المتحف الفريد يستقبل جمهوره متحف جديد يحمل فكرة غير تقليدية، ينتصب في قرية غير عادية هي قرية تونس بمحافظة الفيوم، المتحف لن تراه كل يوم ولن تجده في مدن مصر المختلفة، فهو ليس متحفا للآثار أو المجوهرات أو غيرها مما اعتادت الدولة أن تدشن له المتاحف، هو مخصص لفن الكاريكاتير، مكرس لتكريم رواد هذا الفن علي مدار قرن كامل. متحف الكاريكاتير بقرية تونس، أسس بالجهود الذاتية بعيدا عن إشراف هيئة الآثار في عام 2009م، وأعيد افتتاحه في مارس من العام الحالي، المتحف يهدف إلي توثيق فن الكاريكاتير وإبداع رموز هذا الفن علي صفحات المجلات والجرائد منذ مطلع القرن العشرين حتي الآن. "الكاريكاتير"، الفن المهضوم حقه، يعد المرآة الصادقة لواقع الحياة اليومية للمصريين، يرصد التغيرات الاجتماعية بعين ساخرة، والانقلابات السياسية بعين فاحصة، لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويرصدها بأسلوب ساخر وتعليق لاذع، فمن يريد قراءة صورة الإنسان المصري بردود أفعاله، مظهره الخارجي، اهتماماته، علاقته بنفسه وبالعالم من حوله لن يجد أصدق من تلك الصورة التي رسمها هؤلاء العظماء من رسامي الكاريكاتير أمثال صاروخان ورخا وحجازي وصلاح جاهين وجورج البهجوري ومصطفي حسين. ويقول الفنان التشكيلي محمد عبلة مؤسس متحف الكاريكاتير والمشرف علي إدارته، ل"آخر ساعة" إن فكرة المتحف ترجع إلي أن وجود المتحف كمخزن للذاكرة قد يتيح لنا في المستقبل فرصة أن نستدعي بعض ما تبقي من الذكريات قبل أن تطويه الأيام، فمن خلال المتحف قد نعيد الاحترام للرسمة التي طالما عوملت باستهتار بعد نشرها في الجريدة اليومية أو المجلة الأسبوعية. ويضيف عبلة: "يرجع شعار المتحف في صورة الكناس (عامل النظافة)، لأن نظرة فناني الكاريكاتير للفساد هي نفس النظرة للقمامة التي يجب تنظيف المجتمع منها قبل تراكمها. عن إصراره علي اختيار قرية تونسبالفيوم لتكون مقرا لمتحف الكاريكاتير قال عبلة:"المتحف كائن حي ينمو دائماً ويتغير وينبض وفن الكاريكاتير شلال يومي لا ينقطع وإبداعات لا تتوقف، وكانت طبيعة الفيوم الساحرة والهادئة المكان الطبيعي والأكثر ملاءمة لاختيارها لتكون متحفا لفن الكاريكاتير لأنها ستتيح للمبدعين الكثير من الوقت والهدوء حتي نعمل معاً علي تحقيق بعض الأحلام المشروعة من ورش عمل لفن الرسم وورش عمل عن الروح المصرية الساخرة وورش عمل عن وجوه الناس. وأوضح عبلة أنه حقق حلم أستاذه الرسام زهدي العدوي، بأن يكون هناك مكان واحد يشمل كل تاريخ فن الكاريكاتير منذ بدايته في مصر ووصل عدد الرسوم إلي 14 ألف أصل لمختلف الرسامين ويستضيف المتحف معظم أعمال فناني الكاريكاتير ابتداء من صاروخان معلم الأجيال، مرورا برخا وصلاح جاهين وطوغان وجورج البهجوري والليثي وجمعة فرحات ونبيل تاج وحسن حاكم ومصطفي حسين وحجازي، بالإضافة إلي مجموعات كاملة من المجلات الكاريكاتيرية الشهيرة في النصف الأول من القرن العشرين مثل الفكاهة وإضحك والكشكول والشعلة والجيل الجديد، كما أعلن الفنان جورج البهجوري عن جائزة سنوية تحمل اسمه قيمتها خمسة آلاف جنيه تمنح لثلاثة فائزين في مسابقة "الوجه الإنساني الساخر" علي أن يتناول المتسابقون إحدي الشخصيات العامة في مختلف المجالات ، ومتحف الكاريكاتيرالذي صممه المعماري عادل فهمي يتميز بمعمار فيومي الطابع وبه قبة طينية متميزة وغرف كثيرة تتحلق حول مساحة خضراء. وقال عبلة إن مركز الفيوم للفنون الذي يقع علي بحيرة قارون سيستمر في تقليد أرساه منذ دورته الاولي قبل عامين إذ يقدم منحة شهر لدراسة الفنون في أكاديمية الفنون بسالزبورج بالنمسا. جدير بالذكر أن اختيار قرية تونس لتكون مقرا لمتحف الكاريكاتير لم يأت اعتباطا، فقرية تونس الصغيرة تعد منتجعا خاصا بالفنانين في الطرف الغربي من بحيرة قارون، منذ أكثر من 25عاما عندما استقر فيها بعض الفنانين لما تتميز به القرية من مميزات استثنائية، فهي تضم بيوتاً فيومية ريفية أصيلة بعيدا عن الحداثة الزائفة، تساعد أساليب البناء التقليدية علي إبقاء الجدران باردة أثناء حرارة الصيف الشديدة، وتنمو أزهار برتقالية اللون في بعض الحقول، وفي حقول أخري تتم زراعة البرسيم، والهواء في تونس البعيدة عن تلوث المدينة الصاخبة بزحام السيارات، ولا شيء يعكِّر صفو هذه الجو الريفي البسيط سوي تغريد الطيور ونهيق الحمير في بعض الأحيان.