الدستور يجب ألا يلبي تطلعات الأغلبية المؤقتة التي تأتي من خلال الانتخابات ولكن هو دستور لكل المصريين يعبر عن قيم إنسانية أبدية هي بحق ديمقراطية آخر زمن تلك التي يتم تشويهها وتفريغها من جوهرها العظيم ويشارك في تأبينها كل مصري يلوذ بالصمت ويعتنق الباطل ويتنازل عن الصواب والمنطق من خلال مقايضة قبيحة. فلقد استسلمت القوي السياسية الليبرالية، الثوار والنخبة التي دأبت دوما علي التفريط، التحول أمام الموجة الرائجة، والهادرة المهيمنة، فكان أن تنازل الجميع عن أهم مطلب مشروع وهو دستور يوضع قبل الانتخابات يمثل كل شرائح وفئات الشعب دون إقصاء أحد، أما المشهد الراهن ناضح بالعبث، الانتهازية، الخنوع ويلوح بالخطر الداهم فالدستور هو الضامن لسير الديمقراطية في الطريق السوي، هو صمام الأمان، أما مايجري الآن هو نوع من التدليس والتلاعب بأعظم إنجازات البشرية.. الديمقراطية فهي تحاكي الحرية تحتاج ضوابط وضمانات.. فالأغلبية لا تكون دائما علي حق، وخاصة في الأوطان التي نهشتها الأنظمة الفاسدة، المسعورة ودمرها الاستبداد ، فباعت العقل المصري لمن يدفع الثمن فكان تشويه العقيدة، وبث الجهل، الخرافة، فافتقدنا التنوير الباعث علي النهضة، فتفشي إخصاء الفكر، موات الروح وغياب الوعي، بل إن كل الشعوب 06٪ يتمتعون بذكاء متوسط و02٪ يفتقدونه و02٪ يحظون بالذكاء والبصيرة، أما خطيئة خوض الانتخابات قبل عمل دستور يليق بقامة وشموخ مصر وتعدديتها فهو بمثابة إلقاء الوطن في براثن المجهول الذي أصبح معلوما، فالمستفيد الوحيد من تلك الخطة المارقة هم الجماعات الدينية هؤلاء الذين يتلمظون ويتهيأون للتكويش علي السلطة والانقضاض علي الثورة وإلقاء مصر في هوة الإظلام. فلقد أحست تلك التيارات التدينية، المسيسة بالنهم لامتطاء السلطة وشعرت بالاستقواء خاصة بعد اندلاع ثورة يناير ولم لا ألم تكن لجنة (ترقيع) الدستور أقرب إلي لجنة حزبية تعبر عن حزب الإخوان! إن الأنظمة الديمقراطية في العالم قد تأتي بأسوأ الطغاة لو لم تتحصن بالضمانات المنشودة لحماية حرية إنسانية وآدمية كل فرد في المجتمع. فلقد أسفرت تلك الأنظمة الديمقراطية ذات يوم معتم شمسه ولدت سوداء عن مجيء أعتي الطغاة هتلر وموسوليني وكان هذا في حضرة نظام انتخابي.. أما مايحدث الآن في مصر فهو مأساوي حتي من تقدموا للترشيح للرئاسة تنازلوا عن الصواب ويساهمون في مسخ الديمقراطية والالتفاف حولها وإخضاعها لصفقات ومؤامرات تحاك من الخارج والداخل في آن واحد، والترويج لفكرة أنه لايمكن إهدار 8 أشهر، وأتساءل ماهي قيمة حفنة من الشهور في تاريخ الأمم، وكيف بعد ثورة لا يصك عقد اجتماعي جديد وأساس صلب يرضي جميع الأطراف ويعصم الوطن من الفوضي وأناشد كل مثقف وطني، كل ثائر شريف وكل سياسي ينتمي لمصر لا لحزب أو مجموعة أن الفرصة مازالت سانحة والرجوع إلي الحق، المنطق والصواب فضيلة وإنقاذ للوطن. أقول لكل مواطن مصري لايرنو إلي مكاسب شخصية أن يلفظ الديمقراطية المزيفة، المضللة (المصنوعة في تايوان)!! وأردد ما سطره نزار قباني: »إن من فتح الأبواب يغلقها، وإن من أشعل النيران يطفيها« وأضيف أنا: وإن من بدأ الثورة يكملها، وكفانا بروفة الاستفتاء، الترويع والتهديد وتكفير كل من يدنو من مطلب الدستور أولا، كفانا الارهاب الفكري والتلويح ببحر دماء لكل من يتطلع إلي مضاهاة الأمم المتحضرة التي تتبع المنطق، العلم وحقوق الإنسان، فمجرد هذه التهديدات كانت يجب أن تصبح بمثابة ناقوس خطر ومؤشر لما هو قادم لو تم التغاضي عن أهمية الدستور، فكفانا تراث الانحناء، الاستسلام لمن يغرسون الفرقة الرجيمة، الكراهية، التحريض، المراوغة، المزايدة، وإشعال الحرب النفسية من خلال الإيحاء بأنهم الأقوي لمجرد أنهم صاروا علي السطح. لقد انهكتنا سياسة النفس القصير وافتقاد الاتقان حتي في القيام بثورة !!! وتدجين الروح الثورية التي قامت ضد نظام بأسره وليس ضد أفراد فحسب ولنكف عن إدمان نظرية المقارنات مثال: تركيا تعمل الدستور بعد الانتخابات والإجابة تركيا لم تندلع فيها ثورة، الإخوان أرحم من السلفيين وأقول لا فرق بينهم إلا في الدهاء فالأهداف واحدة والإسلام السياسي خطورته سافرة، فالسياسة تفتقد النقاء تجنح دوما إلي البرجماتية والمصالح والعقيدة يجب ألا تشوبها شائبة، وهكذا فبعد التنازل عن الدستور أولا فلتنتظروا إذن الدستور أبو لحية ليتم إقصاء السيدات، الأقباط والمسلمين الذين لا يتبعون الكتالوج من قبل التيارات التي يتم تلميعها والتغاضي عن مصادر تمويلها ومن ثم تتحقق وصية النائم علي الفراش: »إما أنا أو التيارات الدينية والفوضي ولتصبح الديمقراطية في أتون تلك الأجواء المريبة بدون الدستور أولا أشبه بمسخ، أمنا الغولة أو ميدوذا تلك المخلوقة الاغريقية الغابرة التي تحول شعرها إلي أفاعي تسعي مطلوقة دون رادع تبث الشرور، الانفلات ولتتجلي عبارة نجيب محفوظ »الثورة يقوم بها الشجعان ويستفيد منها الجبناء«.