائية أو تليفزيونية، تحمل طبعا نفس الاسم، بنفس الشخصيات والأحداث، وسوف تندهش أيضا أن لكل منها طابعه ومذاقه الخاص، ولكن اتفق رأي النقاد علي أن نسخة المخرج ديفيد لين التي قدمها عام 1946 كانت الأفضل حتي الآن! ربما تليها النسخة التي تم تقديمها في عام 1998 من بطولة روبرت دي نيرو، وجوانيت بالترو، وإيثان هوك، أما أحدث تلك النسخ فهي من إنتاج آخر عام 2012 وكان عرضه التجاري مع بدايات العام الحالي، وهو من إخراج مايك نويل، الذي سبق له تقديم فيلم أربع جنازات وجوازه، الحب في زمن الكوليرا، دوني بريسكو، الجزء الثالث من سلسلة هاري بوتر، ويقوم بأدوار البطلولة في فيلم توقعات عظيمة نسخه 2012 كل من رالف فينيس، وهيلينا بونهام كارتر، والممثلة الشابة هوليداي جرانجر، وجيرمي إرفين . تدور الرواية حول الصبي اليتيم "بيب" الذي يعيش في قرية صغيرة، مع شقيقته قاسية القلب وزوجها الطيب، الذي يعامل بيب وكأنه صديقه أو ابنه الذي لم يلده، زوج الشقيقة يعمل في مهنه يدوية وهي الحدادة، وحظه من العلم والذكاء محدود، بينما بيب لديه طموح في التعلم، ومعرفة ما يدور خارج حدود قريته الصغيرة، ويحدث أن يذهب "بيب" في أحد الأيام لزيارة مقبرة والدته، فيفاجأ بسجين هارب رث الثياب، يخرج عليه من بين الأشجار فيخيفه مظهره، ولكن هذا السجين الهارب"ماجويش " يطلب منه أن يأتيه ببعض الطعام، وبآلة حادة يقطع بها قيوده، ويحذر الصبي من إخبار أحد من أهل القرية بوجوده، ويذهب الطفل إلي منزله، وقد عقد العزم، علي مساعدة هذا السجين ويحتفظ بسره الصغير لنفسه، ويقدم للسجين الهارب الطعام والآلة التي طلبها، ولكن بعد أيام تستيقظ القرية علي مطاردة الشرطة لبعض السجناء الهاربين ويكون بينهم، ماجويش ويعتصر الألم قلب الصبي، عندما يراه مرة أخري مكبلا بالأغلال وتقوده الشرطة ليقضي بقيه عمره في السجن! وعلي الجانب الآخر، يتلقي الصبي بيب دعوة لزيارة قصر السيدة "هافشايم " وهي امرأة غامضة غريبة الأطوار، تتصرف بجنون، وتعيش في قصر مظلم ورطب ولايبدو فيه أي أثر لحياة، وعندما يلتقي بها الطفل لأول مرة يجدها ترتدي فستان عرس مهلهلا، يبدو أنها لم تخلعه من سنوات طوال، ويعرف بعض تفاصيل عن حياتها فقد كانت تحب شابا منذ سنوات وعدها بالزواج واستعدت للعرس، وعزمت كل كبار رجال القرية وعائلاتهم، ولكن العريس تخلي عنها وكسر قلبها، فظلت من يومها في حالة غل تنتظر لحظة انتقام لاتعرف ممن، وأوقفت عقارب الساعة علي اللحظة التي تلقت فيها خبر، اعتذاره عن عدم الزواج منها، تعرض مسز "هافشايم" علي الصبي الصغير، أن يحضر بين الحين والآخر ليلعب مع ابنة شقيقها ستيلا، وهي صبية بالغة الجمال، ولكنها متعجرفة دربتها خالتها علي القسوة، استعدادا لتحولها إلي سلاح تنتقم به من كل الرجال وتكسر قلبوهم، ولكن يحدث أن يقع الصبي في حب ستيلا، ولايطيق البعاد عنها، وهنا تقرر مسز "هافشايم" أن تطرد الصبي وتمنعه من الحضور إلي قصرها وتفرق بينه وبين ستيلا، ويتلقي بيب عرضا غريبا من محام، جاء خصيصا من لندن، ليخبره ان أحد الأثرياء قرر أن يتبناه ويصرف علي دراسته في لندن، بشرط ألا يسأل عن شخصية هذا الثري ولايحاول البحث عنه، كل ماهو مطلوب منه أن يحقق نجاحا ملحوظا في دراسته ويتحول من صبي ريفي إلي جنتلمان إنجيلزي ، ويحدث هذا فعلا عبر عدة سنوات، لم يستطع خلالها بيب أن ينسي حبه لستيلا، التي أصبحت فتاة يافعة وشديدة الجمال والروعة، ولكن قلبها القاسي لم يتوقف عن كسر قلوب الرجال، كما دربتها خالتها البائسة، وفي مفاجأة وتحول ميلودرامي ، يكتشف "بيب" أن الثري الذي تعهد بالإنفاق عليه طوال فترة دراسته، هو نفسه السجين الهارب "ماجويش" وبظهوره مرة أخري في حياته، تتكشف له بعض المفاجآت والحقائق التي كانت غائبه عنه! يقدم الفيلم صورة شديدة الروعة لأجواء مدينة لندن في القرن التاسع عشر، مع الاهتمام بتفاصيل المكان والزمان من ملابس وماكياج وشكل معماري، وقد منح مدير التصوير غلالة من اللون الرمادي علي الصورة ليمنح الأحداث تلك الرؤية الضبابية التي تميز مدينه لندن وخاصة في زمن أحداث الرواية! وهنا لايقول النقاد أن دور جوانيت بالترو في نسخة 1989 تلعبه النجمة الشابة هوليداي جرانجر، ولكنهم يقولون دور ستيلا في رواية توقعات عظيمة لعبته فلانة ومن الممكن أن يعاد تقديم نفس الرواية بممثلة أخري أو ممثلات آخريات فهذا أمر عادي جدا، ولكن البعض لايستوعب هذا.