معبد التمساح بحديقة المتحف البداية عندما تعرض هيرودوت أب التاريخ لذكر مصر قال: (بخصوص مصر فإني سأتحدث عنها الآن بإسهاب، لأنه لا توجد في أي بقعة أخري، مجموعة مماثلة من الأشياء الرائعة، فمصر وحدها تحتوي علي عجائب يعجز البيان عن وصف عظمتها). والواقع أن مصر كما يقول د. فيكتور أنطون جرجس أول مدير مصري للمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية في الفترة (1952 1958) ، من البلاد النادرة في العالم التي حفظت لنا علي مر العصور ، وثائق وآثاراً ومخلفات لمختلف الشعوب، وحافظت بالإضافة إلي ذلك علي المعتقدات الدينية والحضارات المتباينة، وكلها في مجموعها، ضمت لتزود المتاحف علي توالي العصور ، بالتحف وفق تاريخها المتتابع. كان أول من اهتم بجمع الآثار اليونانية الرومانية هو "مجلس المعارف المصري" الذي كان مقره مدينة الإسكندرية، فقام بجمع الهدايا التي تبرع بها محبو الآثار. وعندما انتقل مجلس المعارف إلي القاهرة تفرقت هذه المجموعة في بعض دول العالم مثل أثينا وفيينا ونيويورك، ولكن باجتهاد العالم الأثري "ميريت" أمكن جمع بعض القطع الأثرية في متحف صغير في بولاق به قاعة واحدة للآثار اليونانية والرومانية. تولي بعد ذلك "ماسبيرو" رئاسة متحف بولاق فقام بتطوير القسم اليوناني الروماني ولكنه اكتشف أن إقامة متحف خاص للإسكندرية أمر ضروري وواقعي لجمع شتات هذه الآثار المتفرقة. ولذلك فإن المتحف المصري بالقاهرة يصور بوضوح العصر الفرعوني، والمتحف القبطي بمصر القديمة يمثل العصر المسيحي، والمتحف الإسلامي بالقاهرة يمثل العصر العربي، بينما يجمع المتحف الإسكندري نفائس العصر اليوناني الروماني. وقد أنشئ المتحف اليوناني الروماني عام 1891 داخل مبني بشارع رشيد (طريق الحرية حالياً) ، كان حينئذ مكوناً من خمس حجرات - لحفظ آثار مدينة الإسكندرية التي كانت تظهر من آن لآخر من أعماق الأرض مع أعمال الحفر لمنازل ومنشآت المدينة المختلفة، وكان حينئذ علي قدر كافٍ من الاتساع لاستيعاب بضع مجموعات أثرية كانت عبارة عن هبات أو آثار منقولة من مصلحة الآثار بالقاهرة، ولكن سرعان ما ازدهر هذا المتحف بفضل البحوث الأثرية بالإضافة إلي الهدايا التي قدمها للمتحف هواة الآثار، حتي لقد ازدحم بالمجموعات الأثرية وبات في حاجة مُلحّة إلي مكان أوسع يليق بعظمة المدينة القديمة، تحفة الإسكندر الأكبر وخلفائه. وفي 17 أكتوبر 1892 قام الخديو عباس حلمي الثاني بافتتاحه رسمياً. بازدياد حركة العمران والاهتمام بالآثار القديمة للمدينة - كما يذكر العالم الأثري الجليل الأستاذ أحمد عبدالفتاح المدير السابق للمتحف.. ظهرت الحاجة إلي إنشاء المتحف الحالي وفي عام 1895 بدئ بالجناح الغربي (مكون من الحجرات 1 11) واكتمل بناء المتحف بشكله العام سنة 1904 والمبني من تصميم ديتريش وستيون. كنوز المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية والمتحف يضم مجموعات رائعة يرجع تاريخها غالباً إلي القرن الثالث قبل الميلاد حتي القرن الثالث الميلادي، وهي منسقة تنسيقاً يلائم تتابع العصور ومعروضة علي الوجه الآتي: نقوش يونانية ولاتينية ثم شواهد جنائزية إما محفورة أو ملونة ثم مجموعة من ورق البردي ثم بعض الآثار الفرعونية التي وُجدت بمدينة الإسكندرية ثم قلة من المومياء اليونانية والرومانية ثم بعض الآثار المصرية اليونانية وبعض تماثيل تبين فن النحت اليوناني الروماني، كما تعرض بعض نواحي فن المعمار. يلي ذلك تماثيل رومانية وقطع كاملة من الفسيفساء، كما توجد بعض التحف الزجاجية الملونة والتحف العاجية. كذلك هناك مجموعة من التوابيت ومجموعة ضخمة من التماثيل الفخارية الصغيرة والمسارج ومجموعة من الأواني الجنائزية لحفظ رماد الجثث المحروقة ومجموعة من العملة البطلمية والرومانية وبعض الحلي. كما توجد آثار ترجع إلي العصر المسيحي تم العثور عليها بمنطقة القديس مينا الواقعة بمريوط غرب الإسكندرية والتي اهتم بتجميعها وإنشاء قسم لها بالمتحف الأستاذ بانوب حبشي (1913 1956) مفتش آثار الإسكندرية وعاونه فيها الأستاذ بديع عبدالملك (1908 1979) خبير رسم الخطوط والرسومات الفرعونية بالمتحف، هذا بالإضافة إلي مجموعات من العصر القبطي عُثر عليها بمناطق الشيخ عبادة والأشمونين وأخميم وأسوان. ومن بين قطع تلك المجموعات لوح رخامي مصور عليه بالبارز القديس مينا واقفاً بين جملين رابضين، وكذا عمودان رخاميان وجانب من حاجز هيكل رخامي. أيضاً تمثال للراعي الصالح يرمز للسيد المسيح يرجع للقرن السادس الميلادي. هذا بالإضافة إلي أنه في الجزء الشمالي من حديقة المتحف أُعيد بناء معبد التمساح المقدس المنقول من ثيادلفيا (بطن هربت بالفيوم) حيث أُكتشف هذا المعبد سنة 1912. وفي الجانب الغربي من هذا الجزء من الحديقة توجد قطع من الخشب عبارة عن أجزاء من معصرة قديمة عُثر عليها بثيادلفيا بالفيوم كانت تُستخدم لعصر العنب لعمل النبيذ. أما أجمل القطع الفنية التي يضمها المتحف فهي تمثال للآلهة "فينوس" آلهة الجمال التي عُثر عليها بمنطقة سيدي بشر عام 1973 وهي في وضع الاستعداد لأخذ حمامها وقد تجردت من ثوبها تماماً الذي وضعته أعلي إناء للعطرأسفلها من اليسار ووقفت رافعة قدمها لتخلع نعلها وإلي جوارها ابنها "كيوبيد" إله الحب يمد يده نحوها وقد فقد ساقه اليسري. مجموعة التناجرا بالمتحف مما يسترعي الانتباه بوجه خاص مجموعة التماثيل الفخارية الصغيرة والملونة وهي المعروفة باسم تناجرا Tanagra نسبة إلي بلدة باليونان اشتهرت بصنع هذا النوع من التماثيل هذه المجموعة يرجع تاريخها إلي أوائل العصر الهيلينستي (350 200 قبل الميلاد). ويمكن للمشاهد أن يري فيها الألوان الحية إلي جانب دقة الصنع وجاذبية المشرق وروعة الفن مصورة في ملابس زاهية وتتشح بالدثار، ويعلو رؤوس بعضها قبعات مفلطحة. والواقع أن هذه المجموعة التي تثير الإعجاب هي من أروع المجموعات بين نظائرها في كافة أنحاء العالم. وقد وُجد أغلب قطع التناجرا في جبانات الشاطبي والحضرة والإبراهيمية بالإسكندرية. جريمة تطوير المتحف!! في عام 2005 ظهرت فكرة تحمل اسم "مشروع عاجل لتطوير وترميم المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية" بغرض إعداده للزيارة السياحية، فقرر وزير الثقافة وقتها السيد فاروق حسني تنفيذه بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 70 مليون جنيه، ثم صرح أمين المجلس الأعلي للآثار وقتها د. زاهي حواس بأنه سيتم البدء في تنفيذ المشروع اعتباراً من أوائل يوليو 2005 والذي يستغرق حوالي سنتين. والذي حدث أنه حتي عام 2007 لم يحدث أي شئ. بعد ذلك تم إغلاق المتحف أمام الزائرين مازال مغلقاً حتي الآن ثم تم نزع أرضية المتحف الرخامية والمستوردة من إيطاليا، تلك التي ظلت سليمة طوال الفترة (1904 2007) !! أين ذهب هذا الرخام؟ وأين ذهبت الأموال المخصصة للترميم المزعوم والتطوير غير المفهوم؟ من يحاسب المسئولين عن تلك الجريمة؟ أيضاً فإن هذا التطوير المزعوم سيُفقد المتحف خاصتين يتميز بهما عن جميع متاحف العالم: أولهما الإضاءة الطبيعية، وثانيهما التهوية الطبيعية. هاتان الخاصتان تجعلان الزائر يستمع بمناخ صحي وهو يتجول داخل قاعات المتحف. مما حدا بالسيد وزير الآثار أن يطالب اليونسكو بالتدخل لإنقاذ المتحف الذي لا يوجد له مثيل في العالم. شعب الإسكندرية يبكي علي التدمير المتعمد الذي حدث للمدينة في جميع المجالات. من ينقذ المدينة الثقافية ويعيد لها مجدها العظيم؟