إن الديمقراطية لا تأتي دوما بالصواب فقد تؤدي إلي اختيار الاستبداد عندما تستغل وتبزغ أمية الوعي ولقد حدث ذات يوم معتم في ألمانيا عندما انتخب هتلر..صباح غائم بفعل الغبار وليست سحب الشتاء الحبلي بزهوة الأمطار المنعشة.. رائحة ومذاق القهوة الصباحية تعينني علي استقبال اليوم.. فالأخبار تأتي بما لا تشتهي الأنفس. الكل في حالة ترقب وانتظار الانتخابات الرئاسية.. المشهد يترنح بين الهزل والأسي، فكما كانت البداية خاطئة، روضتها مصالح ونزوات بعض التيارات فوقعت الواقعة وتمت انتخابات مجلس الشعب قبل الدستور، بل شارك في اختيار البرلمان ملايين من الذين لا يعرفون القراءة والكتابة!! إن عملية اختيار النواب عسيرة علي المتعلمين فما بالك بالذين نالت منهم وظلمتهم آفة الأمية. زحفت أيضا منظومة الأمية علي الانتخابات الرئاسية فلا توجد ضوابط منطقية للترشح، فأين شرط المؤهل العالي لمنصب رئيس الجمهورية!! الذي تفرضه حتي النوادي الرياضية!! والنقابات!! فوجدنا موزع البانجو يتقدم للمنصب، والميكانيكي مع احترامي الجم للبروليتاريا، وصاحب مشروع 003 مليار حلة ألومنيوم والإمام المنتظر!!، وكل عابر سبيل تشتهي نفسه امتطاء الديمقراطية التي حولناها إلي مسخ وعبث يفضي إلي الحزن الغميق. إن تكافؤ الفرص لا يعني المهازل بل يعني أن الطبقية الاجتماعية لا تتحكم في الكفاءات، إن ما يحدث هو تسفيه وتشويه للديمقراطية وأتعجب من كل الذين تقدموا لمنصب رئيس الجمهورية وخضعوا لمبدأ رئيس بلا دستور، بلا عقد اجتماعي، بلا أساس واضح، صلب وأتساءل أين النخوة السياسية؟! فالمشهد يحاكي الكوميديا السوداء، رئيس مازال مجهولا سوف يدلف إلي حجرة مظلمة يلعب (الاستغماية) لا يعرف حتي صلاحياته!! فلا شيء يهم سوي شهوة السلطة، وأحترم كثيرا موقف د.البرادعي فلقد تحلي بفضيلة الانسحاب، لا أعرفه وليس لدي إلي الآن موقف من أي مرشح ولكن المشهد لا يحض علي التفاؤل فبعد انتخابات البرلمان التي كانت أقرب إلي انتخابات طائفية هيمنت عليها الدعاية الدينية وال005جنيه غرامة وصكوك الجنة مع علب سمن هالة وماجدة!! وتابعهم بعض النواب الذين يستعملون العقيدة للسيطرة علي الوجدان الشعبي، فصدمنا ببينوكيو النائب السلفي، و(بينوكيو) رواية الإيطالي كولودي 3881 تحكي عن شاب أدمن الكذب وكلما اقترف كذبة يطول أنفه وهكذا اضطر النائب إلي قص أنفه ثم النائب أبوالروس القرين الواقعي لوحش الشاشة فريد شوقي فهو يضرب المصور بالروسية، إلي جانب الألفاظ النابية التي لا تليق ببرلمان مصر. وتهل علينا كل صباح التصريحات والطلبات البرلمانية فنجد المطالبة بمنع الخطاب السياسي في الجوامع والزوايا والكنائس وحظر التظاهرات إلا قليلا هكذا بعدما تم المراد وقضوا وطرا من الخطاب السياسي في بيوت الله ووصلوا تحت القبة، وتقرر نسبة 50٪ من داخل المجلس لصياغة الدستور، أي سوف ينتخبون أنفسهم!! وعما قريب سنسمع عن تحريم الديمقراطية، كما سبق وحرمها وحللها شحات الانتخابات.. ويباغتني تصريح البرلمان أن إسرائيل هي العدو الأول لمصر. وأقول لا إن أخطر عدو هو دوما القادم من الداخل، هو الذي ينهش أحشاء الأمة ويصيبها بالوهن مثل الجسد فأخطر الأمراض ليس الفيروسات أو الميكروبات ولكن جنون وتوحش خلايا ذات الجسد أي السرطان فالعدو الأول لمصر هو الجهل، الفقر، الظلم وتابعها التعصب وترويج لمعتقدات مغلوطة تحض علي الكراهية والفرقة، إن العدالة الاجتماعية ليست رواتب ومعاشات كريمة فحسب ولكن أيضا قسمة عادلة في مباهج الحياة أي التعليم، المعرفة والتنوير تلك هي الأقانيم المفضية إلي الإنسانية وتحقق الحضارة والارتقاء. ويحتلني ما سطره نجيب محفوظ في ألف ليلة: (عجيبة هذه السلطنة بناسها وعفاريتها ترفع شعار الله وتغوص في الدنس) إن الديمقراطية لا تأتي دوما بالصواب فقد تؤدي إلي اختيار الاستبداد عندما تستغل وتبزغ أمية الوعي ولقد حدث ذات يوم معتم في ألمانيا عندما انتخب هتلر.. وأذكر من نوادر أمريكا اللاتينية معقل الديكتاتوريات سابقاً عندما قالت أم أحدهم: (كل حاجة في إبني كويسة إلا أنه لايعرف القراءة والكتابة)!؟ ويقول الفنان جويا: »عندما ينام العقل تولد الوحوش« واليوم من خلال مجموعة من الكتب صدرت في الغرب يقولون إن الأمة الإسلامية عاشت نهضتها قبل عصورها الوسطي! ويشيرون إلي حقبة الأندلس وأمجاد الإسلام وتجلياته. إن القول بأن إسرائيل هي العدو الأول لمصر نوع من الفرار من المسئولية وشماعة بائرة للهروب من القضايا المصيرية التي تنهش جسد الأمة من أمن، اقتصاد، حرية، وكرامة. أكرر كلمات السيد المسيح: »لنترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله« فالسياسة لعبة برجماتية كلها شوائب والعقيدة ذروة النبل والشفافية ومن ثم وجب الفصل بينهما والعقيدة نقية ولكن البشر الذين يمارسونها ليسوا بالضرورة أنقياء، أتقياء. أما بالنسبة للرئيس القادم فالترويج لفكرة أنه يجب أن يأتي من بيئة متواضعة ليس بالضرورة صوابا فلقد جربنا القادم من كفر مصيلحة!! واحتقاره لبسطاء الوطن، إن الطبيب لايجب أن يكون مريضا حتي يشعر بآلام مرضاه فلا توجد قاعدة فالدعاية القائمة علي ركوب الميكروباص والمترو وأكل الكشري لا تعني شيئا. ولقد رصدت بعض ما قاله أو فعله بعض الرؤساء المحتملين، د.أبو الفتوح ردا علي الأستاذ عمرو الليثي من تحب سماعه من المطربين؟ أجاب موسيقي أم كلثوم وفيروز والمعروف أن المطربات بهن أصوات.. فهل الصوت عورة يادكتور؟! فأم كلثوم ليست السنباطي فهي صوت لا لحن. وعن فائدة البنوك والتي يعيش عليها قطاع هائل من المصريين من الطبقة المتوسطة قال إنها ربا، ربا حرام فهل هؤلاء يا د. يتحملون مجازفات المضاربة وهم أصحاب ودائع متواضعة لاتتحمل التجارة؟! من قصر الشوق لنجيب محفوظ: (إن الأمم تحيا وتتقدم بالعقول والحكمة السياسية والسواعد، لا بالخطب والتهريج الشعبي الرخيص).