يعد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أحد أهم أدوات النهضة المصرية فيما بعد ثورة 25 يناير، فالمعلومات التي يقدمها من بيانات وإحصاءات دقيقة تضيء الطريق أمام صانع القرار ليخطو علي أرض ثابتة، حول الجهاز ودوره في الحياة العامة كان حوار "آخر ساعة" مع اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي كشف عن سيل من المعلومات حول عدد المصريين ومن أين جاء الاختلاف بين عدد الناخبين في الانتخابات الرئاسية عن الاستفتاء الدستوري، وعدد المصريين في الخارج ويجيب عن السؤال الصعب لماذا لا يوجد إحصاء بعدد الأقباط؟. ماهي اختصاصات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؟ شأنه شأن أي جهاز إحصاء وطني يهتم بإصدار الإحصاءات الرسمية وفقا لمعايير دولية، بعيدا عن التدخلات السياسية وفقا لمعايير سنوية يتم إقرارها ومراجعتها سنويا في اجتماع الإحصائيين علي مستوي العالم في نيويورك، كما يتم مراجعة ما تم إنجازه طوال العام المنصرم ووضع مخططات للعام الجديد، ووضع قواعد تتعلق بما يستجد في مجال الإحصاء من مجالات لم يكن مسلطا عليها الضوء من قبل فعلي سبيل المثال قد تظهر الحاجة إلي إحصاءات عن تلوث الهواء و المياه، فيتم تكليف عدد من الخبراء في مجال الإحصاء علي مستوي العالم لوضع معايير القيام بقياس تلك الظواهر إحصائيا، فعملية البيانات التي تصدر عن الجهاز تخضع لمعايير دولية. بالإضافة إلي أن معهد الإحصاء الدولي يعقد اجتماعا أكاديميا كل عامين لمناقشة الجديد في عالم الإحصاء علي مستوي العالم. ووفقا للتنظيم الدولي حددت مجالات عمل مراكز وأجهزة الإحصاء الرسمية في مجالي الاجتماع والاقتصاد، وتختص إحصاءات المجال الأول البطالة والزواج والطلاق، وفي مجال الاقتصاد نهتم بالتضخم والصناعة والتجارة وغيرها. هل يقوم الجهاز بعمل إحصائيات وفقا لطلب الجهات الحكومية؟ الجهاز يضع تصورا عاما لما سيقوم به خلال عام كامل من إحصائيات في مختلف المناحي، وفقا لمنهج مدروس، مرشده في ذلك الأممالمتحدة، لكن هذا لا يمنع أن بعض الجهات الحكومية تطلب عون الجهاز فقد طلب وزير التموين معرفة تكلفة إنتاج رغيف العيش، فقمنا بهذه الدراسة، فالأساس هو إنتاج إحصاءات رسمية وفقا للتصور العام. كيف يتم إعداد تقرير التعداد السنوي للمصريين؟ يعد هذا البيان من أدق ما يخرج عن الجهاز، ويتم عمل التعداد كل عشر سنوات لأن تكلفته مرتفعة والمطلوب منها لا يتغير بسرعة، والتعداد هو الجزء الرئيسي في معرفة الرئيس الجديد، فلا يوجد بيت في مصر لم نذهب إليه لتسجيل بياناته، بعد تسجيل بيانات المصريين كل عشر سنوات نحسب المتغير من خلال سجلات المواليد والوفيات السنوية، تستلم أسبوعيا من 4500 مكتب صحة علي مستوي مصر كلها، نستلمها من مصلحة الأحوال المدنية بالعباسية، ثم نقوم بتغذية الجهاز بالأرقام الجديدة، وهو متاح علي الموقع الرسمي للجهاز علي شبكة المعلومات، وأرقام السكان موجودة منذ بداية أول تعداد سكاني سنة 1882 وبلغ عدد السكان في يوم السبت 32/6 ( 28 مليون و742 ألفا و669 مواطنا). هل هناك جهات تقيم أداء الجهاز؟ صندوق النقد الدولي وضع معيارا صعبا هو معيار النشر الخاص للبيانات »s.d.d.s « الذي يتضمن معايير صعبة تطبق علي دول العالم، ومصر من ضمن 60 دولة في العالم تطبق هذا المعيار. وإذا حصلت أي دولة علي 5 إنذارات تخرج من هذا التقييم ومنذ 2005 لم نأخذ إنذارا واحدا. ما ردك حول ما أثير حول تلاعب اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في أعداد الناخبين لصالح أحد المرشحين؟ هذا الكلام غير صحيح إطلاقا، الداخلية تأتي لنا لمراجعة العدد النهائي للمصريين وتوزيعهم، فالداخلية تمتلك العدد الدقيق للمصريين من خلال بطاقات الرقم القومي، لكنها لا تمتلك التوزيع لعدد السكان لعمل الدوائر الانتخابية فيتم مراجعة أرقامهم بأرقامنا والمعلومات الخاصة بالتوزيع السكاني في المحافظات. الاختلاف الذي ظهر بين عدد الناخبين في الاستفتاء علي الدستور في مارس 2011 والانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، مرجعه إلي اختلاف الأسس التي قامت عليها تلك الانتخابات، ففي الاستفتاء الدستوري كان عدد الناخبين 46 مليون ناخب، لأنها جاءت بناء علي عدد المسجلين في القوائم الانتخابية وفقا لآخر انتخابات أجريت في البلاد، عندما كان لابد أن تذهب إلي القسم القريب من منزلك لتسجل اسمك في كشوف الناخبين، لاستخراج البطاقة الحمراء الخاصة بالانتخابات، وعلي هذه الأسس جري الاستفتاء علي الدستور، وكان عدد الناخبين 46 مليون ناخب تقريبا، أما فيما بعد الاستفتاء فقد كان هناك عمل دءوب قام به الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية السابق، علي مدار خمس سنوات في الوزارة من أجل إجراء الانتخابات بالرقم القومي، وهو ما تم الأخذ به في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما جعل أعداد الناخبين تزيد عن 50 مليونا. لذلك عندما أرسل لنا الرئيس محمد مرسي، في فترة الانتخابات خطابا للاستعلام عن عدد السكان، بعد ما تردد عن تلاعب في أعداد الناخبين، اخبرناه أنه يمكن له الدخول علي موقع المركز الذي يتضمن أرقام المصريين ومن تجاوز منهم سن 18 من العمر ويحق لهم بالتالي الانتخاب، وهي أرقام معلنة منذ سنوات لا علاقة لها بالانتخابات وهو ما ينفي تهمة الانحياز لأي طرف. بالحديث عن اللجنة العليا للانتخابات، هل كان للجهاز دور في مساعدتها في توفير قواعد البيانات حول الناخبين؟ طلبت اللجنة العليا منا مساعدتها في تسجيل بيانات توكيلات مرشحي الرئاسة، وبالفعل شارك 30 شابا من الجهاز في عملية إدخال التوكيلات علي برنامج قمنا باعداده بالاشتراك مع وزارة التنمية الإدارية، يتضمن اسم الشخص ورقمه القومي ومكان سكنه والمحافظة التي تم إصدار البطاقة الشخصية فيها، لأنه لو مواطن قام بعمل توكيل في محافظة القاهرة وبطاقته الشخصية صادرة من محافظة الدقهلية مثلا، يحسب الصوت ضمن أصوات التأييد في تلك المحافظة، وليس في محافظة القاهرة، وهو خطأ وقعت فيه حملة اللواء عمر سليمان، وأدت إلي استبعاده من السباق الرئاسي. وبلغت الدقة باللجنة العليا أن قررت إدراج جميع التوكيلات لجميع مرشحي الرئاسة علي هذا البرنامج، وهو مجهود ضخم فمثلا توكيلات الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل تجاوزت ال150 ألف ترشيح، وهي شهادة حق لابد أن تسجل للجنة العليا للانتخابات بحيادها بين جميع المرشحين، خصوصا وهي من سعت لنا للاستفادة بخبرتنا في هذا المجال، بعد أن علم القائمون عليها بما قمنا به من مجهود في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. هل كان لكم دور مع الجمعية التأسيسية لوضوع الدستور؟ عندما قرر البرلمان اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية الأولي، اجتمعوا في قاعة المؤتمرات، طُلب منا وضع برنامج يسهل عملية التصويت بين نواب مجلسي الشعب والشوري البالغ عددهم 800 نائب، يختار كل نائب منهم مائة عضو في تأسيسية الدستور من أصل 2700 مرشح، فقمنا بعمل برنامج يتم من خلاله تجميع اختيارات أعضاء البرلمان وفرزها ثم يعلن نتيجة التصويت بمجرد أن يدخل آخر نائب برلماني ورقة تصويته، لذلك شكرنا الدكتور سعد الكتاتني، ومن هنا عرفت اللجنة العليا للانتخابات بأن لدينا أكفأ الخبرات في مجال إدخال البيانات، وتم الاستعانة بنا. من المسئول عن إحصاء أعداد المصريين في الخارج؟ مهمة جهاز التعبئة والإحصاء، كأي جهاز إحصاء في العالم، ينحصر مجال عمله في إحصاء المواطنين داخل الوطن، فمهمة الجهاز تنحصر في إحصاء المصريين داخل البلاد، أما المصريون في الخارج فعملية إحصائهم تقع علي عاتق وزارة الخارجية من خلال سفاراتها وقنصلياتها المنتشرة في دول العالم، لذلك في ديسمبر من كل عام نستلم من وزارة الخارجية رقمين، الأول خاص بأعداد المصريين المسجلين في السفارات والرقم الثاني خاص بتقدير الوزارة لعدد المصريين في الخارج، ويأتي هذا في صورة بيان إحصائي يضم كل بلد بجواره رقم المسجلين من المترددين علي السفارة في ذلك البلد من المصريين، وتقدير السفارات بأعداد المصريين، وآخر رقم لوزارة الخارجية عن عدد المصريين المسجل في السفارات وهو 1.5 مليون، والتقديرات 8 ملايين، ونضعه كثابت علي إجمالي عدد المصريين في الداخل. لماذا لا يعلن الجهاز إحصاء بتعداد الأقباط في مصر لحسم الجدل في هذ الموضوع؟ أول تعداد للمصريين كان في 1882م علي يد الاحتلال الإنجليزي، وأثبت أن عدد الأقباط 8.1٪ من إجمالي عدد السكان الستة ملايين، حتي عام 1937م كان الإنجليز يشرفون علي التعداد، في إطار إشرافهم علي جميع مستعمراتهم، فأرقامهم لا نستطيع أن ندعي أنها جاءت لصالح طرف علي طرف، ونجد في هذه الاحصاءات أن عدد الأقباط في تراجع كل عشر سنوات، وذلك بسبب هجرة الأقباط وارتفاع المستوي العلمي والمادي لديهم ما أدي إلي قلة الإنجاب في أوساطهم، وفي 1986 كان آخر تعداد يصدر يتضمن عدد المسيحيين، بعدها قررت الأممالمتحدة أن يكون السؤال عن الديانة في استمارات التعداد اختيارية، لذلك منذ تعداد 1996م لا يوجد لدينا إحصاء دقيق عن أعداد المسلمين أو المسيحيين. البعض يتهمنا بأننا نخفي أعداد المسيحيين لكننا لا نعلمها ليس بسبب السياسة ولكن لأسباب فنية، فأنا لا أمتلك رقما موثقا وكاملا عن عدد الأقباط في مصر. كم تقدر حجم البطالة في مصر حاليا؟ نصدر بيانا ربع سنوي عن وضع البطالة في مصر، فنحن نجري إحصاء بالبطالة كل شهر ونصدر نتيجة مجمعة لكل ثلاثة أشهر، نقوم بأخذ عينة من خلال 7 آلاف أسرة كل شهر، بإجمالي 21 ألف أسرة في الثلاثة أشهر، آخر ربع سنة صدر عن الجهاز الخاص بالربع الأول من العام الحالي 2012م، 12.6٪ من قوة العمل، التي تقدر بثلث السكان. هل هناك إحصاءات تحدد خط الفقر في مصر؟ بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، من أصعب الأبحاث التي تقوم بها مراكز الإحصاء علي مستوي العالم، لذلك يقام كل خمس سنوات، نعمل عليه لمدة عام كامل، من خلال معايشة كاملة للأسر محل البحث التي يبلغ عددها 48 ألف أسرة، لتسجيل نشاطهم الكامل من مشتريات وعمليات إنفاق حتي لو اشترت الأسرة علبة كبريت. خط الفقر نحدده من حجم الإنفاق لا حجم الدخل، ولأن عملية الإنفاق تختلف داخل الأسرة طوال العام نظرا لتغيرات عدة، فلن تجد أسرة تشتري مروحة في شهر يناير مثلا، لذلك لابد أن نسجل حجم انفاق الأسرة طوال العام. آخر إحصاء أثبت أن هناك 25.2٪ من إجمالي السكان تحت خط الفقر، ممن لا يجد احتياجاته الأساسية من المأكل والملبس والمسكن، وعند قياس احتياجات الفرد من الطعام ليبقي علي قيد الحياة وجدنا أن الفرد يحتاج إلي 2500كالوري (سعر حراري)، تتكلف 185 جنيها للفرد شهريا، هي تكلفة البقاء علي قيد الحياة. فإذا كان لدينا أسرة من خمسة أفراد فإنها تنفق 925 جنيها من أجل البقاء علي قيد الحياة فقط. ماذا عن الوضع الاقتصادي لمصر بعد الثورة؟ الاقتصاد المصري اقتصاد متنوع، لذلك تباينت عملية التأثير علي قطاعات النشاط الاقتصادي، فمثلا إيراد قناة السويس في تزايد مستمر، وتحويلات المصريين في الخارج علي عكس المتوقع زادت بنسبة 25٪ كانت تدور حول 9 مليارات في العام، الآن وصلت إلي 12 مليارا، الصادرات كانت في ازدياد بعد الثورة لأن المنتجين عملوا علي تصريف منتجاتهم إلي الخارج بعد ركود الأسواق الداخلية، إلا أن الصناعة عموما قد تأثرت سلبيا بأحداث ما بعد الثورة. وكانت السياحة علي رأس الأنشطة الاقتصادية التي تأثرت سلبا، فقد انخفضت السياحة بنسبة 40٪ وتراجع ما كانت تضخه من 12 مليارا إلي ما يزيد قليلا عن 8 مليارات، ويعد الاستثمار الخارجي، أسوأ مؤشر فقد حققت الاستثمارات الخارجية دخلا في الربع الأخير من السنة المالية ل2010م، 2.6 مليار دولار، في حين سجل الاستثمار الخارجي في الربع الأخير من السنة المالية ل2011م، حوالي 99 مليون دولار. هل لديكم بيانات بأماكن توزيع النشاط الاقتصادي في المحافظات؟ حوالي80٪ من الاستثمارات ومراكز الإنتاج موجودة في القاهرة والإسكندرية، لذلك العشوائيات تظهر حولهما باعتبارهما مراكز النشاط الاقتصادي في مصر، والحل للخروج من هذا المأزق يكمن في الاستعانة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها ضمانة للنهوض بالاقتصاد ككل.