أتوبيس النقل العام نموذج مصغر لمصر بكل مافيها من عشوائية وعدم استقرار، فإذا تغيرت صورة الأتوبيس تتغير صورة مصرً ففي الفترة الماضية احتج العاملون بهيئة النقل العام علي الأساليب التي تدار بها هيئة النقل العام والرواتب التي يحصلون عليها فثار السائق والمحصل ونظموا إضرابا عاما عاقبوا فيه الفئة التي تمثل أغلبية المجتمع وتحيا مضغوطة متعبة طوال السنوات وتحاول بكل الطرق أن تمشي حياتها باستقرار مؤقت ومصطنع وملفق، وبعد أن حصل العاملون في الهيئة علي حقوقهم لم ينفذوا ما عليهم من واجبات فالإهمال منتشر بجميع اتوبيسات النقل العام سواء كانت المميزة أو العادية التي تفوح منها رائحة السولار والشحم يغطي مقاعدها وصوت موتور الأتوبيس يعبر عن موسيقي خلفية للركاب، هذا بخلاف الحشرات التي تجوب أنحاء الأتوبيسات والمهملات التي تغطي أرضية العربة وغيرها من المشاكل التي تسببت في هروب الركاب منها والتوجه إلي السكك الحديدية وهو البديل الأسوأ، آخر ساعة قامت بجولة في مواقف اتوبيسات النقل العام. البداية كانت من موقف المنيب الذي يمثل نموذجا لأعطال الأتوبيسات وعدم انتظام مواعيد رحلاته.. نفس المشاهد تتكرر في مختلف وسائل النقل الزحام الشديد والأجساد متلاصقة والأنفاس ملتهبة والنظافة غائبة والسلوكيات سلبية فالركاب يستخدمون وسائل المواصلات في نقل كل شيء أو أي شيء: طيور وخضراوات وفواكه وأسماك وأجهزة منزلية ومنقولات وغيرها، وبرغم أن وزارة الصحة أصدرت تعليماتها بتطهير وسائل النقل إلا أن المشهد العام وشكاوي المواطنين تؤكد أن النظافة منعدمة فهل تكفي الملصقات المنتشرة بوسائل المواصلات لمنع الخطر دون أن يواكبها تغيير في سلوكيات الركاب أو إجراء تفتيش دوري من العاملين بالهيئة والقيام علي التطهير المستمر لهذه الوسائل. فعلي سبيل المثال النقل العام في موقف المنيب والجيزة وخاصة الخطوط المتجهة إلي الحوامدية والهرم وترعة الزمر فهي تحمل الركاب وأوعية الأرانب والحمام وغيرها من السلع متجهين بها إلي وسط العاصمة . وعن ذلك يقول أحمد متولي موظف، عملي يحتم علي الاستيقاظ مبكرا والذهاب إلي عملي الثامنة صباحاً لذلك لم يعد أحد يعتمد علي اتوبيسات النقل العام في الذهاب إلي عمله بخلاف المهملات والشحم الذي يغطي مقاعد وجدران الأتوبيس فالموظف يخرج من بيته يرتدي طقما نظيفا ومكويا يخرج والشحم والأتربة تغطي ملابسه. ويضيف عدم نظافة اتوبيسات النقل العام لايقع عبئها علي هيئة النقل العام فقط بل سلوكيات المواطنين الذين يستخدمون وسائل المواصلات في نقل الحيوانات والطيور والأجهزة المنزلية هي مسئولة أيضاً عن تهالك النقل العام وجعله وسيلة غير آدمية. ويلتقط منه طرف الحديث أسامة عبدالمنعم الذي يعمل موظفا في مدينة نصر، العاملون بهيئة النقل العام نظموا إضرابا للمطالبة بحقوقهم ولم يقوموا بتنفيذ ما عليهم من واجبات مواعيد الأتوبيسات غير منتظمة وخاصة وردية الأتوبيس التي تبدأ من الثانية ظهرا وأغلب سائقي خطوط وسط المدينة يهربون داخل أحد المواقف ولايأتي إلي موقفه الرسمي حتي تنتهي فترة عمله والنتيجة أن المواطن يبحث عن وسيلة أخري ربما لاتناسب حالته المادية أو أن يلغي رحلته حتي يستطيع أن يقضي مصالحه المتوقفة علي سائقي النقل العام الذين يراعون ضمائرهم . بينما تري عزة مجاهد موظفة، أن سائقي النقل العام لا يراعون الله في العمل فيعرفون فقط المطالبة بحقوقهم وينسون أن عليهم واجبات فلم تقم إدارة التفتيش في الهيئة بمراقبة نظافة الأوبيسات فالحشرات والأتربة أصبحت السمة المميزة لأتوبيسات النقل العام وخاصة موقف المنيب الذي يعاني من إهمال ولامبالاة للسائقين والفراشين المسئولين عن تنظيف وتعقيم الأتوبيسات التي تتسبب في نقل العدوي إلي الجماهير من كثرة الإهمال المتفشي بها. وتشير إلي أن بعض المواطنين يصعد الأتوبيس وهو يحمل الطيور والأطعمة والأسماك وتنتشر الروائح الكريهة، الجميع يعلم أن سلوكيات المواطنين خاطئة ولكن هناك تعليمات من الإدارة في هيئة النقل العام بمنع مثل هذه المنقولات أن تصعد إلي وسائل النقل فهي مخصصة للبشر وليس الحيوانات كما أنها تحمل العدوي بالأمراض والتلوث ينتشر داخل الأتوبيس. أما عن موقف عبود فيقول فتحي عبدالقادر موظف، إن طبيعة عمله تضطره للسفر يومياً بين القاهرةوالمنوفية ورغم أن مقر عمله لايبعد كثيراً عن ميناء القاهرة البري بالترجمان فإنه لايجد به أتوبيسا يتجه إلي المحافظة ويضطر للذهاب إلي موقف عبود لركوب الأتوبيس المتجه إلي المحافظة وهذا ما كبدنا مجهودا كبيرا خاصة في برد الشتاء القارس الذي يمزق أجسدنا. ويضيف عبد القادر أن هذه الأتوبيسات متهالكة للغاية وتتعطل باستمرار في الطريق بالإضافة إلي الأتربة والحشرات والمهملات التي تنتشر في أرضية الأتوبيسات.. ولم يصبح أمامك سوي أن تعود أنت للعمل من جديد. وإما أن تلجأ لاستخدام أي وسيلة مواصلات أخري لاستكمال الطريق. ويشتكي رزق إبراهيم من محافظة القليوبية ويعمل بائعاً في أحد محلات العتبة، ويوضح أنه يستقل الأتوبيس يومياً من العتبة إلي القليوبية ذهاباً وإيابا الا أنها رحلة عذاب وغير آدمية بالمرة مثل كل شيء تبع أجهزة الدولة فلم يتغير شيء قبل الثورة لايختلف عن بعدها سوي في الاعتصامات والمظاهرات الفئوية التي أصبحت شعار المواطنين داخل مؤسسات الدولة، فما أن تصعد الأتوبيس إلا وتري المهملات تنتشر بأرضيته والأوساخ تحوط جدرانه وقاعدته تمتلئ بالأتربة ولايمر عليك دقائق ألا وتري حشدا من البشر يتجه نحو الأتوبيس الذي طال انتظار ركابه حتي يتعطف عليهم ويجيء ليصحبهم إلي قضاء مصالحهم فيكاد الأتوبيس ينفجر من كثرة عدد الركاب أو يختنق من زيادة الأنفاس فيه ولكن الجميع مضطر إلي ركوبه لتناسب أسعاره مع دخولهم البسيطة بالإضافة إلي أنه وسيلة مواصلات وحيدة ومباشرة فلا تتوقف بأكثر من مكان لتغيير وسيلة المواصلات . ويشير إلي أن المشكلة الحقيقية في تهالك اتوبيسات النقل العام وإهمال القائمين عليها سواء كان من الإدارة وصولا إلي السائق والمحصل الذي يقبل أن يستلم ورديته بأتوبيس ممتلئ بالحشرات والمهملات والأوساخ كما أن معظم الأتوبيسات متهالكة ولا يتم عمل صيانة كافية لها وهو ما يتسبب في وقوفنا لفترات طويلة في انتظارها.. وحاول الكثير من المواطنين الذين يركبون يوميا هذا الخط تقديم شكاوي ولكن "لاحياة لمن تنادي " فاذا أصيب الأتوبيس بعطل في الطريق فلا نجد من ينقذنا أو حتي نجد بديلا له ونضطر للانتظار من جديد حتي يأتي آخر وغالبا لا يأتي ونلجأ إلي الركوب مضطرين في سيارات نصف نقل ولكم أن تتخيلوا أن نركب مثل هذه المواصلات في الجو البارد القارس . يوضح حسين عبد الظاهر موظف بإحدي الشركات في القاهرة، أن اتوبيسات النقل العام لا تقدم خدمة جيده للمواطنين، أعمل موظفا في القاهرة وأقطن في المنوفية ولا أجد أي وسيلة مواصلات متوافرة سواء كانت نقلا عاما أو نقلا جماعيا وعندما تتاح أمام الركاب يقول السائق إنها معطلة ولابد أن تذهب إلي الجراج .. فلا يجد الموظفون وسيلة انتقال سوي القطار الذي يمتلئ بركابه. يري حامد محمد يعمل بائعا في أحد محلات وسط البلد، لا أستطيع أن اعتمد في الذهاب إلي عملي علي اتوبيسات النقل العام ولكن أحيانا أخذ الأتوبيس من موقف عبدالمنعم رياض والمعروف بكثرة أعطال أتوبيساته واتساخ عرباته بالإضافة إلي عدم الانتظام في مواعيده لذلك الغالبية من المواطنين يعتمدون علي الميكروباص الذي أصبح الوسيلة الأساسية لهم وبالفعل نظم أصحاب الميكروباص موقفا خاصا بهم داخل موقف عبدالمنعم رياض فعندما قام العاملون بالهيئة بتنظيم إضراب للمطالبة بحقوقهم لم يشكل الإضراب أزمة لدي الكثير من المواطنين حيث لاتجد أحدا يعتمد عليهم الآن الجميع يستقل وسائل مواصلات أخري ويعتمد علي المترو لأنه يتوافر فيه الأمان والنظافة والراحة بالإضافة إلي أنه وسيلة سريعة . وعندما قمنا بالاتصال بالمهندسة مني مصطفي رئيس هيئة النقل العام لوضع شكاوي المواطنين أمامها وتفسر لنا ما يحدث لم تجب بأي اتصال وقام المكتب الإعلامي الخاص بها بإرجاء الموعد لأجل غير مسمي.