يتصاعد التوتر في منطقة الخليج والشرق الأوسط بسبب التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وأزمة الملف النووي مع الغرب وتأثيراتها علي الأمن والاستقرار في المنطقة العربية التي تبدو علي حافة خطرة وكأنها تحولت لساحة لتجارب ومغامرات طهران وتل أبيب وواشنطن، ولكن الأخطر أن إيران تسرع من وتيرة التوتر مع جيرانها بصورة غيرمسبوقة دون اعتبار لصلات التاريخ والعقيدة الواحدة والجوار المشترك فهي تهدد دول الخليج عبر التصريحات من عدم إطلاق تسمية الخليج العربي باعتباره كما تراه فارسيا والتهديد بإغلاق مضيق هرمز وترسل بإشارات لخلاياها النائمة للتحرك فيتم الكشف في الكويت عن شبكة تجسس ممتدة في بلدان الخليج وتورط وزير بحريني في غسيل أموال لصالح الحرس الثوري الإيراني وكشف منظمة إسلامية في الأحوازعن مخطط لغزو الخليج واحتلال بعض المناطق عبر حرب سريعة وخاطفة وباستخدام الآلاف من الانتحاريين واستمرارمسلسل التحريض المذهبي في عدة بلدان عربية فيما يسمي بحملات التشيع والتي لم تقف عند حدود المنطقة العربية وإنما امتدت حتي الغرب الإفريقي , وحتي في الداخل يواصل النظام الإيراني حملاته القمعية ضد القوميات غير الفارسية والتي تشكل أكثر من نصف الشعب الإيراني وخاصة من السنة وكل هذه الممارسات لاتدعو للتفاؤل بإمكانية التقارب بين إيران والعرب علي المدي القريب أو البعيد وتدعو للتشكيك في النوايا الإيرانية تجاه المنطقة وتؤثر سلبا علي العلاقات مع محيطها الإقليمي ولن تفلح طهران في ركوب موجة التضامن مع الفلسطينيين للتوغل في المنطقة مقابل كسب مساحات للتواجد فتجربة العراق خير دليل علي كارثية هذا التواجد علي حاضر ومستقبل هذا البلد وسعيها لنزع هويته العربية والمذهبية , والسؤال المطروح الآن : إلي أين تمضي إيران في طموحاتها وأطماعها وهل ثمة صدام عربي إيراني في الطريق ؟ مرت العلاقات العربية الإيرانية بمحطات مهمة اتسمت بالتوتر وذلك منذ سقوط حكم الشاه وإعلان قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة الخميني ومن أهم هذه المحطات حرب الخليج الأولي والتي استغرقت عقد الثمانينات بين العراق وإيران والتي وجد فيها صدام حسين دعما أمريكيا وعربيا وخليجيا تحديدا وهو ما أوجد شرخا مبكرا في العلاقات بين الطرفين العربي والإيراني ومن هنا اتسمت ردود الفعل الإيرانية بالحدة ومن بينها التظاهرات العنيفة في موسم الحج عام1987 وتفجير النفق المؤدي لجسر الجمرات ومقتل المئات من الحجاج ورجال الأمن السعوديين والموقف الآخر حدث عام 1998 عندما قام الرئيس الإيراني الأسبق علي هاشمي رفسنجاني بزيارة للسعودية لأداء مناسك العمرة مع أسرته وخلال زيارته للحرم النبوي بالمدينة المنورة ووقوفه أمام قبر النبي (صلي الله عليه وسلم) تحرك خطوات للسلام علي خليفتي النبي.. أبوبكر الصديق وعمربن الخطاب رضي الله عنهما ولكنه بدلا من ذلك قام بالتفل(البصق) والسب واللعن لهما في تصرف يثير ويجرح مشاعر أي مسلم صحيح الإيمان وليس من أهل السنة والجماعة فقط وعلي مرأي ومسمع من مرافقيه ووصل الأمر إلي إمام وخطيب الحرم الشيخ عبدالرحمن الحذيفي فقام خلال خطبة الجمعة برد هذه الإساءة ولعن كل من يسيء للصحابة الكرام مما أغضب رفسنجاني ورفض الوقوف خلف الحذيفي وذهب للصلاة خارج المسجد النبوي وقامت السلطات السعودية بعزل الشيخ الحذيفي لتفادي أزمة بين البلدين وأعيد لعمله بعد أكثر من ثلاث سنوات كما تكررت حوادث التظاهر حول المسجد النبوي ومقبرة البقيع التي تضم رفات عشرة آلاف من الصحابة وبعض أمهات المؤمنين وقام بها الحجاج والمعتمرون والشيعة السعوديون وتوالت التوترات التي حكمت العلاقة بين الطرفين في العقود الزمنية التالية. أطماع إقليمية ولم يقتصر الأمر علي الاحتكاكات ومحاولة إظهار قوة الشيعة وتواجدهم في المناسبات الدينية وإنما مضت إلي أبعد من ذلك فقد أصرت طهران علي حقها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغري والكبري وأبو موسي) منذ عام 1971 ورفضت كل الوساطات طوال هذه المدة وأحدث ماأعلنته مؤخرا أنها تعتبر هذه الجزر جزءا لايتجزأ من الأرض الإيرانية بل ومضت لمدي أبعد وعبرموقع إيراني علي الإنترنت (عصر إيران) مقرب من التيار المحافظ بدعوة لإنشاء محافظة جديدة تحمل اسم الخليج الفارسي وتكون جزيرة أبو موسي عاصمة للإقليم وتضم جزيرتي طنب الصغري والكبري وهي تعتبر الجزرنقاط استراتيجية مهمة خاصة مع احتدام الصراع مع الغرب ولأهميتها مع مضيق هرمز الذي يتحكم في تصدير %60من البترول للعالم وخاصة الغرب . ومن نقاط التوتر الأخري التصريحات التي صدرت حول اعتبار البحرين إحدي محافظات إيران وجاءت هذه التصريحات علي لسان ناطق نوري مستشار المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي العام الماضي وأثارت ضجة وأزمة بين البلدين واضطرت طهران لنفي هذه التصريحات وأنها لاتعبر عن رأي الدولة , ويذكر أن نسبة الشيعة في البحرين %60 من السكان وهناك توترات حادة شهدتها البحرين الفترة الماضية وخاصة في صفوف الشيعة بسبب اجراءات التجنيس التي شرعت فيها الحكومة واعتبروها محاولة للنيل من أغلبيتهم السكانية. ولعل نقطة التوتر الكبري جاءت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ومساهمات إيران في هذا الغزو وفتح الحدود بلارابط ولاضابط وتوافد مئات الآلاف من الإيرانيين لداخل البلاد وبدء عملية السيطرة علي مفاصل وأركان الحكم من خلال الكيانات السياسية الشيعية وتشكيل ميليشيات مسلحة قامت علي مدي السنوات الماضية بعمليات وحشية ضد المدنيين العزل وتصفية كافة رموزالسياسة والدين والعلم وقادة وضباط الجيش العراقي خاصة من السنة وحولت العراق إلي ساحة مفتوحة للقتل علي الهوية والمذهب وهو ماأثارغضبا واسعا لدي العرب من الخليج إلي المحيط وأصبح العراق رهينة وفريسة للصراع بين طهرانوواشنطن في ظل غياب الوجود العربي بكل صوره وأشكاله. ومن الملفات التي تثير القلق عربيا سعي إيران الذي لايهدأ ولايتوقف لنشر المذهب الشيعي ليس في المنطقة وإنما حول العالم فالمعروف أن عدد المسلمين في العالم تجاوز المليار ونصف المليار نسمة وتصل غالبيتهم إلي %90 من السنة والباقي من الشيعة ومنذ الثورة الإسلامية في إيران هناك سعي حثيث لنشر المذهب الشيعي في البلدان المجاورة وخاصة التي توجد بها أقليات شيعية ودول الخليج تحديدا عبر الدعم السياسي والمالي ودعوتهم للمطالبة بحقوقهم في ممارسة طقوسهم وإقامة الحسينيات وإحياء المناسبات الدينية ولكن مثل هذه المطالبات باءت بالفشل وقد بدأت إيران مؤخرا في غزو القارة الإفريقية من الجزائر إلي موريتانيا إلي غانا وغينيا والسنغال عبر تقديم المساعدات ودعم اقتصاديات هذه البلدان والاستعانة بالجاليات اللبنانية المنتشرة بهذه البلدان ونسبة كبيرة منهم من الشيعة ولتحقيق هدف آخر وهو الحصول علي المعادن النادرة كاليورانيوم الذي يسهم بشكل كبير في البرنامج النووي , وتقدربعض المصادر الإيرانية أن أعداد الذين نجحت الحملات في تحويلهم للمذهب الشيعي وصلت إلي سبعة ملايين من مواطني الغرب الإفريقي كما أشارت بعض التقارير إلي أن أعدادا من الجزائريين توافدوا علي مدينة قم المقدسة لدي الشيعة ويقيمون بها بعد تشيعهم وتعتمد إيران علي العامل الاقتصادي في امتدادها في القارة الإفريقية في ظل غياب دور للدول العربية والإسلامية. شبكات ومخططات وقد حرصت إيران علي التوغل عربيا بعقد العديد من التحالفات مع عدة بلدان عربية كسوريا وقطر وتدخلها بشكل كبير في الشأن العراقي بل وسعت إلي محاولة احتواء بعض المنظمات الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي ودعمها ماديا وسياسيا ورعايتها الكبيرة لحزب الله اللبناني سياسيا وماديا وعسكريا لكن ظلت علاقاتها مع العديد من الدول ذات الثقل السياسي عربيا كمصر والسعودية متوترة بشكل مستمر وانسحب ذلك علي العديد من الدول العربية الأخري كما أن السبب الرئيسي في برودة هذه العلاقات يرجع لارتباط هذه البلدان بعلاقات قوية مع واشنطن وسجل العلاقات بين البلدين حافل بالكثير من الفصول الساخنة منذ عدة عقود زمنية لكن العديد من هذه الدول لايمضي في علاقاته مع واشنطن إلي حالة المشاركة في استهداف طهران عسكريا وقد عبر الأميرتركي الفيصل رئيس المخابرات السعودي السابق عن هذه الحالة بقوله إنه رغم الخطر الإيراني علي المنطقة (البرنامج النووي)إلا أنه يرفض مقاطعتها في ظل الروابط المشتركة والمصالح المتبادلة وأيد الاقتراح الذي تقدم به عمرو موسي للقمة العربية الأخيرة في ليبيا حول رابطة دول الجوار لكنه حذر من استغلال إيران للصراع العربي الإسرائيلي لتوسيع نفوذها في المنطقة كما هاجمت طهران مؤخرا التصريحات التي أدلي بها عبد الرحمن العطية أمين مجلس التعاون لدول الخليج العربي حول التصريحات الإيرانية الخاصة بفارسية الخليج العربي والتي قال فيها إن هذه الادعاءات ضحك وتطاول علي التاريخ فالوجود العربي علي الخليج مستمر ومثبت منذ ثلاثة آلاف عام بينما الوجود الفارسي يعود للدولة الصفوية أي منذ خمسة قرون فقط.. المتحدث باسم الخارجية الإيرانية هدد في حالة تكرار مثل هذه التصريحات برد حازم وشديد من الشعب الإيراني. وإلي جانب هذه المناوشات الكلامية فإن الأخطر هوالقبض علي شبكة تجسس في الكويت مكونة من عدة جنسيات عربية وعلي صلة بالحرس الثوري الإيراني تقوم بعمليات غسيل أموال واتجار في المخدرات والسلاح وتعمل علي رصد الأهداف الحيوية وفي نفس الوقت وجه اتهام لوزير الدولة البحريني عبد الله بن رجب بالتورط في أعمال غير مشروعة بعد اكتشاف إصدار شيك مصرفي صادر من نيجيريا لمواطنة كويتية اعترفت بتورط الوزير في الحصول علي نصيب من الشيك وصلة الموضوع بأطراف إيرانية وقد أعلن ملك البحرين إعفاء الوزير من منصبه بعد توجيه الاتهام له. وفي تأكيد علي هواجس دول الخليج من إمكانية شروع إيران في استهدافها كشفت المنظمة الإسلامية السنية في الأحوازعن مخطط سري إيراني لشن حرب علي دول الخليج وضرب منشآت حيوية ويشمل المخطط احتلال جنوب العراق ودفع قوات إلي منطقة الخفجي باتجاه السعودية وشن هجمات علي الإمارات وقطر والبحرين واستخدام الآلاف من الانتحاريين للقيام بهجمات في العديد من البلدان الخليجية واستخدام الغازات السامة. وهكذا يتواصل مسعي إيران في الاتجاه الذي يفقدها صداقة دول الجوار في ظل نظام يحرص علي كسب المزيد من الأعداء وهذه شهادة خرجت من العديد من الإصلاحيين في الداخل الإيراني وهي لم تقدم أي مبادرات لحسن نواياها تجاه محيطها القريب وبدلا من أن تكون إضافة للقوة الإسلامية فإنها أصبحت عبئا بل وخطرا يخشاه هذا المحيط بسبب سعيها لامتلاك السلاح النووي وفرض نفوذها ونشر التشيع ومحاولة إعادة عقارب الساعة للوراء وبناء إمبراطورية علي مياه الخليج وفي الوقت الذي يتحدث النظام الإيراني عن إسلامية مشروعه نتساءل وأين حقوق السنة في الداخل الإيراني حتي إنه لايوجد مسجد واحد للسنة في طهران وهم محرومون من ممارسة حقوقهم السياسية وفي فرص التعليم والوظائف وغيرها من الحقوق وماذا يفعل هذا النظام مع الأقليات غير الفارسية ونقول إنه لاأحد من العرب يكن كراهية لإيران ولكن علي طهران أن تقدم الكثير من الإجابات علي تساؤلات مطروحة في الشارع العربي والإسلامي حول حقيقة نواياها وتوجهاتها وهل هي صادقة في خدمة الإسلام أم أنها تسير بالمنطقة إلي حواف الصدام مع الآخرين وتشعل النار في المنطقة لتحقيق أهدافها دون حساب للآخرين.