طلبت من وزير الأوقاف السابق الدكتور محمود زقزوق أن يسمح لي بدخول غرفة المقتنيات المقدسة لرسول الله [ والملحقة بمسجد الإمام الحسين ] لعمل تحقيق صحفي عنها، وتم ذلك علي الفور، رغم أنها لا تفتح إلا لكبار الشخصيات العربية والإسلامية التي تزور مصر! ورافقني في هذه المهمة وقتها وكيل وزارة الأوقاف الشيخ عيد سعودي، والذي اتضح أنه كان قريبا من الرئيس الراحل أنور السادات، فقد ألقي أمامه أكثر من خمسين خطبة جمعة، وجلس معه عشرات المرات، كخطيب لمسجد منشأة القناطر التي تقع أمام استراحته، ثم ضمه للجنة الشئون الدينية بالسكرتارية الخاصة لرئيس الجمهورية. ولقد حدثني فضيلته عن سمات الزعيم الراحل، وشخصيته المتدينة، وذكرياته معه، وهل كان السادات صوفيا؟ وأترك الإجابة للشيخ عيد سعودي ليرويها علي لسانه... كان الزعيم الراحل أنور السادات في معظم أحاديثه لا يتكلم إلا بالقرآن »رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ«.. وكان محبا لرسول الله والصحابة وشرفت بإلقاء أكثر من خمسين خطبة جمعة وجلست معه عشرات المرات علي مدار ست سنوات حيث لقبني المقربون منه بأنني خطيب السادات والدليل علي حبه للرسول والصحابة الكرام كان يحب الحديث عن الأنبياء والأولياء والصالحين فمرة يذهب ويصلي في طنطا في مسجد سيدي أحمد البدوي، ومرة أخري في مسجد الإمام الحسين ومرة في مسجد السيدة زينب ومرة في مسجد السيدة نفيسة وكان يصلي في مساجد صغيرة مثل مسجد سيدي أبوالليل بطريق وردان بإمبابة وكذا مسجد الجلاتمة بإمبابة أيضا! وفي إحدي خطب الجمعة بمسجد منشأة القناطر »الذي سمي بعد ذلك مسجد الشهيد عاطف السادات« حيث كان حاضرا وكنت أتكلم يومها عن التصوف والزهد وعدل الإمام عمر رضي الله عنه وأرضاه فوجدته متأثرا وكنت عندما أتكلم عن الكرامات لسيدي أبي الحسن الشاذلي وسيدي أحمد البدوي وسيدي الحسن البصري وسيدي إبراهيم بن أدهم أجده ينظر إليَّ متأثرا ومطأطأ رأسه يكاد أن يبكي وكان كثيرا مايذهب إلي الوادي المقدس طوي بأرض سيناء الطاهرة في شهر رمضان المعظم وكان رحمة الله عليه معتدلا في حبه لآل البيت والأولياء. وأتذكر عندما كنت خطيبا لمسجد منشأة القناطر وجدته حضر ولا أحد يعلم أن الرئيس سوف يصلي معنا وعندما دخل المسجد جلس وسط المصلين في باحة المسجد وكان جلوسه بجوار رجل خباز والدقيق والعجين علي ثيابه وعندما أراد المصلون أن يبعدوا هذا الرجل عن الرئيس، قال أتركوه ماجئت إلا لأجلس بجوار أبنائي هؤلاء وبعد الصلاة جلس سيادته واستمع إلي بعض المشاكل ومن ضمن هذه المشاكل كان هناك مصلي صغير قريب من المسجد علي شاطئ النيل فطلبنا توسعته فأصدر أمرا ببنائه وتبرع بمبلغ كبير من ماله الخاص مساهمة منه في البناء وكان المسجد الذي نصلي فيه به بعض التصدعات فأمر بهدمه وبنائه وأثناء الهدم كنا نصلي علي شاطئ النيل فجاء سيادته وصلي معنا وتفقد بناء المسجد والترميمات وأمر بسرعة الانتهاء! ومرة في شهر ذي القعدة حضر معنا وكنت أخطب عن فريضة الحج فسألني هل أديت فريضة الحج؟ فقلت! لا فقال رحمة الله عليه إن شاء الله تحج علي نفقتي الخاصة وفعلا أديت الفريضة في هذا العام علي نفقة سيادته! وكان أول لقاء لي بالسادات في أواخر عام 6791 م وفي مسجد منشأة القناطر حضر بدون حراسة وعلي غير موعد وعندما رآه المصلون هموا لإفساح الطريق فأشار بيده لا يقم أحد وجلس في صحن المسجد وكنت حينها أتحدث عن تصحيح المسار الاقتصادي من القرآن الكريم وبعد الصلاة سلمت عليه وقال لي وفقك الله تعالي وحضر مرة أخري في نفس المسجد وبدون علم وفجأة أثناء إلقائي لخطبة الجمعة وكنت أتكلم عن مصر في القرآن الكريم وحب الوطن.. وفي يوم الثلاثاء التالي مباشرة بعد يوم الجمعة طلبني سيادته في استراحة القناطر وقال لي كن قريبا مني فقلت للرئيس أنا لم أمارس السياسة ومهمتي هي الدعوة إلي الله تعالي فقال لي توكل علي الله وكن قريبا مني وحضر رجل لا أعرفه وقال لي تشرب إيه فلم أستطع الرد فإذا بسيادته يقول لي اشرب ياعيد فإن لم تشرب في بيت رئيس الجمهورية فعند من تشرب، وقال لي ياعيد عليك أن تقرأ القصص القرآني وعن الصالحين والخلفاء الراشدين ثم تقص عليّ ما قرأته لأنني أحب القصص القرآني فوفقني الله تعالي وكان كثيرا ما يبكي عندما أتحدث عن الفاروق عمر أو عن سيدنا موسي وقصته مع الخضر وبكي عندما تكلمت عن سيدنا زكريا وقصة الإنجاب وعن السيدة مريم مع السيد المسيح (عليه السلام). قصتي مع السادات استمرت أكثر من ست سنوات رحمة الله عليه، كان محبا للعلماء وللفقراء، وكان كثيرا ما يصوم الاثنين والخميس وكان لا يغضب إلا لله والوطن وكرامة الإنسان وقد أثبت التاريخ من هو السادات، وسمعته يقول حاربت كل شئ وانتصرت عليه إلا الحقد!!! وكان السادات يميل إلي الخلوة والجلوس مع النفس متفكرا، ويطلب مني أن أتحدث معه عن النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والآمنة، والمطمئنة، والراضية، وأجيبه عن علاج كل منها، ويطلب أيضا الحديث عن كرامات الأولياء، ولخصت أمامه مرة قصة سيدي أحمد البدوي فسعد بها كثيرا، لكنه بكي أمامي وهو يتحدث عن الزهد، وماذا سيحمل الإنسان معه وهو يفارق الدنيا، وكان يسأل كثيرا عن مراقبة الله، وقال لي بصريح العبارة: إنني أحب أن أكون مع نفسي وأتفكر، وأتذكر الموت والموقف العظيم قبل أن أنام! أليس في كل ذلك دلائل علي صوفية السادات المعتدلة؟! وهي سمات العابد الزاهد القانت؟