النطق بالحكم في محاكمة القرن.. يوم تاريخي انتظره المصريون بل والعالم أجمع منذ الإطاحة بمبارك في 11 من فبراير من العام الماضي.. حكم انتظره أسر الشهداء الذين اصطفوا خارج المحكمة آملين في إعلاء كلمة الحق التي تطفئ نار قلوبهم الحزينة علي ذويهم وتواسي كل أم مكلومة.. حلم المصابين بكلمة عدل تضمد جراحهم وبصيص من نور الحق تعويضاً عن بصرهم الذين فقدوه لإسقاط نظام مستبد، إلا أن المؤبد للرئيس السابق ووزير داخليته وبراءة نجليه وأعوانه جاء ظالما ومخيبا للآمال وفشل في التصدي للفساد السياسي برئاسة المخلوع رغم كونه رسالة للرئيس القادم والإنجاز الوحيد للثورة...
هكذا تباينت ردود الأفعال في الصحف العالمية عقب صدور قرار المحكمة برئاسة المستشار "أحمد رفعت". الحكم فشل في التصدي للفساد السياسي لمبارك وأعوانه رغم كونه رسالة للرئيس القادم اختلفت ردود الأفعال العالمية والرؤي السياسية بشأن الأحكام الصادرة بحق الرئيس المخلوع وأعوانه، فمنهم من يراها علي أنها سياسية من الدرجة الأولي للحفاظ علي نزاهة القضاء وأن سيادة القانون باتت المسيطرة الآن في مصر، ولا أحد يعلو القانون مهما كان شأنه. وبينما ينظر لها البعض علي أنها تؤكد التزام المجلس العسكري بوعوده للمصريين بأنه حامي الثورة ويسعي لتحقيق أهدافها، وآخرون يرونها ظالمة وخائنة ومحبطة لأسر الشهداء والمتظاهرين الذين أصيبوا في ثورة يناير البيضاء. ورغم إجماع الإعلام الغربي علي أن هذا اليوم تاريخي لمصر، بغض النظر عن قرارات المحكمة، وحدث تاريخي من نوعه لم يتكرر في أي من بلدان العالم، وحكم فريد غير مسبوق في تاريخ الممالك والجمهوريات العربية. أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلي أن الحكم بالمؤبد علي كل من مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي جاء محبطاً لآمال كثير من الثوار والمصابين وأسر الشهداء، لأنه لم يعاقب قتلة أكثر من ألف شخص سقطوا خلال المظاهرات السلمية، نتيجة لعدم وجود أدلة، في الوقت الذي حكم عليهما لأنهما لم يحركا ساكنا لإيقاف الشرطة عن قتل المتظاهرين وليس لأنهما أمراً بارتكاب تلك الجرائم في حق الشعب الذي انتفض مطالباً بالحرية. وعلقت الباحثة هبة مورايف، من منظمة مراقبة حقوق الإنسان، علي الحكم للصحيفة، قائلة إن نتيجة المحاكمة ألقت الضوء علي مدي سوء التحقيق في هذه القضية وسوء عمل الادعاء. وأضافت "لم يكن ينبعي أن تتم المحاكمة دون توافر الأدلة الكافية للإدانة وإثبات التهم". وتوقعت أن تسفر أحكام البراءة لمساعدي العادلي عن موجة جديدة من الغضب، فالحكم لم يرض الشعب، لاسيما أن المستشار أحمد رفعت ومعاونيه رأوا أن رئيس هيئة مكافحة الشغب ذات السمعة السيئة ليس مذنباً. وتري الصحيفة أن الحكم أطلق العنان لردود أفعال مختلطة، فالمتظاهرون والمعارضون لمبارك شعروا بالفرحة العارمة بمجرد النطق بالحكم المؤبد، إلا أن الفرحة زالت عندما حكم ببراءة لأعوان وزير الداخلية الأسبق ونجلي مبارك من تهم قتل المتظاهرين. وتوقعت أن يؤثر الحكم علي جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها منتصف الشهر الجاري، وأن يكون شفيق هو المستفيد من هذه الأحكام، خاصة وأنه أسس حملته علي أنه القادر الوحيد علي إعادة الأمن والاستقرار. أما الكاتبة باولا روزاز الصحفية بجريدة "الباييس" الإسبانية تقول إن براءة كل من علاء وجمال مبارك ومساعدي العادلي ستحسم المشهد السياسي المثير للجدل في إعادة الانتخابات الرئاسية. وعكس صحف أخري تري هذه الصحيفة الإسبانية أن الكثير من المصريين سيقومون بالإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح الإخوان المسلمين مرسي، أما شفيق فقد تأثر كثيراً بهذه المحاكمة. وانتقد فرنسيسكو كاريون المحرر الإسباني بصحيفة "الموندو" وصف القاضي بأن المحاكمة "عادلة" لأنه من غير المناسب علي الإطلاق علي مثل هذه المحاكمة لأنه استند في وصفه هذا علي أن المحكمة أعطت الفرصة لجميع الأطراف علي إبداء وجهات نظرهم، ومن حقها أن تحكم كما تري وهذا وضح من خلال الحكم الذي صدر علي باقي المتهمين بالبراءة. وتساءل كيف يحكم علي مبارك ووزير داخليته بالمؤبد بتهمة التواطؤ في قتل المتظاهرين ولكن في الوقت ذاته تم الحكم علي مساعدي وزير الداخلية بالبراءة علي الرغم من أنهم أيضاً شاركوا في قتلهم. لم تقتصر التناقضات عند هذا فقط بل يمضي كاريون قائلاً إن كلمة المستشار رفعت غير دقيقة للحكم الذي أصدره حيث قال إن ثورة 52يناير كانت بمثابة فجر جديد لعصر مبارك المظلم في الوقت الذي يمتد فيه الظلم والفساد حتي الآن. ولهذه التناقضات مازال أمام الرئيس السابق والعادلي فرصة كبيرة لنقض الحكم الصادر ضدهما وهذا ما أوضحه جاك شينكر بصحيفة "الجارديان"، وأضاف أن الانتخابات الرئاسية وحكم قضية مبارك يمكن أن يقسما مستقبل مصر، خاصة أن المصريين يتخوفون من أن يكون الرئيس القادم خليفة لمبارك في القمع. فبعد أن أدت الانتخابات إلي تنافس شفيق وهو أحد حلفاء مبارك المقربين في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية مع مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين لتحديد من سيخلف مبارك كأول رئيس للبلاد بعد الثورة. وأوضحت الصحيفة إلي أن واحدا من كل عشرة مصريين اختاروا شفيق في الجولة الأولي، إلا أن ضعف الإقبال وانقسام أصوات الناخبين المؤيدين للثورة، وما يقول بعض المعلقين من أنه مخالفات لصالح شفيق، يعني أن الرجل الذي يجسد تماما الجهاز القمعي الذي ثار عليه المصريون وأطاحوا به أصبح قاب قوسين أو أدني من الرئاسة. وبعد انتصار شفيق في الجولة الأولي فإن الحكم علي مبارك بلور أسوأ مخاوف المصريين وهو عودة النظام القديم. من ناحية أخري، أشارت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية إلي أن الحكم أسدل الستار علي ما أسمته بالمحاكمة الصاخبة التي ألهبت العالم العربي وصدمت الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. وعلقت أيضاً علي الكلمة التي ألقاها المستشار رفعت قبيل النطق بالحكم، والذي وصف فيه عهد مبارك "بعقود الظلام" التي قمعت المصريين وعاشوا فقراء فيها، لتكون بمثابة اعتراف من جانب المحكمة بالظلم الذي وقع علي المصريين طيلة حكم مبارك. كما أكدت الصحيفة علي أن الحكم من شأنه أن يؤول إلي تفاقم حدة التوترات بين مؤيدي الثورة والموالين لمبارك بما في ذلك المرشح الرئاسي شفيق. فيما اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية محاكمة مبارك أنها المرة الأولي في العالم العربي يتم فيها وضع رئيس دولة عربي مخلوع من قبل شعبه أمام محكمة عادية، كما أن محاكمته التي أذيعت عبر شاشات التليفزيون أرسلت رسالة خطيرة لنظرائه الديكتاتوريين الذين يقمعون الحركات المعارضة بحملات عنيفة بمواجهة مصير مماثل. وأضافت الصحيفة، أن محاكمة المخلوع بمثابة سابقة إقليمية ذات مغزي بخصوص المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان ودعم البنود الدولية للمحاكمة العادلة. ويأتي هذا في الوقت الذي أعربت فيه منظمة العفو الدولية عن أسفها من هذا الحكم في بيان أذاعته "آن هاريسون" مديرة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قائلة إنه بالرغم من كونه خطوة مهمة نحو مكافحة سياسة الإفلات من العقاب التي طال أمدها في مصر، إلا أن تبرئة جميع المتهمين الآخرين، بمن فيهم مساعدي العادلي والرئيس السابق لجهاز أمن الدولة المنحل، فهي عدالة غير مكتملة وحكم ظالم لأسر الشهداء. وأضافت أنهم رحبوا في البداية بالمحاكمة، ولكن الحكم جاء متناسياً حقوق أسر الشهداء والمصابين الذين قتلوا في ميدان التحرير، ولذا فإنه يفتقر إلي العدالة. وتأسف منظمة العفو لعدم وجود تعاون من قبل السلطات المختصة مع الادعاء، والذي أدي إلي ضياع الفرصة لإثبات الحقيقة حول ما حدث خلال أيام الثورة. وطالبت السلطات المصرية بإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة للتحقيق للوصول والكشف عما حدث. وتري مديرة المنظمة في الشرق الأوسط، في هذه الأحكام فرصة للبدء في إصلاحات دستورية وقانونية، بهدف إنهاء الثقافة الراسخة بالإفلات من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلي إرسال إشارة قوية بأن لن يتم التسامح مع أي انتهاكات في المستقبل، وأنه لا أحد فوق القانون، مشيره إلي أنه خلال الثلاثة عقود الماضية كانت سياسة الإفلات من العقاب علامة بارزة، لا سيما من قبل ضباط جهاز أمن الدولة المنحل. بينما اهتمت صحيفة الديلي ميل البريطانية بمظهر مبارك ونجليه أثناء حضورهم جلسات المحاكمة وقالت إن وجه المخلوع، الذي ظهر مرتدياً نظارة شمس داخل قاعة المحكمة وعلي سريره المعتاد، كان متحجراً خلال سماع الحكم.