رحل عن دنيانا المفكر الفيلسوف الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، وقد عاش حياته كلها متفرغا للعلم والفلسفة، ومؤمنا إيمانا عميقا بأهمية العقل في التقدم والرقي والحضارة. وماجلست معه مرة، إلا كان حديثه عن أهمية العقل ونبذ الخرافة والأسطورة، وقد أهداني معظم مؤلفاته التي تحتل منطقة عذراء من نفسي. وكان رحمه الله يري أن الفلسفة تمهد الطريق نحو المستقبل وعندما تسأله كيف؟ يقول لك: توصلت في دراستي عن الفلسفة العربية والطريق إلي المستقبل، إلي أن العقل، والعقل أولا وأخيرا، إنما يمثل الطريق الذهبي الذي يجب أن يعتز به العرب إذا أرادوا أن يصبح الحال غير الحال، كما تبين لي أن البعد الإنساني كان مهتما به من جانب مفكري العرب ولم يكن نسيا منسيا، كما يزعم كثير من الدارسين، وقدمت الأدلة علي ذلك في كتاب مفكري وفلاسفة المشرق العربي والمغرب العربي أيضا، كما توصلت إلي القول بأننا نستطيع التفرقة بين طريق مغلق ومسدود نجده عند الغزالي الذي هاجم الفلسفة والفلاسفة هجوما عنيفا خاصة في كتابه (تهافت الفلاسفة) وطريق مفتوح علي كل التيارات نجده عند الفارابي في المشرق العربي، وعند ابن رشد في المغرب العربي كما توصلت إلي ضرورة الاعتزاز بالنقد، وخاصة النقد الفلسفي، ودليلنا علي ذلك أن النقد يجعل الفيلسوف يقف علي قمة عصره، كما وجدنا ذلك عند أرسطو قبل الميلاد، وعند ابن رشد في الفكر العربي، وعند القديس توماس الإكويني في الفلسفة الغربية في العصور الوسطي. وكان رحمه الله يري أنه من الممكن التغلب علي الفهم غير الواعي للدين، ويمكن تلخيص رأيه بأنه توجد وسائل كثيرة نستطيع بمقتضاها التغلب علي الفهم غير الواعي للدين، ولابد أن نبدأ بالمنزل أولا ومايوجد به من أفراد كالأب والأم فقد تكون لدي أفراد الأسرة مفهومات خاطئة عن الدين، بالإضافة إلي المدارس والجامعات فكم نجد بالمناهج التعليمية بعض الأفكار التي تضرب عرض الحائط بالأفكار الجوهرية والصحيحة في الدين، وأيضا وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون، ثم نجد فهما غير واع بالدين أحيانا عن طريق الخطباء والوعاظ بالمساجد المنتشرة في الريف بصفة خاصة. ولا يمكن التغلب علي الفهم غير الواعي للدين إلا عن طريق التركيز علي كتابات وأقوال المصلحين الدينيين أمثال الشيخ محمد عبده والمراغي والشيخ شلتوت، كما أنه من الضروري أن نبين للناس أن التدين لا يقتصر علي الأقوال فقط، بل إنه يرتبط ارتباطا رئيسيا بالسلوك والفعل والعمل ولعل هذا مادفع الشيخ محمد عبده إلي القول بأنه وجد بفرنسا مسلمين بلا إسلام، ووجد بمصر إسلاما بلا مسلمين. رحمه الله.. كان مفكرا وفيلسوفا، يكتب بأسلوب أديب، وعقلية فيلسوف، وبمنهج بعيد عن الأسطورة ووهم الخرافات.