ذكرياتي طويلة مع الأخ والصحفي الكبير أنيس منصور بدأت منذ عام 9591 عندما كنت أعمل محررا بمكتب أخبار اليوم بالإسكندرية، وكنت أراسله بأخبار الأدب لبابه »أخبار الأدب« الذي ينشره أسبوعيا بالأخبار. وعندما تولي رئاسة تحرير مجلة »الجيل« أرسلت إليه تحقيقا عن المفكر الكبير عبدالرحمن شكري أستاذ العقاد والمازني.. وهو يحتضر في الإسكندرية في سيدي بشر وحيدا، وفوجئت بأنيس منصور يحضر بنفسه إلي الإسكندرية لأول مرة في حياته، ليقابل عبدالرحمن شكري، وأخذته ومعي كبير مصوري الأخبار أحمد سالم وحاول أنيس أن يتحاور معه لمدة ساعتين، وكان شكري في حالة يرثي لها، وتم تصويره، وعاد أنيس إلي القاهرة ليكتب في يومياته الأسبوعية في الأخبار يناشد الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة لإنقاذ عبدالرحمن شكري، واستجاب الوزير، فأرسل مندوبا لشكري لكي ينقله إلي مستشفي المواساة، وعندما ذهب المندوب إلي الشقة التي كان يرقد فيها أخبره أهله، أنه فارق الحياة، وكتب أنيس عدة مقالات عن عبدالرحمن شكري في يومياته ودوره الأصيل في الحياة الفكرية خاصة أنه كان رئيسا لجماعة التجديد في الأدب العربي، ومنذ ذلك التاريخ تعمقت صلتي بالأخ الكريم أنيس منصور، وفي يوليو 1691.. فوجئت بأن أنيس قد جعل علي أمين يوافق علي تعييني محررا لمجلة »الجيل« بمرتب 21جنيها، واستمرت علاقتي بأنيس منصور طوال 55عاما، وجعلني مديرا لتحرير الملحق الأدبي، بعد أن جاء أنور السادات إلي أخبار اليوم ليعزل محمود أمين العالم في الأخبار. وعندما تولي أنيس منصور رئاسة تحرير آخر ساعة في عام 4791، وتركت »الملحق الأدبي«، لاشترك في تحرير »آخر ساعة«، وكانت هناك صراعات فيها بين حازم فودة، ومحمد وجدي قنديل، وجميل عارف، فجعلني محررا صحفيا إلي عواصم العالم، بدأت في أغسطس 4791، برحلتي إلي اليونان ونشرت تحقيقات عن »تعال إلي اليونان لتري ما يعمله مهندسون مصريون، صورة مشرفة«.. ثم توالت التحقيقات في إيطاليا »الأكاديمية المصرية.. تدعو الفنانين لزيارة روما«، ثم توالت التحقيقات في لندن وباريس »أمام روعة الحضارة الإسلامية اهتزت لندن وباريس«. ثم وافق أنيس منصور رئيس تحرير آخر ساعة علي قيامي برحلة إلي الشرق الأقصي »طوكيو، وهونج كونج، وسنغافورة، وتايلاند، ومنحني 004جنيه، لأستمر طوال شهر كامل، لم تحدث لأي محرر«. وفي عام 6791 ذهبت مع أنيس منصور لإصدار مجلة »أكتوبر«، وقد أصدر المجلة بعد صعوبات كثيرة وأصبحت المجلة الشهيرة، واحتضن الكثير من الكفاءات الصحفية من الأخبار وغيرها، ولهذه الحكايات قصة طويلة سجلتها في كتابي »عزيزي أنيس« تحت الطبع. وإنني أروي هذه الحكايات لإلقاء الأضواء علي شخصية أنيس منصور، الصحفية، والأدبية، والثقافية، والفكرية. وأتمثل قول الشاعر: الناس صنفان.. موتي في حياتهم.. وآخرون ببطن الأرض أحياء. فقد غاب أنيس منصور بجسده فقط.. وهو حي في قلوب الملايين بإبداعاته وكتبه، ومواقفه الإنسانية التي لا تنسي!!