حالة من الغليان تسود منطقة الخليج العربي بعد الهجومين اللذين استهدفا ناقلتي بترول كانتا في بحر عمان، أمريكا اتهمت إيران صراحة بأنها وراء الهجومين وأن ما قامت به هو تهديد صريح ومتكرر يضاف لحوادث أخري بالمنطقة، وتصعيد إيران غير مقبول، وسيتم الرد عليه بالطرق المناسبة.. وردت إيران علي لسان وزير خارجيتها بأن الاتهامات الأمريكية لا أساس لها، وأنها تكشف بوضوح بأن واشنطن وحلفاءها انتقلوا للمنطقة (ب) لشرعنة الحصار الاقتصادي المطبق علي إيران، والوصول لدرجة الصفر في صادرات إيران من البترول للعالم الخارجي. إيران أكدت علي لسان رئيسها روحاني بأن مزاعم اتهامها بالهجوم علي السفينتين غير حقيقية بالمرة، خاصة أن إيران قامت بمساعدة السفينتين المنكوبتين وأنقذت طاقميهما المكون كل منهما من 23 شخصا وصحبتهم لميناء بندر عباس الإيراني علي الخليج العربي. والهجوم هو الأخطر، وإن كان ليس الأول.. فهذه هي المرة الثانية في غضون شهر واحد، التي يتم فيها استهداف ناقلات بترول في تلك المنطقة الهامة للعالم كله، وذلك بعد تعرض 4 سفن بينها 3 ناقلات للبترول لعمليات تخريبية، أمام سواحل الإمارات في 12مايو الماضي ولم يعرف حتي الآن من كان وراء الهجوم، وإن كانت أمريكا قد اتهمت إيران بالوقوف وراءها وهو الأمر الذي نفته إيران فورا وجاء الهجوم أيضا.. متزامنا مع استهداف أهداف مدنية سعودية ومطار أبها الدولي. والهجوم.. كما رصدته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.. أعاد للأذهان حرب الناقلات في مياه الخليج، والتي اشتعلت في ثمانينيات القرن الماضي بين كل من العراقوإيران، من خلال تلك الحرب التي امتدت بين عامي 1980 - 1988 وتم ضرب 543 ناقلة بترول وسفينة في مياه الخليج، وتعرضت أكثر من 250 ناقلة بترول عملاقة للغرق، وكان من أبرز تلك الهجمات: استهداف ناقلة بترول تركية من جانب سلاح الجو العراقي في مايو 1982، واستهداف ناقلة بترول يونانية في ديسمبر من نفس العام وفي العام 1984 تم استهداف الموانئ الإيرانية من سلاح الجو العراقي، وفي نفس العام تم استهداف ناقلة بترول كويتية من سلاح الجو الإيراني، وفي العام 1988 استهدفت البحرية الأمريكية عددا من منشآت البترول الإيرانية بالخليج، وهدأت الأمور بصورة ملحوظة بعد انتهاء الحرب، إلي أن عادت مجالات قرصنة بين عامي 2010، 2011 باستهداف ناقلات بترول تابعة لكوريا الجنوبية وروسيا وإيطالية بمياه الخليج وبحر عمان بواسطة القراصنة الصوماليين، إلي أن عادت مرة ثالثة في مطلع العام الحالي باستهداف ال4 سفن الإماراتية التجارية بميناء الفجيرة الإماراتي، والتنازل بعد كل ذلك التوتر الآن يدور حول تحركات كل من واشنطنوطهران في الخليج، وهل هي محاولات لاحتواء الأزمة والجلوس مرة ثانية وبشروط جديدة علي مائدة الحوار والتفاوض أم نذير جديد لحرب بالمنطقة؟ والإجابة: أن الحرب مستبعدة والأرجح هو سيناريو الضغوط الأمريكية وتضييق الخناق أكثر علي إيران اقتصاديا، مع الحصول علي دعم دولي متواصل لذلك، إضافة إلي استمرار تواصل التحركات العسكرية الأمريكية نحو الخليج، وتحريك مدمراتها وحاملات طائراتها للمنطقة، كعامل ضغط ورادع عسكري ضد إيران، لمنعها من مجرد التفكير في القيام بأي عمل استفزازي أو عسكري ضد أمريكا أو حلفائها بالمنطقة، كما أنها رسالة طمأنة لأصدقاء أمريكا بالمنطقة، بأن أمريكا ملتزمة بالدفاع عنهم، وأن منطقة الخليج خط أحمر. وحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية.. فإن أمريكا تتحسب جيدا لأي عمل عسكري ضد إيران، لأن ذلك سيعني المواجهة مع قوة مسلحة توضع في الحسبان، وأن ذلك العمل سيشل قطاعات كثيرة في حركة التجارة العالمية والبترول وأسعاره.. وأنه سيتسبب في خسائر كبيرة لأعداء إيران بالمنطقة، الذين يعتمدون أساسا علي صادرات البترول والغاز.. وفي الخلفية من الأحداث تبرز إسرائيل والتي ستسعي لتحقيق أهدافها نحو إيران ولو بتوجيه ضربة عسكرية.. وإن كانت تلك الضربة لن تتحقق إلا بضوء أخضر أمريكي ليس متاحا في ظل تلك الظروف المعقدة.. وكل ذلك كما تري الإندبندنت ما هو إلا خطوة أمريكية يقودها صقور البيت الأبيض وعلي رأسهم وزير الخارجية بومبيو، لشرعنة فرض الحصار الاقتصادي علي إيران، وحشد الأصوات المترددة ضد إيران وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي عارضت انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، وتمسكت ببنوده. وفي المقابل.. تحسب إيران ألف حساب للحرب ضد أمريكا وحلفائها.. وتمثل طبول الحرب لديها 3خيارات، إما الدخول في حرب فعلية وهي الخاسر الأكبر فيها علي المدي القريب، خاصة أمام قوة أمريكا العسكرية الهائلة، وإما الاستمرار في شن الهجمات ضد مصالح أمريكا وحلفائها بالمنطقة من شمال الخليج لجنوبه، عن طريق حلفائها وخاصة الحوثيين، بواسطة الطائرات المسيرة وعلي أهداف بترولية بالخليج وأهداف أخري عسكرية أو شبه عسكرية أو حتي مدنية بواسطة الصواريخ البالستية الإيرانية الصنع بين أيدي الحوثيين، وإما الرضوخ والجلوس علي مائدة الحوار، والتي ستمثل إذلالا كبيرا لها خاصة مع شروط بومبيو ال12 التي وصفها لذلك والتي تشمل: قبول إيران الدخول في مفاوضات جديدة حول اتفاق نووي جديد من الاتفاق الموقع عام 2015 مع القوي الدولية الكبري، يؤمن عدم تمكين طهران نهائيا، من أن تصبح قوة نووية، ووقف برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، وإنهاء سياسية التدخل الإيراني في الشئون الداخلية للبلدان المجاورة، إضافة لمطالب أمريكية أخري تعتبرها واشنطن تأمينا لها ولأصدقائها من أي تهديد إيراني لمصالحها، سواء كانوا عربا أو إسرائيل. ويبدو أن الأمريكيين.. حسب نيويوريك تايمز.. يريدون مبدأ التفاوض، وهو ما دعا البيت الأبيض لتمرير الرقم الخاص لسويسرا باعتبارها تمثل المصالح الإيرانية مع أمريكا، في حال رغبتهم الاتصال به وبدء التفاوض.. والأمر بذلك يعني أنه لم يصل لنهاية المطاف، ولكنه وصل بالأمور حافة الهاوية، وهو ما يعني أن الخلاف مرشح للبقاء لفترة أطول، ولكن دون الوصول لحافة الحرب، وقد يصل لحافة الهاوية قبل أن يتراجع طرف للخلف، أو يتم التوافق علي تنازلات متبادلة خاصة وأن الإيرانيين ردوا علي طلب أمريكي بالتفاوض والاتصال المباشر بالبيت الأبيض، بأن واشنطن لديها هي الأخري أرقام التليفونات الإيرانية، وأن مطالب إيران واضحة في مطلبين قبل الجلوس علي مائدة التفاوض.. أولهما: التراجع عن فرض العقوبات الاقتصادية القاسية، وثانيهما: العودة الأمريكية للاتفاق النووي والموقع معها والذي انسحبت منه أمريكا منفردة. ودخلت بريطانيا علي خط المواجهة، بإرسال مشاة البحرية الملكية إلي الخليج، لحماية السفن الحربية البريطانية في أعقاب الهجوم . وللقيام بدوريات في مياه الخليج بعد الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط في المنطقة لتأمين السفن البريطانية التي تمر في الخليج. وقال وزير الدفاع البريطاني توبياس إلوود، إن التوترات السياسية في المنطقة بسبب إيران التي أصبحت تشكل مصدر قلق لبلاده . وأنه يتفهم إحباطات إيران الناتجة عن إلغاء الاتفاق النووي، لكن ذلك لا يمنحها الحق في مهاجمة السفن في الخليج. وكانت الخارجية الإيرانية استدعت السفير البريطاني لديها، للاحتجاج علي تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت والتي اتهم فيها إيران بتدبير الهجوم في خليج عمان . يبقي بعد ذلك.. موقف دول المنطقة والتي ستكون في مرمي الصواريخ الإيرانية، التي تستطيع أن تغطي مساحات تصل إلي 3 آلاف كيلومتر، من الأهداف الجوية والاستراتيجية بالمنطقة، إضافة لوقف شبه كامل وشلل لعمليات نقل البترول والغاز عبر مياه الخليج وبحر عمان وخليج هرمز، والتي تشمل كلها خسائر فادحة ليس لدول الخليج فقط، بل للامتداد العالمي كله، وهو الأمر الذي يدعو دول المنطقة في التفكير ألف مرة، قبل الموافقة علي قرار الحرب، التي لن يكون فيها بالنهاية، إلا الخاسرون علي الجانبين.