ما الذي يمنع زوجة رئيس مصر من أن تصبح »مركز قوة« خطيرا.. تحكم وتعزل وتقرر من وراء الستار..؟ فعلت ذلك السيدة جيهان السادات وسوزان ثابت.. بل إن الأخيرة أرادت أن تحكم البلاد بعد زوجها من خلال ابنها »الوريث«.. وما هو الوضع القانوني للسيدة »حرم رئيس الجمهورية«؟ إن الدستور لا يذكر زوجة رئيس الجمهورية إلا بكلمات مقتضبة تتعلق فقط بتحديد جنسيتها.. ولكنه لا يحدد لها دورا أو موقعا أو مساحة علي الخريطة السياسية أو الاجتماعية للبلاد.. وهنا تكمن الخطورة.. فزوجات رؤساء مصر منذ قيام ثورة 52 وتحول نظام الحكم إلي » الجمهوري« بدلا من » الملكي« وحتي الآن أي منذ الجمهورية الأولي للرئيس محمد نجيب ثم الرئيس جمال عبدالناصر ثم الرئيس أنور السادات إلي الرئيس المخلوع حسني مبارك هن من حددن لأنفسهن ذلك الدور.. فزوجتا الرئيسين محمد نجيب وجمال عبدالناصر عائشة هانم وتحية كاظم اكتفتا بدور محدود انحصر في استقبال زوجات المسئولين والحكام الذين زاروا مصر في تلك الفترة. أما السيدة جيهان السادات فقد انقلبت علي هذا الدور، وصارت »سيدة مصر الأولي«.. ومنذ الأيام الأولي لتولي السادات رئاسة مصر أظهرت السيدة جيهان صفوت رءوف طموحا ظاهرا في أن تكون سيدة قوية تتدخل في شئون الحكم وفي صنع القرارات واختيار القيادات للمناصب العليا في الدولة. وكذلك فعلت السيدة سوزان ثابت في عهد زوجها حسني مبارك بدون لقب »السيدة الأولي«.. إن البحث في حياة زوجات رؤساء مصر ليس نوعا من النميمة.. ولا هو دخول إلي منطقة محرمة.. وليس هدفه مجرد سرد حكايات عن التدخل المعلن والخفي في شئون الحكم لزوجات الرؤساء.. بل هدفه لفت الانتباه إلي دور »حرم الرئيس« وتحديد هذا الدور قانونيا ودستوريا حتي لا تتكرر حكاية »سيدة مصر الأولي« بما تحمل من تاريخ يحمل الكثير من علامات الاستفهام. في هذه الحلقات نكشف النقاب عن زوجات رؤساء مصر ودورهن الخفي والمعلن في توجيه مصائر الشعب ومقدراته.. أربع زوجات.. هن زوجات رؤساء مصر .. من الرئيس محمد نجيب، إلي الرئيس جمال عبدالناصر.. ثم أنور السادات وحسني مبارك. نبدأ بأول رؤساء مصر بعد ثورة 1952.. وبالمناسبة هو أول رئيس مصري يحكم مصر منذ فجر التاريخ.. الرئيس محمد يوسف نجيب.. زوجته التي عاشت معه فترة حكم مصر هي السيدة »عائشة هانم« التي استقبلت زوجات الحكام وكبار المسئولين الذين زاروا مصر خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية علي مدار 19شهرا من 18يونيو 1953 حتي تاريخ إقالته في 14نوفمبر 1954.. أربع زوجات والذين لا يعرفون الرئيس محمد نجيب، نذكر لهم أن الضباط الأحرار اختاروه لقيادة ثورة 1952، وكان وقتها برتبة اللواء.. ومنذ اليوم الأول للثورة استراح الناس لوجه اللواء محمد نجيب، فلم يكن أحد يعرف علي وجه الدقة أو اليقين من هم هؤلاء الضباط الذين قاموا بالثورة! بغير طلقة رصاص واحدة استقر »محمد نجيب« في قلب كل مصري، لبساطته الشديدة، وطيبته الساحرة وأبوته الفياضة، وراح الناس يتداولون »صوره« ويعلقونها في كل مكان.. في المقاهي حتي غرف النوم.. وراحت صحافة تلك الأيام وعلي رأسها »المصري« و»أخبار اليوم« و»الأخبار« و»المصور« و»روزاليوسف« و»الاثنين والدنيا« وغيرها تنشر الحكايات والحواديت المثيرة عن »معبود مصر« ومنقذها« وفارسها وفتي أحلامها »محمد نجيب« الذي احتل قلوب وعقول كل المصريين بغير تردد.. في يوم وليلة أصبح اللواء محمد نجيب معبود المصريين واحتلت صوره بابتسامته الأبوية الحانية وغليونه الشهير أغلفة المجلات وصفحات الجرائد.. وما أكثر المقالات التي كتبها أعضاء مجلس قيادة الثورة ومنهم جمال عبدالناصر وأنور السادات وعبدالحكيم عامر عن »نجيب« بأنه البطل الذي ظهر فجأة في أرض النيل ليحرر العبيد، ليطعم الجياع، ويبرئ المرضي وينشر العدل والعلم والحق والمساواة.. وأصبح نجيب رمزا لبطولة أسطورية بهرت العالم كله.. وظهر علي غلاف مجلة »تايم« في 1952/8/27، وكان من أبرز الشخصيات علي مستوي العالم »آنذاك«. تولي رئاسة الجمهورية في 18يونيو 1953.. وتمت إقالته في 14نوفمبر 1954. وتحديد إقامته في فيلا بضاحية المرج كانت للسيدة زينب الوكيل حرم مصطفي النحاس باشا رئيس الوزراء وزعيم حزب الوفد بعد سعد زغلول. كان محمد نجيب ضابطا »رومانسيا« إن صح التعبير يتميز بوسامة الطبع وأخلاق الفارس وروح الناسك المتصوف.. ومن يملك هذه الصفات يعتقد أن البشر جميعا مثله.. وكان هذا خطأه العظيم الذي لازمه حتي آخر لحظة في حياته.. لكن ربما أيضا كانت هذه الصفات هي التي جعلته يحتمل كل ضربات القدر بشجاعة تفوق طاقة البشر.. فبعد أن تم تجريد الرجل من رتبه ونياشينه ومناصبه تم حبسه في زنزانة قالوا إنها قصر.. وبعد أن فشلوا في اغتيال جسده حاولوا اغتياله معنويا فشطبوا اسمه من كتب التاريخ ورفعوه من الصور التي كانت تجمعهم به واعتقدوا بذلك أنهم نجحوا في مسحه من ذاكرة الأجيال.. وعاش الرجل يجتر آلامه ويري أبناءه وزوجاته يتخاطفهم الموت أو يصرعهم الظلم. لكن سيرة محمد نجيب بقيت ناصعة.. إنه صفحة مهمة وجليلة من تاريخ مصر الحديث. عائشة هانم.. الزوجة الثانية تزوج محمد نجيب أربع مرات.. الأولي هي زينب أحمد.. اسمها علي اسم ابنة النبي ([) وكانت قبل زواجها تسكن نفس الحي الذي يقع فيه مقام سليلة آل البيت.. وأنجب منها محمد نجيب ابنته الأولي »سميحة«، ويبدو أن محمد نجيب كان مثل عامة المصريين يشتاق إلي ذكر من صلبه يحمل اسمه ولم تستطع زوجته الأولي أن تحقق له هذه الرغبة فتروج من السيدة عائشة لبيب أو عائشة هانم كما كان يطلق عليها، وأنجب منها أولاده الذكور الثلاثة: فاروق ثم علي ثم يوسف .. والسيدة عائشة لبيب كانت أخت أحدأصدقائه وهو المهندس محمود لبيب، وكانت سليلة عائلة كريمة.. وفي أول زواجه منها أقاموا في فيلا ملك أسرتها بحلمية الزيتون قبل أن ينتقلوا إلي سكن فيلا أخري بشارع طومان باي بالزيتون أيضا.. والسيدة عائشة لبيب هي التي انتقلت مع محمد نجيب وأولاده إلي منفي المرح.. وكانت سيدة جميلة الطباع وكان محمد نجيب يستريح لها نفسيا لأنها كانت تفهمه وتساعده علي تحمل المصاعب والآلام. حكايات الحارس الخاص يحكي النقيب أحمد باسم القاضي الحارس الخاص للرئيس نجيب طوال 22 شهرا قضاها بجوار الرئيس المخلوع في المرج وفي جولاته القاهرية من فبراير 4691 إلي ديسمبر 56.. لم يكن مجرد حارس، ولكن لاحظ وشاهد اللواء نجيب عن قرب.. تحدث معه عن علاقته بضباط يوليو الذين كان يسميهم الأولاد.. وبعد 03 سنة من انتهاء خدمته العسكرية.. دون ما سمعه وماشهده من الرجل. يقول الحارس الخاص لمحمد نجيب: كانت زوجته عائشة هانم كما كان يحلو له أن يدعوها تقيم معه في قصر المرج.. كانت مفرطة في السمنة.. قال لي ذات يوم: »زمان كانت تستطيع أن تنتقل من السرير لوحدها لتجلس علي الكنبة، أما الآن فهي لاتستطيع أن تغير وضعها علي السرير لتنام علي الجنب الآخر إلا بمساعدتي أنا والخادمة«.. قالها والحسرة تبدو عليه.. مستعيدا الماضي القريب يوم كان متبوئا منصب الرئاسة وكانت عائشة هانم حرم الرئيس تستقبل نساء كبار الزوار الذين يتوافدون.. مستعرضا الصور مشيرا إليها وهي جالسة مع حرم السفير الأمريكي.. ولكنها المرج الملعونة فهي نادرا ما تغادر غرفتها حتي وصلت إلي هذه الحالة من السمنة المفرطة. يضيف أحمد باسل القاضي: كنا في هذا اليوم قد أعددنا العدة لنقل السيدة عائشة هانم لقضاء فترة علاج في مركز التأهيل بالعجوزة لتخفض كيلو جرامات من وزنها المفرط.. كانت مشكلة حقيقية اضطر فيها الرجل بأن نعاونه لنقلها من الأسانسير الموجود بالفيلا، والذي كانت قد حشرت فيه حشرا.. عدة أمتار لتحشر مرة أخري في مقعد السيارة.. تعاون السائق والرقيب مع وصيفتها والطباخ في حمل الكرسي الجالسة عليه حتي باب السيارة وحتي تمت المهمة الأصعب، حشرها مرة أخري داخل السيارة حتي استقرت علي المقعد.. وبعد أن أمضت عدة أسابيع في العلاج فقدت فيها عشرات الكيلو جرامات كانت مهمة إعادتها إلي مقرها في قصر المرج أسهل كثيرا. عائشة هانم هي زوجته الوحيدة التي عاشت معه فترة توليه رئاسة الجمهورية علي مدار 91 شهرا حتي تمت إقالته وتحديد إقامته في المرج قي 41 نوفمبر 4591.. لم تخرج مهمتها خلال تلك الفترة عن استقبال زوجات الرؤساء والملوك وكبار الزوار الذين كانوا يتوافدون علي مصر في هذه الحقبة المهمة من تاريخ مصر. يذكر اللواء محمد نجيب قصة زواجه الثالث قائلا: تزوجت أم الأولاد عائشة هانم بعد أن طلقت زوجتي الأولي بأربعين يوما.. وكانت سيدة فاضلة، لكنها كانت غيورة، ولهذا طلبت مني أن لا أساعد إحدي قريباتي، التي كانت في حاجة إلي من يقف إلي جانبها، فلم تعجبني هذه اللهجة، فقررت أن أتزوج من تلك السيدة.. وفعلا.. حصل. هذه السيدة هي ابنة خاله واسمها نفيسة وكانت لها ظروف اجتماعية جعلته يقترن بها ولم تلبث أن توفيت بعد عام من الزواج أثناء ولادتها هي والجنين. أما الزوجة الرابعة.. أو زوجة يوم السبت كما يقول حارسه الخاص أحمد باسم القاضي فكانت تصغر بكثير عن زوجاته الأولي والثانية والثالثة، وهو يشكر الله أنه في هذا العمر، شيخ جاوز الرابعة والستين، إلا إنه يتمتع بكامل لياقته، ولايستطيع أن يعيش بدون زوجة شابة.. وأضاف أنها تحبه، وهي الواحة الخضراء في صحراء حياته بالمرج. ويذكر باسم القاضي أنه قال للواء نجيب أنه ضد تعدد الزوجات.. فرد عليه قائلا: يا باسم أفندي إن من مباهج الإسلام أن سمح لنا بزوجات أربع.