الأهرامات هي الوحيدة من عجائب الدنيا السبع المحتفظة بمكانتها ومركزها الأول منذ آلاف السنين وحتي الآن. وعلي الرغم من ذلك شهدت المنطقة الأثرية الأشهر عالمياً تعديات كثيرة تاريخياً، وصلت إلي ذروتها عقب ثورة يناير 2011، مع تنامي البناء العشوائي. »نزلة السمان» واحدة من تلك المناطق القديمة المتاخمة لمقابر الفراعنة العتيقة والتي تشوه بانوراما الأهرامات. ويضطر السائح لاجتيازها للوصول إلي الأهرامات الشامخة. تحركت الدولة مؤخراً تحركاً إيجابياً لإعادة الأمور إلي نصابها، والحفاظ علي هذا الأثر الإنساني العظيم، فتشويه المكان لا يختلف كثيراً عن سرقة آثاره عبر عمليات تنقيب غير قانونية، أحدثها تم الكشف عنه قبل أيام. في هذا الملف استطلعنا آراء الخبراء وأكدوا أن مشروع التطوير يعيد الوجه الحضاري لمصر، كما استمعنا لرأي سكان المنطقة، وتأكد لنا ما ورد في بيان الحكومة بأنه لا تهجير للأهالي، وكل ما تم هو إزالة الأدوار المخالفة والتي لم تتعد الأربعة منازل، كما رصدنا الأفكار التي تقدم بها سكان المنطقة لأجل التطوير، وعكست ترحيبهم بعملية تجميل المنطقة الحاضنة للأهرامات وأبوالهول، فمن الصعب فصل الحجر عن البشر. »وقف الخلقُ ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجدِ وحدي.. وبناةُ الأهرامِ في سالفِ الدّهر كفوني الكلامَ عند التحدي» لم يُبالغ شاعر النيل حافظ إبراهيم في رائعته التي شدَت بها أم كلثوم، في وصف عظمة المصريين الذين شيّدوا واحدة من عجائب الدنيا السبع، والذين يسعي أحفادهم الآن في إبراز إرث الأجداد بالصورة التي تليق به، من خلال مشروع تطوير منطقة الأهرامات التي ظلت لسنواتٍ طويلة بغير خدمات أساسية لائقة للزوار، وهو المشروع الذي يعتمد علي رفع كفاءة البنية التحتية والخدمات السياحية المُقدّمة، ما رفع سقف التوقعات بأن يحقق التطوير طفرة حضارية للمنطقة، مع بدء التعافي النسبي لمعدلات السياحة الأجنبية. »آخر ساعة» قامت بجولة لرصد تفاصيل المشروع قبل أشهر من افتتاحه رسميًا. بحسب القائمين علي المشروع الذي تنفذه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وشركة أوراسكوم، تم الانتهاء من المخطط العام للتطوير من الناحية الهندسية والإنشائية بنسبة 100%، علي أن يكون افتتاحه في نهاية العام الجاري، ما يزيد من أهمية استغلال حدث الافتتاح في الترويج للسياحة، وهو ما تقوم عليه بالفعل وزارة السياحة بالتعاون مع وزارة الآثار. خاصة أن المشروع تأخر ظهوره إلي النور لسنواتٍ طويلة، حيث بدأ العمل به منذ عام 2009 لكنه توقّف عام 2011 مع قيام ثورة يناير، في ظل حالة عدم الاستقرار التي أعقبت الثورة، فضلاً عن أنه لم يكن هناك دعم مالي للمشروع آنذاك. حتي استُأنفت أعمال الإنشاءات مرة أخري مع تولي الدكتور خالد العناني حقيبة الآثار. كان في استقبالنا الأثري أشرف محيي الدين مدير عام منطقة الأهرامات الأثرية، ومحمود السيد مفتش الآثار بمنطقة الهرم الذي اصطحبنا في جولة داخله. علي بعد كيلومترين من الأهرامات في اتجاه طريق الفيوم، تظهر ملامح المشروع الذي يبدأ ببوابة شاهقة أُقيمت علي الطراز الفرعوني. يوضح محيي الدين أن المشروع الذي يمتد علي ثلاث مراحل، يبدأ من نقل وترحيل المدخل والمخرج الرئيسي للمنطقة الأثرية من الطريق الحالي الذي يمر بمنطقة »نزلة السمّان» وفندق »مينا هاوس»، إلي طريق الفيوم أمام منطقة حدائق الأهرام، حيث أعددنا وصلة جديدة للطريق. مبني جديد لقسم شرطة السياحة والآثار بجوار البوابة، يجاوره مبني للدفاع المدني وآخر للإدارة الهندسية الخاصة بعمليات الصيانة والترميم وغرفة تحكم لأنظمة المراقبة، بخلاف المخازن وموقع تمركز وحدات الإسعاف. يتابع: وصلت التكلفة الإجمالية للمشروع 400 مليون جنيه، حيث وفرت لنا وزارة السياحة 52 مليون جنيه، ليكتمل باقي التمويل من مجلس الوزراء. ويعتمد المخطط علي تطوير ورفع كفاءة المنطقة وإقامة البنية التحتية، من المباني والمنشآت والطرق التي تسمح بتقديم كافة الخدمات السياحية للزوار والسيّاح علي أعلي درجة من الجودة. عملية التطوير تراعي البعد الاجتماعي لأهالي المنطقة، وزيادة معدلات السياحة ستعود بالنفع علي أهالي نزلة السمّان علي عكس ما يتردد، حيث يسمح لنا باستقبال 20 ألف زائر يوميًا وهذا ما نسعي إليه. يضيف: حتي نضمن نجاح المشروع كان يجب أن نُسند أعمال تقديم وإدارة الخدمات لشركة متخصصة في الإدارة السياحية، وبعد مفاوضات جرت علي مدار عام ونصف مع أكثر من شركة، تعاقدنا مع الشركة المصرية للاستثمار القابضة »أوراسكوم»، بنظام حق الانتفاع لتقديم الخدمات فقط، بما فيها إدارة البازارات والمطاعم وأعمال النظافة وإدارة الأمن، كذلك عمليات التسويق والترويج للمنطقة بما في ذلك إقامة الفاعليات المختلفة، دخل مضاف للدولة ممثلة في وزارة الآثار، حيث تكون العوائد مناصفة بنسبة 50% تعود لخزينة الدولة. يمتد الطريق إلي مركز الزوار الجديد المُصمم بطريقة متناغمة مع البيئة الأثرية من حيث الألوان والطُرز المعمارية المُستخدمة، والتي أُدمجت في تصميمها أيقونات فرعونية مثل الأعمدة وأزهار اللوتس. في المقابل نجد ساحة كبيرة للانتظار مُخصصة للأتوبيسات السياحية وسيارات الزوار، وأخري للأتوبيسات الخاصة بالرحلات المدرسية. ويشير محيي الدين إلي أن جولة السائح ستبدأ من مبني مركز الزوار الذي سنعد في مدخله مجسّمًا كبيرًا »ماكيت» لمنطقة الأهرامات والجبانات، كما أعددنا تصميمًا داخليًا للجدران المُقابلة، بحيث تعرض خرائط تفصيلية وصورًا فوتوغرافية تتضمن شرحًا توضيحيًا للمنطقة، حتي نقدم للزائر قبل بدء جولته رؤية بانورامية كاملة للموقع. وهناك مشروع تقوم به إحدي الشركات الدنماركية لإتاحة إمكانية محاكاة تجربة دخول الهرم، من خلال نظارات وأجهزة تعمل بتقنية الواقع الافتراضي. كما يضم المبني قاعة مخصصة للسينما لعرض أفلام تسجيلية توضيحية عن الحضارة الفرعونية وتاريخ المنطقة الأثرية وأعمال الحفريات. وسنعمل خلال الفترة المقبلة علي تطوير وتحديث عروض الصوت والضوء، من حيث تقنيات العرض والمؤثرات المستخدمة، كما سنزيد الطاقة الاستيعابية للمسرح الذي لم يطوّر منذ خمسين عامًا. يضم المبني أيضًا 28 بازارًا لبيع العاديات، سنتيحها للتعاقد من خلال الشركة للراغبين في تأجيرها سواء من أهالي نزلة السمان أو غيرهم، كما أنشأنا 20 دورة مياه جديدة لمعالجة أوجه القصور التي كانت موجودة في المنطقة. أما المبني الآخر فهو مخصص للطلبة وسيضم أقساما خاصة بإيصال الوعي الأثري بأهمية الحضارة المصرية وتاريخنا العريق، فضلاً عن كافيتيريا ومطعم مُقام علي مستوي عالمي. مؤكدًا أن تصميم المشروع بالكامل تم وفقًا للمعايير السياحية العالمية، حيث يراعي ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع مراحله، من خلال طرقات ومسارات مخصصة لهم فضلاً عن شباك تذاكر منفصل. »زدنا أعداد منافذ بيع التذاكر في المشروع الجديد لتصل إلي 15 منفذًا لمنع تكدّس الزوار، حيث كانت تقتصر في المنطقة القديمة علي خمسة منافذ فقط.» لينتقل السياح بعد ذلك كما يوضح مدير الأهرامات إلي المنطقة المُظلّلة التي ستضم 30 أتوبيسًا كهربائيًا صديقًا للبيئة، والتي تعاقدت عليها شركة أوراسكوم بالفعل، فلن نسمح بدخول السيارات إلي المنطقة الأثرية، وستقوم هذه الأتوبيسات بنقل السياح بشكل دوري متتابع كل أربع دقائق لبدء مسار الزيارة الرئيسي للمزارات السياحية، التي تبدأ بالبانوراما الأولي يليها الهرم الثالث ثم الهرم الثاني والجبّانة الغربية، وصولاً إلي الهرم الكبير والجبّانات الشرقية ومتحف مركب الشمس، لتنتهي بزيارة منطقة أبو الهول مع الوقوف بكل مزار لالتقاط الصور التذكارية. ويمر مسار الزيارة الرئيسي بمنطقة التريّض التي أقمناها علي مساحة 18 كيلو مترًا ضمن المشروع بمحاذاة للمنطقة الأثرية، وهي المنطقة المخصصة لركوب الخيل والجمال، وستكون هناك رقابة من قِبل الشركة المسؤولة عن خدمات المنطقة، لتفادي المضايقات التي يتعرض لها السياح من قِبل البعض. يتابع: طورنا كذلك مهبط الطائرات ليتسع لأربع طائرات هليكوبتر، كما انتهينا من بناء سور مراقب بالكاميرات لإحكام السيطرة الأمنية علي المنطقة. فضلاً عن أننا نعد حاليًا المرحلة الثانية من مشروع التطوير والمتمثلة في إقامة ممشي سياحي بطول 3 كيلو مترات يمتد من المدخل الجديد للمنطقة الأثرية وحتي المتحف الكبير، وهذا سيتطلب إقامة نفق في ميدان الرماية لاستيعاب الحركة المرورية، كما انتهت الهيئة الهندسية من إزالة نادي الرماية وأجزاء من المنشآت الحكومية والعسكرية الواقعة في الحيز المُحدد للممشي.